حبس المتخاصمين أكثر من 24 ساعة مخالفة قانونية


> المفتش العام: مصفوفة من التعديلات القانونية تتفق مع مخرجات الحوار

مر على تلك الأرض التي بنى فيها بيتاٍ متواضعاٍ أكثر من ثماني سنوات, إلا أن هذه المدة الطويلة لم تمنع أحد الجيران من قطع الشارع الوحيد للمنزل, مما جعل صاحب الدار يفكر بالاستنجاد بطائرة للذهاب والإياب.
حاول علي مهدي صاحب المنزل الواقع بحي جدر, أن ينهي القضية ودياٍ من مبدأ “جارك القريب ولا أخوك البعيد”, إلا أن جاره رفض فتح الشارع الذي استحدث فيه البناء بحجة أن الشارع يقع في ملكيته رغم أن المالك الأصلي للأرض أكد على أنه شارع وكذا الأمناء المكلفين بحصر أراضي المتنازعين.
يقول مهدي ” حرصاٍ مني على أن لا يحدث بيني وبين جاري مشكلة أو شجار يتطور إلى ما يحمد عقباه, توجهت نحو قسم الشرطة المختص بالمنطقة, وطرحت هناك قضيتي وقدمت كل ما بيدي من وثائق تثبت صحة تظلمي, وطلبت أيضاٍ من القسم احتجازي وإحضار جاري المعتدي وحل القضية, وهناك تم احتجازي أربعة أيام دون حدوث شيء يستحق الذكر”.

