ميناء المخا يغرق!


شدتني رياح الكبرياء وشعرت بحالة من الزهو والافتخار كدت أبلغ بهما عنان السماء وأنا أتابع قصة ” موكا كوفي” يمنية المنشأ هولندية الاسم والتي عشقها العالم أجمع وأغرمت بها كبريات الاستراحات والمقاهي السياحية العالمية واتخذتها بعض الشركات وسيلة ترويج لها و”موكا كوفي” هي تسمية أطلقها الهولنديون على البن اليمني وتعني ” بن المخا ” نسبة إلى ميناء ومدينة المخا التاريخية إذ كان يعد الميناء والمدينة من أفضل الموانئ والمدن العالمية خصوصا في العام 1692م ولولا شهرة هذا الميناء لما عرف العالم قهوة البن بل إن الميناء لعب أدوارا كبيرة اقتصادية وسياسية على مدى أكثر من 13 قرنا من الزمن قبل وبعد الإسلام.

ومنذ ذلك الحين لم تضع أشواقي حدا لجنونها ولا قلبي سقفا لخفقانه وهما يطالباني بحزم الحقائب والرحيل إلى مدينة المخا التاريخية ومينائها العريق على أمل أن تقدم لنا تلك الفاتنة “فنجانا” من القهوة ونسمع حكاياها من أفواه شيوخها ونشتم من هناك عبق التاريخ وماضي الحضارة .
في حي ” بير باشا” بمدينة تعز ــ حيث ستبدأ الرحلة ــ كنت أبحث عن سيارة تقلني إلى المخا فوجدت سيارة “بيجو”سائقها يستمع بإمعان إلى أغنية ” لاتشلوني ولا تطرحوني ” ركابها عليهم آثار تعب ونكد الحياة وعلى جنبات الطريق المؤدية إلى هناك غبار وآكام موحشة وصحراء مقفرة مع ذلك لم تتوقف مخيلتي عن رسم ألوان السعادة التي سأجدها وأردد في نفسي “يممت حضنك والأشواق تحدوني .. إن كنت مشتاقة مثلي فضميني “.
فجأة توقفت السيارة فنظرت يمنة ويسرة فرأيت عددا من المنازل المتهالكة ومن الأمام أطفال يقطعون الشارع إلى الاتجاه الآخر وعليهم من قهر الحياة ما عليهم ثيابهم الرثة وأحذيتهم الممزقة وأجسامهم النحيلة تبين لك تفاصيل حياتهم حز في نفسي ذلك المنظر وعدت إلى التفكير بالمخا مجددا فضربني أحدهم على كتفي وقال “نحن في المخا” فشعرت أن الأرض قد دارت من حولي ولم أصدق .. عموما نزلت من السيارة وموجة من الريح المحملة بالتراب صفعتني ترحابا بي وأجبرتني على الاستدارة وحينها رأيت رجلا يحيط به جمع غفير من “الذباب ” في محل صغير نصفه الأيمن من خرد الحديد والايسر من سعف النخل يبيع عصير المانجو الطبيعي بدلا من بن المخا “موكا كوفي” مكره أخاك لا بطل.
صوب الميناء اتجهت لعلي أجد ما يخفف صدمتي ومنذ الوهلة الأولى وجدت لوحة للميناء قد أكل الدهر عليها وشرب نصف حروفها ـ ربما ـ أخذها المهربون والنصف الآخر فيه خدوش وتشوهات كثيرة كتلك الصورة الموجودة على أرض الميناء حيث جمدت كل أنشطته فيما المهربون يحيطون به من كل جانب ويحتل الدمار كل شبر منه أما الدولة ــ رحمة الله عليها والبقية في حياتنا ــ لم تكلف نفسها تلافي تلك المأساة ستتولى العدسة مهمة نقلها لكم وتعازينا للجميع بهذا المصاب الجلل.

قد يعجبك ايضا