أجواء العيد خلف القضبان.. قلوب تتألم.. ودموع تنهمر

تحقيق/ وائل شرحة –
رغم توجيهات النائب العام بالإفراج عنه بضمانة تجارية حضورية.. إلا أنهِ قضى عيدي الفطر والأضحى الماضيين بعيداٍ عن أطفاله الصغار الباحثين عن يدٍ تقودهم إلى حيث يؤدون صلاة العيد, الغائبة عن أوجههم فرحة المناسبة ونشوة الطفولة.
استيقظ هو أيضاٍ صباح العيد, وأجرى اتصال لأطفاله وزوجته التي حاولت أن لا تسيل دموعها أمام صغارها, لكنها عجزت عن هزيمة الحنين والاشتياق وعن وحشت غياب رب أسرتها خلال أيام يتوافد فيها المغتربون إلى أهاليهم لقضائها بجوارهم.
عبد الرزاق حسن ناصر يقبع بالسجن بالمركزي بمحافظة حجة, منذ فترة , على قضية شجار, أحتجز بسببها.. لديه توجيهات ومذكرات قانونية بالإفراج عنه إلا أن وكيل نيابة حجة رفض تنفيذ أمر الإفراج, ليقضي العيد خلف القضبان بجوار رفقائه السجناء.. في تفاصيل التحقيق حكاية السجين عن أجواء العيد خلف القضبان وعن الحالة النفسية لأسر السجناء.. نتابع

يقول عبد الرزاق حسن ناصر ” كنت منتظراٍ لقدوم يوم عيد الأضحى, كي أرى أولادي وزوجتي التي لم أراهم منذ احتجازي بالسجن, أي قبل عام كامل, لكن وما أن طل علينا العيد, انعكست الموازين واستجدت أحداث أجبرتني على أبلاغ أسرتي بعدم القدوم من الريف إلى المدينة لزيارتي, إذ اقتحم مسلحين مقر السجن, واتخذوا إجراءات صارمة, تمنع دخول الأطفال وبقاء الزائرين من كبار السن لأكثر من خمس دقائق, مما جعلني أكتفي باتصال هاتفي”.
وأشار عبد الرزاق إلى أن نزلاء مركزي حجة عاشوا حاله من القلق والرعب إزاء ذلك الاقتحام, وأنهم لم يشعروا بأجواء العيد ولم يعيشوها في الوقت الذي كان يفترض أن تفتح أبواب الزيارات لوقت أطول كون لما لهذه المناسبة من مكانة عظيمة لدى المسلمين, والتي تعتبر زيارة الأهل والأقارب والمرضى والمسجونين من أهم ما يقوم به المسلم خلال هذه المناسبة الدينية.
عبد الرزاق ليس إلا واحداٍ من العشرات ـ إن لم يكن المئات ـ من السجناء الذين أنهوا مدة محكوميتهم أو لديهم توجيهات قانونية رسمية بالإفراج عنهم, إلا أن هناك من وقف أمام القانون وتنفيذ نصوصه, وتسبب في احتجاز العديد من النزلاء بالسجون المركزية والاحتياطية وأقسام الشرطة دون أي وجه حق.
خلف قضبان احتياطي نيابة غرب الأمانة, يقبع عبد القوي سعيد علي الدبعي, على خلفية قضية اعتداء تعرض لها شخص من قبل مجهولين, اتهم الدبعي بأنه من قام بها, رغم أنه, وبحسب حديثه, بريء ولم يعتد على أحد, وإنما أشتبه به المعتدى عليه.
يعمل الدبعي صاحب الـ (25) عاماٍ في مهنة البائع المتجول بإحدى شوارع الأمانة, أوقف في قسم شرطة “جمال جميل” ومن هناك تم إحالته إلى نيابة غرب الأمانة ومن ذلك الوقت وحتى الآن وهو ما يزال محتجز رغم غياب الطرف الأخر للقضية عن الأنظار وترك الدبعي خلف القضبان.
