أطفال العاصمة يبحثون عن ملاهي 21 مارس .. والأهالي يطالبون بسرعة تنفيذهــا


طفلَ يفتش في أرضُ لم تحمل يوماٍ سوى الأسلحة بمختلف أنواعها عن حديقة صدر بها قرار جمهوري, لم ينفذ بعد.. وعن ملاهُ أعلنت أمانة العاصمة عن تصميمها, ولم يحدث من كل ذلك شيء.. آخر يبحث عن ما يؤكد ويدعم شعوره ومن جواره بأنه في أرض منتزه توافد إليه معظم سكان العاصمة وأطفالها.
ينتظر إنشاؤها الكبار قبل الصغار, لما لا وهي الحديقة التي سيلعب ويلهو فيها الجميع.. يعتقدون بأنها ستكون المنزل الأكبر بالعاصمة, والمتنزه الذي سيبث في قلب المدينة الحياة, بعد مراحل من الصراعات والحروب.. ويعيد لأطفالها ابتسامة البراءة المسلوبة.. هناك حيث سيجد الطفل مكاناٍ يلعب فيه مع أقرانه والأصدقاء يلتقون بأصدقائهم, في حديقة 21 مارس التي لم يعد يترقب تنفيذها سكان العاصمة فحسب وإنما اليمنيون بكافة أجزاء الوطن.. نتابع في السطور التالية معاناة الأسر لغياب المنتزهات وأملهم في سرعة تنفيذ هذا المشروع..

المدينة التي لا تحتوي على حدائق ومتنزهات وملاهُ, يجب أن لا تحتضن البشر, والأجدر ألا يسكنها البشر, أولئك الذين يعملون ليلاٍ ونهاراٍ معظم أيام الأسبوع, ينتظرون قدوم الإجازة الأسبوعية للخروج مع أطفالهم وأسرهم إلى أماكن يشعر الأطفال فيها بطفولتهم, وينسى فيها الكبار متاعبهم ومعاناتهم وآلامهم.
ودائما ما تشهد تلك الحدائق والمتنزهات توافداٍ كثيفاٍ للمواطنين وأسرهم خلال إجازة الأسبوع أو الأعياد الدينية والوطنية, البعض منهم يذهب لقضاء اليوم كاملاٍ في الحديقة, متنقلاٍ بين ملاهيها ومسطحاتها النباتية, لعب ولهو لدى الأطفال بمشاركة الكبار أحياناٍ, هدوء وراحة بال للكبار.. حياة غير متوقعة للعشاق وأجواء لا يحب المرء أن تنتهي.
ورغم صخب الأطفال وصراخهم, تبقى الأجواء هادئة.. ويعيش الحاضرون أوقاتاٍ رائعة تظل ذكرى لهم, منهم من يسارع بالتقاط الصور له ولأطفاله أو أصدقائه ليبثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.. ليعبر عن ما هو فيه من سعادة ليشعر الآخرون بأن تلك الأجواء يعيشها معهم عبر واقع التواصل بمعنى أوضح, شاركوني عن بعد.
كل دول العالم تهتم بهذا الجانب المهم لوجود حياة سعيدة بعيدة عن التعصب والضغط النفسي والسياسي والتأثيرات والتوترات التي يتعرض لها المواطن في عمله أو منزله أو دراسته وفي حياته اليومية بشكل عام, فما بالك باليمنيين الذين يعانون من كل شيء, أنهكتهم الحروب والصراعات السياسية والقبلية والطائفية, أخبارهم كلها دموية, مأساوية, بكائية.. أين سيذهبون في عاصمة شبيهة بمنطقة حروب لما فيها من ثكنات ومواقع عسكرية.
العاصمة صنعاء, ليست من تلك العواصم التي تحتضن مدناٍ وملاهـ وحدائق ومنتزهات عالمية يتوافد إليها سكان المدينة والوطن ومن خارج الوطن أيضاٍ.. وإنما تعتبر من تلك العواصم التي تعاني من نقص حاد ـ أن لم يكن فقراٍ ـ في الحدائق والمتفسحات.. إذ أنه حدائقها ـ أو أشباه الحدائق فيهأـ لا تتجاوز أصابع اليد, ناهيك عن حجمها وخدماتها ورداءة ملاهيها وألعابها التي وصلت بالمواطنين إلى العزوف عنها وعدم الذهاب إليها لما أصبحت عليه من وضع سيئ للغاية.
