دلالات تزامن العدوان على اليمن واستئناف الحرب على غزة

 ايهاب شوقي

 

لا شك أن استئناف الحرب على غزة وتزامنه مع العدوان الغاشم على اليمن هو أمر منسق بين الكيان وراعيه الأمريكي، وهو تفسير لكل المماطلات الصهيونية للدخول في المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، وتأكيد على القيادة الأمريكية للعدوان وعلى أن الأمر لا يقتصر على الدعم أو مجرد الانحياز للكيان، وهو ما بدا جليًا في كون الكيان يروع السكان في غزة بيد، بينما تقوم أمريكا بأيادٍ الأخرى بالعدوان على جبهات الإسناد لإتمام مخطط التهجير.

ورغم احتفاء بعض وسائل الإعلام العربية بما اعتبرته تراجعًا في تصريحات ترامب بشأن خطة التهجير لأهالي غزة، فإنه سرعان ما كشفت التقارير وكشفت الممارسات الأمريكية بالعدوان على اليمن، عن إصرار أمريكي على المضي في خطط التصفية للقضية والعبث بتوزانات القوى في المنطقة عبر حشر المقاومة في زاوية ضيقة ومحاولة إنهاء وحدة الساحات.

وهذه التصريحات التي أطلقها ترامب لم تكن بحاجة لدلائل لإثبات أنها مجرد خداع، حيث قالت التصريحات إنه لن يتم طرد أي فلسطيني من غزة، وهذا لا يعد تراجعًا لأن الخطة لم تطرح طرد الفلسطينيين وإخراجهم قسرًا، بل تحدثت عن (هجرة طوعية) بدعوى أن القطاع مدمر ولا يصلح للعيش، وهو ما حاولت مصر في خطتها التي تبنتها القمة العربية أن تثبت أن الإعمار وإعادة الحياة للقطاع ممكنة دون خروج أهل غزة من أرضهم.

والإصرار الأمريكي يتبين جليًا في رفض الخطة وعدم إعطائها حتى فرصة المناقشة بشكل أقرب إلى التجاهل المسبق العمدي، كما يتبين في حصار القطاع واستمرار تحويله لمكان غير صالح للعيش عبر منع المساعدات وتجويع وتعطيش الأهالي واستمرار العدوان “الإسرائيلي” ولو بشكل متقطع، ولكنه يكفي لنزع الأمان، وبالتالي يستمر القطاع مكانًا طاردًا للسكان وقابلًا لنجاح خطة (الهجرة الطوعية).

ولم تكتفِ أمريكا بدعم انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار ودعم استمرار الحصار والتجويع في غزة، بل سارت في مسارين، سياسي وعسكري، لإطباق الحصار على غزة وإنجاح خطتها الشيطانية.

ويتمثل المسار السياسي في الاتصالات التي كشفتها وسائل الإعلام، وتحديدًا وكالة “آسوشيتد” برس عن اتصالات أمريكية شملت كلًّا من السودان، والصومال، وإقليم أرض الصومال الانفصالي، لعقد صفقات بموجبها يتم استقبال من يرغب في الخروج طوعًا من غزة مقابل حوافز مالية وسياسية وعسكرية، تشمل الدعم الاقتصادي والعسكري والاعتراف الدولي في حالة إقليم أرض الصومال الانفصالي.

ويتمثل المسار العسكري في العدوان على كل من يعرقل الحصار الصهيوني، وهو ما حدث مع اليمن بعد أن انبرى اليمن لكسر الحصار بفرض حصار مضاد على الكيان الصهيوني عبر عودة استهداف السفن المتجهة إلى الكيان.

هنا تحارب أمريكا بنفسها من يقاوم الكيان ومن يفك الحصار عن غزة ويساندها، وهو ما يدل على أمرين في غاية الأهمية:

الأول: هو أن الكيان فاشل في المواجهة مع اليمن ولا يستطيع الحرب بمفرده معها وأنه يخشى مواجهة مباشرة مع أنصار الله وعودة استهداف العمق الصهيوني وهو ما يؤكد هشاشة هذا الكيان الذي لا يستقوي إلا على المدنيين العزل ولا يجيد إلا خرق الاتفاقيات والعهود واستغلال التفاهمات السياسية لاقتناص مكاسبه التكتيكية.

الثاني: هو أن أمريكا هي القائد الفعلي للعدوان وأن خطة التهجير هي مشروع “جيوسياسي” أمريكي بامتياز، ولكنه يستخدم القناع الصهيوني ويوظف الكيان كخادم لمشاريعه الاستراتيجية.

والمتابع للتقارير والتصريحات الصهيونية، يكتشف أن الكيان يستهلك الوقت لتمرير خطة التهجير التي تتلاقى مع أشواق المتطرفين المهووسين في الكيان، فقد شدد وزير المالية الصهيوني، “بتسلئيل سموتريتش”، على أن العمل جارٍ من أجل تنفيذ خطة ترامب للاستيلاء على غزة وترحيل أهلها، مع إجراء عملية توسيع ضخمة للاستيطان في الضفة الغربية أيضاً.

كما أكد مسؤولون أمريكيون و”إسرائيليون”، وجود اتصالات بالفعل مع الصومال وأرض الصومال الانفصالية، وأكد الأمريكيون وجود اتصالات مع السودان أيضًا، وقالوا إنه لم يتضح مدى التقدم الذي أحرزته الجهود أو مستوى المناقشات، وأشاروا إلى أن “إسرائيل” وأمريكا لديهما مجموعة من الحوافز المالية والدبلوماسية لتقديمها لـ “الشركاء المحتملين”.

لا شك أن حشر اسم إيران في عناوين الإعلان الأمريكية عن استهداف اليمن هو توظيف سياسي للعدوان يهدف إلى ردع إيران عن التدخل أو مساندة غزة وتهديد مبطن مفاده أن أمريكا جادة في التحرك العسكري، كما أن الصمت العربي يشي باكتفاء العرب بمنع التهجير لمصر والأردن وأن لا مانع من الخروج إلى أماكن أخرى وبالشكل (الطوعي) الذي يحفظ ماء وجوههم.

كما أن تزامن العدوان الأمريكي على اليمن واستئناف الحرب على غزة هو إعلان عن الاصطفاف الصهيو-أمريكي في قراءة متوهمة بأن الإسناد لغزة لم يعد موجودًا بعد وجود اتفاق مع لبنان واستعراض العضلات الأمريكية باليمن، وبعد ثبات الضعف والعجز العربي الرسمي.

ولكن الأمور لا تسير بهذا الشكل، حيث أعلن اليمن عن التصعيد وقام باستهداف حاملات الطائرات الأمريكية وأعلن عن مزيد من التصعيد في تلويح بأنه استئناف لاستهداف الكيان، ولم تصدر أي إشارة للتراجع من أي جبهة مقاومة، كما أن الإشارات الصادرة من داخل غزة كلها تفيد بتمسك أهل غزة بأرضهم مهما كان الحصار والتجويع والتعطيش، وهو ما يشي بمرحلة جديدة من التصعيد في حرب الإرادة الوجودية التي لن تفرط جبهات المقاومة في ثابت واحد من ثوابتها بها.

قد يعجبك ايضا