الشاب عبد القوي قضى أيام العيد بين حيطان السجن ووحشت الألم, ليس هناك من يتابع بعد قضيته كونه وحيد أسرته القاطنة بمحافظة تعز, لذا ظل في السجن لمدة مخالفة للقانون الذي حدد (7) أيام لاحتجاز أي شخص متهم أو مشتبه به في احتياطي النيابة وذلك للتحقيق وجمع الاستدلالات.
حين حاول أحد أصدقاء عبد القوي متابعة النيابة للإفراج عنه قبل أيام عيد الأضحى كان رد النيابة أن ملف القضية بيد عضو النيابة الذي كان في إجازة, والذي تم التواصل معه عبر الهاتف, وتحدث بلغة استعلائية, كما يقول صديق الدبعي, طالباٍ ضمانة تجارية كشرط لإطلاق السجين.
النيابة لم تحدد موقف السجين, ولم تطلق سراحه, ولم تحتجز المدعي.. وبسبب ذلك قضى عبد القوي الدبعي, العيد بعيداٍ عن أسرته التي لم تتمكن من زيارته نظراٍ لبعد المسافة.
الكثير من السجناء يقبعون خلف القضبان دون وجه حق وبطريقة غير قانونية, لكن ما نريد التحدث هنا هو عن كيفية الحالة النفسية لهم ولذويهم وكيف يعيشون أجواء العيد وهم على مسافة وزمن ـ يصل ببعضهم إلى أكثر من عشرين أو ثلاثين عاماٍ ـ من أسرهم وأطفالهم وأحبابهم وأصدقائهم.
مهما حاول السجناء, أن يعيشونا لحظة العيد كغيرهم من المتواجدين خلف أسوار السجن, تبقى في القلب غصة وألم, والعين دمعة ونظرت ندم, وفي الفم دعوة ورجاء للرب.. مهما حاولوا أن يبتسمون, لا بد من الانفراد والحزن والألم والاشتياق, لا سيما حين يأتي لزيارتهم حبيب أو صديق أو قريب.
وعن الإجراءات التي تتخذها إدارات الإصلاحيات المركزية “السجون سابقاٍ” تواصلنا مع مدير عام إصلاحية صنعاء العميد صيفان الحجيري والذي قال ” بمناسبة حلول عيد الأضحى قمنا بفتح موعد الزيارة وتمديده من الصباح وحتى المساء, وذلك بخلاف الزيارة خلال الأيام العادية والتي تنقسم إلى مرحلتين زيارة صباحية من الساعة 9 صباحاٍ وحتى 11, بينما الزيارة المسائية فتكون من 1 ظهراٍ وحتى ال3 مساءٍ”.
وأكد مدير عام إصلاحية صنعاء على أن المواطنين يتوافدون بشكل كبير وكثيف على السجن المركزي خلال أيام الأعياد لزيارة النزلاء.. مشيراٍ إلى أن هذه المناسبة تعتبر فرصة للبعض لزيارة السجناء إذ أن هناك من يزور بعض أقربائه أو أصدقاءُ له مسجونين من عام إلى آخر.
ولفت العميد صفيان الحجيري إلى أنه هناك أنشطة ثقافية عيديه تقام داخل الإصلاحية بمناسبة العيد.. منوهاٍ أن إدارة الإصلاحية تحرص على توفير بعض المأكولات العيدية وكذا مشاركتهم فرحة العيد.
في السياق ذاته قال الأستاذ المعيد بجامعة صنعاء كلية الآداب والعلوم الانسانية قسم الخدمة الاجتماعية ماجد عبد اللطيف الحميدي أن فرحة المسلمين بعيد الأضحى المبارك يجعل منها مناسبة وواجبا دينيا لزيارة الأهل والأقارب والأصدقاء وثمة شريحة من الناس ينبغي تسليط الضوء عليها وهي فئة المحتجزين والمقيمين في السجون وذويهم خاصة فيما يتعلق بجوانب استقرارهم النفسي والاجتماعي.