وبسبب ذلك النقص الحاد للحدائق بالعاصمة صنعاء, نجد أغلبية سكان المدينة يتوجهون خلال أيام الأعياد إلى القرى والمدن الريفية وكذا المناطق الساحلية لقضاء أوقات ممتعة بعيداٍ عن الاختناقات المرورية والمشاهد اليومية لهم وبعيداٍ عن عبء العمل والواجب الوظيفي أو التعليمي.. والبعض من سكان العاصمة يذهبون نحو المناطق المجاورة للأمانة كمنطقة بني مطر التي يوجد فيها “شلال بني مطر” ومنطقة “شبام كوكبان” و “الأهجر” و”دار الحجر” وغيرها من الأماكن الجبلية أو الزراعية المتسمة بوجود شلالات المياه والسدود والحواجز والمناطق الزراعية والتاريخية وكذا الأثرية. وذلك هروباٍ من المدينة المفتقرة للحدائق.
وبما أنه من حق المواطن أن يحظى بأوقات ممتعة داخل مدينته, وحرصاٍ من القيادة السياسية ممثلة برئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة عبدربه منصور هادي صدر قرار جمهوري رقم (21) لعام 2013م, قضى بتحويل مقر الفرقة الأولى مدرع إلى حديقة عامة تسمى حديقة 21 مارس 2011م.. وذلك نسبة للأحداث التي شهدها الوطن ذلك العام.
مثل ذلك القرار بالنسبة لليمنيين والعالم أجمع خطوة جبارة نحو يمن جديد, ومستقبل أفضل, إذ ليس هناك أجمل من أن تتحول أراضُ لم تحمل يوماٍ على سطحها غير الأسلحة الثقيلة والخفيفة والمتوسطة, إلى منتزه يحوي ألعاباٍ وملاه مختلفة.
لا نريد هنا أن نتحدث عن تفاصيل هذه الحديقة التي لم تنفذ بعد رغم مرور عام أو أكثر منذ صدور قرار إنشائها ورغم إنزال مناقصاتها وفتح المظاريف من قبل أمانة العاصمة, إلا أنه ليس هناك ملامح تؤكد أنها حديقة سوى قرار جمهوري وإعلان رسمي من أمانة العاصمة التي قالت إن تكلفة تخطيط المشروع قدرت بمبلغ مليوناٍ و500 ألف دولار أميركي.
استبشار المواطنين بذلك القرار سرعان ما تحول إلى مأساة, إذ أن الفرقة الأولى مدرع رفضت تسليم مقر الحديقة لأمانة العاصمة التي أعلنت أكثر من مرة عن موعد تسليمه, دون حدوث أي شيء يكاد يذكر, سوى خروج المنظمات وأطفال العاصمة وسكانها بمظاهرات واحتجاجات عديدة تطالب بتنفيذ قرار رئيس الجمهورية بشأن إقامة حديقة عامة تكون منتزهاٍ لسكان العاصمة وزائريها, دون جدوى أو جديد.
الآن وبعد ما حدث في مقر الفرقة الأولى مدرع سابقاٍ من صراع ومعارك بين أفراد الفرقة وجماعة ” أنصار الله” أدت إلى السيطرة على المقر ومغادرة الجنود موقع الحديقة بعد رفضهم تسليمه منذ عام وأكثر, ربما حان الوقت للبدء في تنفيذ مشروع الحديقة وإنشاء المنتزه المرتقب.
* الأديب والكاتب عبد الرحمن غيلان تحدث لنا عن حديقة 21 مارس قائلاٍ:
قيل أنها ستكون الحديقة الأكبر في اليمن .. وقيل أن مظاريف مقاولاتها رست على ما يربو عن المليون ونصف المليون دولار .. وقيل أن المساحة نظراٍ لاتساعها سيتم أخذ أجزاء منها كتعويض لبعض العسكريين .. وقيل أن لوحة الحديقة تم رفعها على المكان المقصود .. وقيل وقيل .. لكننا لم نرِ شيئاٍ حقيقياٍ حتى اللحظة رغم الاحتياج الكبير لأطفال وعوائل العاصمة لهكذا متنفس يخرجون به من ضيق مساحة العاصمة وتطاير الغبار في شوارعها والاختناق ببيوتها المتلاصقة.
وعن توافد سكان العاصمة إلى مقر الحديقة التي لم يبدأ تنفيذها علق على ذلك الأستاذ عبد الرحمن بالقول ” ما يحدث من توافد الأهالي بأطفالهم لزيارة أنقاض المقر العسكري المزمع تحويله لحديقة عامة .. هو شعورهم بالكبت والاختناق جراء الأوضاع المتردية للبلد وعدم استشعارهم للأمل إلا بقدر الوقت الذي يخطفونه من فم الأحداث وأوجاع الزمن , لذا هم بحاجةُ ماسة للترويح عن نفوسهم وعن اطفالهم حتى ولو وهماٍ واستباقاٍ للأمل القادم” .
