بناء الدولة المدنية الحديثة .. حلم متى يتحقق ¿!!


أصبح بناء الدولة المدنية الحديثة لدى اليمنيين حلماٍ من الصعب إن يتحقق في ظل غياب إرادة جادة تتبعها إدارة فعالة تعمل بكل مكوناتها وإمكاناتها البشرية والفنية على إعادة هيكلة وتكوين المؤسستين العسكرية والأمنية الضامنتين الوحيدتين لتحقيق الحلم اليمني المرتقب ” الدولة المدنية الحديثة”.
ويعتبر الحديث عن إمكانية وقدرة الحكومة على إيجاد الدولة المدنية الحديثة بدون جيش وأمن قوي, مجرد تغريد خارج السرب, وحديثاٍ لا يمت للواقع بصله إن لم يكن من محض خيال قائله.. إذ أن الدولة المدنية يعلوا فيها القانون والنظام على الجميع وتسودها العدالة والتنمية والاستثمار ورفع المستوى الاقتصادي والتعليمي والثقافي والسياسي وكل يظل حبراٍ على ورق حين تكون المؤسستان “العسكرية والأمنية” المنفذتان للقانون والنظام ضعيفة وعاجزة عن القيام بشيء.
خلال هذا الاستطلاع تحدثت لنا قيادة أمنية وأكاديمية عن إمكانية بناء دولة مدنية حديثة في ظل هذه القوة العسكرية والأمنية الحالية ¿!.. نتابع ردودهم على سؤالنا..
لا يمكن أن تبنى دولة يسودها النظام والقانون والأمن والاستقرار وتغيب فيها الصراعات والحروب والدمار بين طرفين أو جماعتين مسلحتين دون أن يكون هناك قوة عسكرية وأمنية قوية تضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه العبث بأمن الوطن أو بحاضر أو مستقبل ابنائه سواءٍ كان ذلك فرداٍ أو جماعة.
اليمنيون لديهم حلم بدأ يتوارى ويعود من حيث أتى.. حلموا ـ وما زال البعض منهم يحلم ـ ببناء دولة مدنية حديثة حين رأوا كل الأطراف والمكونات السياسية والدينية مجتمعة على طاولة واحدة يعلوهم سقف واحد تحتضنهم قاعة واحدة.. وبدأ لليمنيين الحلم المنتظر على مقربة من التحقق على أرض الواقع, ذلك حين وقعت كل الأطراف على وثيقة مخرجات الحوار الوطني, المرتقب تنفيذ مخرجاته خلال الأيام والأشهر القادمة.
الباحث والخبير في الجانب العسكري والأمني الدكتور/ أمين الحذيفي أكد على أن بناء الدولة المدنية الحديثة يتطلب قوة عسكرية وأمنية ذات كفاءة وقدرة عالية لتنفيذ القانون والنظام وضبط المخلين والخارجين عن القانون.. لافتاٍ إلى أن من يرى أن هناك إمكانية لبناء الدولة الحديثة في ظل ما هي علية المؤسستين العسكرية والأمنية رؤيته غير صحيحة ولا تختلف عن رؤية السراب بالصحراء.
عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة الدكتور محمد الحرازي شدد على ضرورة إعادة النظر في المؤسستين العسكرية وإصلاح كل الاختلالات الحاصلة بها لا سيما بعض مؤثرات الفساد المالي والإداري التي للأسف, كما يقول الدكتور الحرازي, تحولت خلال عقود من الزمن إلى ظاهرة وثقافة تعاني منه معظم مؤسسات الدولة وهو الأمر الذي أعاق كثيراٍ تطور هذه المؤسسة بالشكل الذي يتلاءم مع الإمكانيات المرصودة لها في ميزانية الدولة والآمال المعقودة عليها من أفراد الشعب.