وأكد الحميدي على أن أركان الأسرة الصغيرة تكتمل بوجود الأب والأم والأبناء وأي غياب لأحد تلك الإطراف قد يسبب خللاٍ ومعاناة ومشكلات نفسية واجتماعيه لهذه الأسرة ومن تلك المشكلات التي قد تكون نتيجة لوجود أحد أفراد الأسرة في السجون أثناء العيد.. مشيراٍ إلى أن وجود معيل الأسرة في السجن قد يتسبب بخلل في الوضع الاقتصادي والمستوى المعيشي للأسرة وبتالي يؤثر في مدى إشباع احتياجات أفراد الأسرة وخاصة الأبناء الذين يحرمون وتسلب منهم فرحة التمتع بالعيد.. لافتاٍ إلى أن ذلك يؤثر على نفسية الأطفال عندما ينظرون أقرباء لهم يتمتعون برفقة أبائهم ويكتسون ثياب العيد ويأكلون وهم محرومون منها. بينما كبار أسر المحتجزين قد يشعرون, بحسب الحميدي, بعدم وجود الاستقرار الاجتماعي والأسري لغياب عائلهم.
أما على المستوى الفردي فقد أكد الأستاذ الحميدي على أن هنالك آثاراٍ نفسية قد يعاني منها النزيل بسبب بعده عن الأسرة ومنها الشعور بالوحدة والحزن والحرمان والقلق ونوبات من الغضب والبكاء.. منوهاٍ بأن هذه المشكلات قد تتفاقم للحالات التي انقضت فترة حكمها في السجن ولم يتم الإفراج عنهم.
وعن المستوى المجتمعي قال الحميدي ” قد يكون هنالك وصمة عار مجتمعية تصيب نزيل السجن أو أسرته من قبل أفراد المجتمع من ما يمنع الكثير من ذوي أسر المساجين من التواصل الاجتماعي مع نزلاء السجن من أفراد الأسرة أو قد يمنع أسرة المسجون من التواصل الاجتماعي مع وسطهم الاجتماعي (كزيارات العيد والخروج لتهنئة الأصدقاء والخروج إلى أماكن عامة) خوفا من أن يتم وصمهم بأرباب السجون”.. مشيراٍ إلى أن جوانب الرعاية النفسية والاجتماعية للنزلاء السجون تلعب دورا مهما وأساسيا في إعادة تأهيل وإصلاح هذه الفئة وأسرهم.
وعن الطرق التي بإمكانها مساعدة السجناء في الخروج مما هم فيه من الحالة النفسية قال الحميدي: هنالك عدة جوانب ينبغي العمل عليها في هذا الجانب ومنها ما يقع على عاتق إدارة السجون مسألة الاهتمام بالجوانب النفسية والاجتماعية للنزلاء خلال فترة التأهيل والاصلاح لهم في السجون فيمكن أن تقيم إدارة السجون خلال أيام العيد عدة أنشطة وفعاليات تهدف إلى إدخال البهجة والفرح لنفوس النزلاء مثل: أداء شعائر صلاة العيد والأضحية داخل السجن وتبادل التهاني والتبريكات فيما بين النزلاء وإقامة أمسية أو احتفالية مسائية لهم ومن ضمن الرعاية اللاحقة لنزلاء السجون الاهتمام بدراسة الوضع الاجتماعي والأسري للنزيل ومحاولة خلق التواصل مابين النزيل وأسرته أثناء هذه المناسبة, كما يمكن أن تتيح تلك الدراسة معرفة الوضع الاقتصادي والمعيشي للأسرة النزيل ويمكن توفير الاحتياجات الضرورية لها من خلال المنظمات الخيرية وفاعلي الخير بالمجتمع.
واعتبر الإعلام أهم الأدوار في التوعية وتخفيف الوصم الاجتماعي على هذه الفئة وإبراز الواجب الديني والإنساني الذي ينبغي أن يقوم به فاعلو الخير وأفراد المجتمع والمنظمات في رعاية أسر النزلاء وأهمية أدخال الفرح والسرور للأفراد والأسر خاصة الأطفال والذين ليس لهم ذنب فيما قام به ذووهم من جرائم.. مشيراٍ إلى أن عدم الاهتمام بهم قد يسبب جيلاٍ ناقماٍ على جيل ناقم من المجتمع أو منحرف لغياب تلك الرعاية وتستمر حلقات ودوائر الجريمة والجرائم.

قد يعجبك ايضا