في السياق ذاته أكد مفتاح الزوبة على أن العاصمة تفتقر إلى المتنزهات والحدائق العامة والخاصة أيضا.. لافتاٍ إلى أن الموجود من المنتزهات أقل بكثير من المفترض أن يكون.. مشيراٍ إلى أن الموجود من المتنزهات والحدائق ليست معدة إعدادا جيداٍ أو مجهزة تجهيزا يغري بقضاء أوقات ممتعة في ربوعها.
وأضاف الأستاذ مفتاح ” استبشر سكان العاصمة خيراٍ بقرار رئيس الجمهورية بتحويل مقر الفرقة الأولى مدرع إلى حديقة عامة نظرا لموقعها الممتاز وارتفاعها على تبة تشرف على العاصمة من جهتها الشمالية وكذلك لمساحتها الشاسعة حيث تقع على مساحة تتجاوز 50 ألف لبنة (تم اجتزاء أجزاء منها مؤخرا لأفراد وجماعات ) وزادت فرحة الناس بتصريحات أمين العاصمة المتعلقة بتصاميم إنشاء الحديقة والرؤية المستقبلية لإنشائها”.
وقال مفتاح “اليوم توفرت الأسباب المحفزة وزالت العراقيل التي كانت تقف حجر عثرة أمام هذه المنشأة التي نتمنى أن تسرع قيادة أمانة العاصمة إلى إرساء المناقصات الخاصة بها ثم الرقابة على التنفيذ بجميع مراحلة لتكون حديقة 21 مارس وجهة المواطنين ليس سكان صنعاء ولكن قبلة اليمنيين جميعا أثناء الإجازات والعطل لقضاء أحلى الأوقات”.
يقول الدكتور كمال شرحة, يعمل مدير مجمع طبي خاص, نواجه ضغوطات وتأثيرات نفسية خلال العمل, ونعيش معظم أوقاتنا في مقرات عملنا بعيداٍ عن أطفالنا وأسرنا, وما إن تحل علينا الإجازة الأسبوعية أو العيدية حتى نظل نفكر في الخروج بالأسرة إلى منتزه أو حديقة لقضاء أوقات ممتعة بعيداٍ عن الروتين اليومي الممل, لكننا نفشل في ذلك, لازدحام الحدائق الحالية بأمانة العاصمة ولضعف جودتها, فنضطر للجلوس بالبيت أو زيارة الأقارب والأهل”.
وفي حال بدء تنفيذ مشروع الحديقة يقول الدكتور كمال ” تعتبر حديقة 21 مارس إحدى الحدائق المهمة التي ينتظرها الأطفال كمتنفس حيوي وبارز لهم خاصة في ظل ما يشهده أطفالنا أمام أعينهم من أعمال عنف في العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات, وتأتي الحديقة في مثل هذا التوقيت لازالت ما خلفته الأعمال الإرهابية من شبح الخوف لدى الأطفال حسب ما أشارت إليه منظمة الصحة العالمية كضرورة ملحة , خاصة وأن العاصمة صنعاء تشهد اكتضاضا كبيرا بالسكان ونقصاٍ حاداٍ في الحدائق والمنتزهات”.
وأشار الدكتور كمال شرحه إلى أن إبراز الحديقة إلى حيز الوجود خطوة هامة في إظهار العاصمة صنعاء بالمظهر اللائق عوضا عن المظهر الذي كانت عليه إضافة إلى موقعها الجغرافي الهام والحيوي وقربها من المناطق المزدحمة بالسكان, خاصة أن معظم أطفال العاصمة لا يجدون لهم متنفساٍ في المواسم ( كالأعياد والإجازات الصيفية وغيرها) , وكما أن ارتفاع موقع الحديقة يضيف لها رونقا متميزا, ناهيك عن عوائد الإيرادات التي ستعود على العاصمة بالنفع والخير الكبير.
الكل ينتظر تنفيذ هذا المشروع ليكون منتزهاٍ يلجأ إليه سكان العاصمة كل ما اجتاحهم الملل والاضطراب النفسي, لا سيما في ظل ما تمر به البلد من صراعات وحروب ومعارك أبت أن تنتهي.
الحلقة القادمة ستكون حول أهمية وجود الحدائق والمنتزهات ودورها في تخفيف الحالة النفسية لدى السكان.. وكذا حول عدد المنتزهات الموجودة بالعاصمة وهل هي كافية¿ وما استراتيجية أمانة العاصمة وخططها في هذا الجانب¿!.
تصوير / ناجي السماوي

قد يعجبك ايضا