وأكد الدكتور الحرازي على أن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني تضمنت قرارات وتوصيات رائعة لتطوير هاتين المؤسستين “العسكرية والأمنية” على أسس وطنية حديثة إلا أنها تظل حبراٍ على ورق إذا لم تتوافر الشفافية الكافية والإرادة الصادقة لدى الجميع على تنفيذها وأن يرافق ذلك إجراءات حقيقية لمكافحة الفساد والحد من ممارساته المقيتة.. منوهاٍ بأهمية تنفيذ تلك المخرجات الخاصة بوزارتي الدفاع والداخلية لما لها من دور كبير ورئيسي في بناء الدولة المدنية الحديثة.
العقيد/ عبدالغني الوجيه يقول: بناء دولة مدنية حديثة وفق مخرجات الحوار لابد أولاٍ من توحيد قوة الجيش والشرطة على أسس سليمة و ا?سس التي تمت عليها الهيكلة كانت مختلة وهذه نتائجها اليوم ظاهرة ولابد أيضاٍ من إعادة ( تصحيحها ) وعلى وجه السرعة وإعادة توحيد الجيش والشرطة وأبنائها على أسس وطنية بحتة بموجب الكفاءة والقدرة والمؤهلات الميدانية . عند ذلك نستطيع أن نأمن بأن الدولة المدنية الحديثة ستقوم ليتسنى فيها الجميع أمام القانون ..
في السياق ذاته تحدث مدير عام التخطيط والتنظيم بوزارة الداخلية العميد الدكتور عبد المنعم الشيباني حول إمكانية بناء دولة مدنية حديثة في ظل القوة العسكرية والأمنية الموجودة في الوقت الراهن بقوله “جزء من متطلبات بناء دولة مدنية حديثة وجود جيش وطني قوى متماسك بعيد عن الحزبية والقبلية والمناطقية يكون ولاؤه لله وفي ذات الوقت تجريم وجود جيش آخر موازُ لأحزاب أو مليشيات أو جماعات لأن ذلك يتعارض مع أسس بناء الدولة المدنية الحديثة”.
ويرى الدكتور الشيباني أننا بحاجة إلى وقت لتفكيك الولاءات الحزبية والمناطقية والطائفية في مؤسسة الجيش ووحدات الأمن فالتركة ثقيلة وغياب المشروع الوطني خلال الأعوام الماضية جعل مسألة إعادة النظر في بناء جيش وطني قوي يواجه صعوبات وتحديات.. مشيراٍ إلى أن القضاء على تلك الصعوبات يتطلب تضافر الجهود والتخلص من المشاريع الضيقة للأحزاب والجماعات المسلحة والبدء في تنفيذ خطوات تدريجية حتى وإن كانت تبدو بطيئة وتستغرق وقت أطول وذلك نحو بناء جيش وطني قوي ومتماسك وبعيد عن الولاءات الضيقة.. لافتاٍ إلى أن الأمل يحدوا الجميع اليوم في هذا التحول وهناك رغبة حقيقة لدى قيادات الدولة في بناء الدولة الحديثة المرتقبة من قبل اليمنيين والعالم أجمع.
في السياق ذاته قال نائب رئيس المركز الوطني للدراسات العليا الاستراتيجية برئاسة الجمهورية العميد الركن ثابت صالح : علاقة الجيش بالسلطة ودوره في ظل الديمقراطية كانت ولا زالت معضلة سياسية مطروحة على مستوى العالم بأسره حتى اليوم دون حلول ناجحة فإذا كان مبدأ التبعية يدل على حقيقة أن الجيش كأداة السلطة يجب أن لا تكون له إرادة سياسية خاصة به إلا أن تحقيق هذا المبدأ في الواقع العملي السياسي يجب أن يدرس من جانبين أولهما أن الجيش هو في الوقت نفسه أداة قهر يمكنها التحرك باستعمال القوة وثانيهما أن الجيش جسم اجتماعي قادر على التدخل في السياسة بواسطة وسائل شرعية على غرار جماعات الضغط المختلفة.
من خلال الآراء السابقة نتأكد إننا لن نتمكن من بناء دولة مدنية حديثة دون أن يكون هناك قوة عسكرية وأمنية قوية تنفذ القانون وتطبق النظام وتحافظ على سيادتهما وعدم تعرضهما للتجاوزات أو المخالفات.

قد يعجبك ايضا