علي مهدي طلب من القسم احتجازه رغم أنه الشاكي والمعتدى عليه, إلا أنه تحمل معانات البقاء داخل الحجز ورائحته الكريهة, وذلك حرصاٍ على حل القضية من قبل الشرطة بعد أن عجز العقلاء والأمناء الشرعيين اقناع المعتدي بأن الشارع ليس في ملكيته وأن أرضه مكتملة ولم يلحق بها أي نقص أو اعتداء.
يحكي مهدي الإجراءات التي أتخذها قسم الشرطة المختص بالمنطقة الآنف ذكرها ” باشر القسم بالقيام بواجبه فور تقديمي الشكوى ونزل البعض من أفراد الأمن إلى منطقة النزاع وهناك حدث ما حدث لأفراد الشرطة من اعتداء أجبرهم على العودة بدون الخصم, مما استدعى إحضاره عبر التواصل مع عقلاء الحي”.
وواصل مهدي حديثه ” باشر أفراد القسم جمع الاستدلالات والتحقيق في القضية فور وصول الطرف الآخر وقرر مسئول القسم أحد الأمناء الشرعيين الرسميين المعتمد من قبل وزارة العدل بالنزول إلى موقع النزاع وقياس أرض الطرفين مع الاطلاع على وثائقهما ورفع تقرير مكتمل وتحديد موقع الشارع.. وتم نزول الأمين والشرطة اليوم الثاني وتم القياس وتأجيل الفصل في القضية إلى اليوم الثالث كون الأمين طلب مدة يوم لتجهيز وإعداد التقرير, إلا أنه ورغم مرور يومين على نزول الأمين الشرعي بقيت في السجن يومين آخرين دون أن يتم تحويل قضيتي إلى النيابة أو يتم الفصل فيها من قبل القسم”.
تم الإفراج على المعتدى عليه بعد بقائه في السجن أربعة أيام, وبقاء خصمه داخل السجن حتى يتم نزول الشرطة والأمين اليوم الخامس لتطبيق ما ورد في التقرير أو إحالت ملف القضية مع الطرف المعتدي.
بقاء أي مواطن في قسم الشرطة لمدة تزيد عن (24) ساعة يعتبر تجاوزاٍ ومخالفة واضحة للقانون الذي حدد مدة زمنية لاحتجاز أي مواطن يقسم الشرطة وذلك لجمع الاستدلالات والتحقيق في القضية وإحالتها إلى النيابة المختصة بعد مرور يوم كامل.
تواصلنا مع أكثر من مدير قسم شرطة للحديث حول الأسباب التي تقف وراء احتجاز المواطنين لأكثر من المدة القانونية إلا أنهم رفضوا التصريح لنا لأسباب أمنية..
ومن خلال بحثنا وتواصلنا مع بعض مختصي الأقسام تأكد لنا أن ضعف الإمكانات البشرية والفنية وغياب الأجهزة الحديثة التي تساعد على البحث عن الجاني الهارب أهم المعوقات التي تواجه رجال الشرطة.
المحامي عبد الوهاب ناجي معصار قال إنهِ لا يجوز للأجهزة الضبطية ” الشرطة” احتجاز أي شخص دون مسوغ قانوني وكذا لا يحق لها إبقاء أي شخص في أقسام الشرطة لأكثر من (24) ساعة من تاريخ الاستجابة مهما كانت قضيته.. لافتاٍ إلى أن هناك من يتجاوز ويخالف القوانين من أفراد الأمن والشرطة منها احتجاز المواطنين لزمن يتعدى الوقت القانوني وذلك , بحسب المحامي معصار, من الطبيعي أن يحدث في ظل غياب الجهة الرقابية والعقابية من قبل وزارة الداخلية.
وشدد المحامي عبد الوهاب معصار على ضرورة إعادة النظر في هذا القانون وتمديد فترة احتجاز المواطن بقسم الشرطة إلى ما يقارب (70) ساعة لا سيما في القضايا الجنائية الجسيمة التي يتطلب جمع الاستدلالات والتحقيق فيها إلى وقت طويل .. مشيراٍ إلى أنهِ لا يحق لقسم الشرطة احتجاز أي شخص بسبب قضية مدنية.
وأكد المحامي معصار على أهمية تفعيل الجهة الرقابية والإشرافية من قبل وزارة الداخلية على كل إدارات وأقسام الأمن واتخاذ الإجراءات القانونية ضد من ثبت وتأكد صحة تجاوزه ومخالفته للقوانين, لما للرقابة والعقوبة القانونية من دور كبير من تصحيح بعض الطرق الخاطئة التي يقوم بها بعض رجال الأمن.
وقال معصار : الأجهزة الأمنية قلما تلتزم بالإجراءات القانونية.. وكم من شخص حبس بدون مسوغ قانوني ولأغراض شخصية, الغاية منها ابتزاز مالي من قبل رجال الشرطة عبر إطالة مدة الحبس.
الهيكلة الجديدة لوزارة الداخلية استحدثت منصباٍ جديداٍ تحت أسم ” المفتش العام” والذي يقع الرقابة من ضمن الاختصاصات المناط به القيام بها.. لذا كان لا بد من التواصل مع المفتش العام بوزارة الداخلية اللواء عبده ثابت والذي أكد على أن هناك شكاوى عديدة يتقدم بها المواطنون إلى الوزارة تتضمن تجاوزات مختلفة ارتكبها منتسبوا المؤسسة الأمنية من ضمنها احتجاز بعض أفراد الأمن لمواطنين بأقسام الشرطة لأكثر من الفترة القانونية.. لافتاٍ إلى أن جهاز المفتش العام يباشر بجمع الاستدلال والتحقق من صحة أي شكوى تصل إليه ومن ثم يتخذ الإجراءات القانونية اللازمة في حق من ثبت تورطه بالتجاوز أو المخالفة للقوانين.
وأشار المفتش العام إلى أن أقسام الشرطة تحتجز بعض الأشخاص لأكثر من يوم وبمبررات فرضت نفسها وهي تعود للأوضاع الحالية التي تعاني فيها الإدارات والأقسام الأمنية والمتمثلة في نقص الوعي لدى المواطن بالتجاوب مع الشرطة في حال طلبه أو استدعائه وكذا المجتمع بالتعاون مع الأمن بالإبلاغ عن أي شخص مطلوب من قبل الشرطة لما لذلك من أهمية كبيرة في سرعة ضبط الجاني الفار من العدالة.. معتبراٍ عدم تعاون المجتمع وتجاوب الجاني مع الشرطة أهم الأسباب التي اجبرت أقسام الشرطة على احتجاز المواطن لمدة تفوق الزمن القانوني.. لافتاٍ إلى أن النيابة لا تقبل أي قضية ما لم يكن ملفها مكتملاٍ والجاني مضبوطاٍ.
مؤتمر الحوار الوطني ذكر في مخرجات فريق إعادة بناء الجيش والأمن ومن ضمن التوصيات ومشاريع قوانين فقرتين لها علاقة بموضوعنا نردها لكم كما هيا:
ـ لا يجوز لأجهزة الأمن والمخابرات الحد من الحرية الشخصية للمواطنين باعتبارها حقاٍ طبيعياٍ وهي مصونة لا تمس ماعدا حالات التلبس بالجريمة ولا يجوز القبض على احد ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه من التنقل ولا تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق ويجب أن يبلغ كل من تقيد حريته بأسباب ذلك كتابة خلال (12) ساعة وأن يحال الى القضاء خلال 24 ساعة من وقت تقييد حريته ولا يجرى التحقيق معه الا بحضور محاميه فان لم يكن له محام فيعين له محام.
– كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد يجب معاملته بما يحفظ كرامته ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه ولا إيذائه بدنياٍ أو معنوياٍ ولا يكون حبسه ولا حجزه إلا في أماكن لائقة إنسانياٍ وصحياٍ وعلى الدولة توفير الأماكن اللائقة ومخالفة لما تقدم يعد جريمة يعاقب مرتكبها طبقاٍ للقانون وكل قول صدر تحت وطأة التعذيب أو التهديد لا يعول عليه .
المفتش العام بوزارة الداخلية أكد على أن هناك مصفوفة من التعديلات القانونية أنزله من قبل رئاسة الوزراء خلال الأيام الماضية تتفق مع مخرجات الحوار الوطني وتم إرسال كل مصفوفة إلى الوزارة الخاصة بها مع تشكيل لجان لتنفيذها والعمل بها.. مشيراٍ إلى أن المصفوفة الخاصة بوزارة الداخلية تضمنت تمديد الفترة القانونية للاحتجاز بقسم الشرطة من 24 ساعة إلى 72 ساعة.. لافتاٍ إلى أن اللجنة المكلفة بتعديل تلك القوانين الواردة في المصفوفة ستعمل على تطبيقها خلال الأيام القادمة.. مؤكداٍ على أهمية إجراء هذا التعديل لما له من ضرورة.
وبينما منظمات الحقوق الإنسانية تتهم أقسام الشرطة بانتهاك حقوق وحريات المحتجزين تعتبرها الداخلية تجاوزات مبررة.

قد يعجبك ايضا