تركيا في النظام الإقليمي بين أمريكا و”إسرائيل”

غسان ملحم

 

 

قد تكون تركيا ـــــ على غرار إيران و”إسرائيل” ـــــ إحدى القوى الإقليمية الثلاث في المنطقة، ذات الحضور الإقليمي، والتي لديها مشروع إقليمي، في مقابل بقيّة الفاعلين الدوليين والإقليميين، على امتداد الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا.
وتبقى تركيا وإيران، كما بلدان وشعوب المنطقة، بخلاف “إسرائيل”، في صلب التكوين أو التركيب السوسيولوجي والديموغرافي للإقليم. لكنّ أنقرة ليست مطلقة اليدين في مواجهة واشنطن و”تل أبيب”، ولا سيما بمسألة سوريا والمسألة الكردية. فماذا عن تركيا في النظام الإقليمي بين أمريكا و”إسرائيل”؟ وما هي آفاقها وحدودها؟
في التمدّد أو التوسّع التركي في المنطقة
مع اندلاع الأحداث في سوريا، في غمار ما بات يُصطلَح على تسميته بـ “الربيع العربي”، لم تكن تركيا بعيدة عن خلفيّات ومجريات تلك المستجدّات وتلك المتغيّرات. هي لم تكن البتة بمنأى عن تطوّرات المشهد السوري، وهي لم تنأَ بنفسها عن مسار العمليات الأمنية والعسكرية على الساحة السورية. فتركيا ترى أنّ إقليم سوريا الطبيعي والجغرافي هو جزء لا يتجزأ من المجال الحيوي، الذي يشكّل الامتداد الخارجي للأمن القومي التركي في عمقه الاستراتيجي ضمن النطاق الداخلي.
هذا ما يفسّر ـــــ من وجهة النظر التركية ـــــ الوجود العسكري والحضور الأمني في سوريا منذ وقت مبكر، ولا سيما بين أنصار ومناصري الرئيس التركي والحزب الحاكم التركي. إن سوريا، بالنسبة إلى تركيا، تمثّل الممر الإلزامي لمشروع التمدّد أو التوسّع باتجاه الجنوب، ضمن المشرق العربي ونحو الجزيرة العربية والخليج. وهي كانت، ولا تزال، حتى حينه، تتطلّع إلى المزيد من التسلّل والتوغّل داخل سوريا لإثبات حضورها ودورها مع العثمانيين الجدد في إطار النظام الإقليمي.
إنّ ضلوع تركيا في الكثير من التطوّرات السياسية وغير السياسية التي طرأت على سوريا لا ينفصل عن انخراطها مبكراً في الكثير من الأحداث التي اندلعت سابقاً في العراق بصورة عامّة وإقليم كردستان شمالي العراق بصورة خاصة. هنا بالتحديد تبرز هواجس الأتراك بشأن قضية الكرد وحراكهم وتحرّكهم بالتنسيق والتعاون مع الأمريكيين والإسرائيليين. ثم عمدت تركيا إلى المضي قدماً والذهاب بعيداً على امتداد الإقليم، من غربي آسيا إلى شمالي أفريقيا، وحتى ليبيا على حدود مصر!
في الحسابات والتقديرات العربية في المنطقة
أثار الاتجاه السياسي والاستراتيجي لدى أنقرة نحو التوسّع والتمدّد ضمن المنطقة العربية، والمتنامي والمتصاعد طيلة حقبة الرئيس رجب طيب إردوغان على رأس السلطة ونظام الحكم في تركيا، حفيظة العرب، في إشارة إلى الأنظمة العربية، ولا سيما في المشرق العربي والخليج، بصرف النظر عن الخلاف أو الاختلاف بين العرب حول الاتجاهات والتموضعات والاصطفافات الإقليمية، حتى إنه أثار الشعور بالريبة، وكذلك الشعور بالقلق. وقد أصبح هذا الشعور المركّب مفهوماً ومبرّراً أكثر، بل مضاعفاً، مع سقوط سوريا ودور تركيا بالمعطى المستجدّ.
كان الحضور التركي والدور التركي ذو الصلة على حساب المصالح والحقوق والأدوار العربية. ثم جاء التوسّع والتمدّد في النفوذ التركي على أنقاض المشاريع والطموحات والتطلّعات العربية. مما يفسّر ردود الأفعال العربية، من جانب كلّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما مصر، والتي بدأنا نرصد الإرهاصات والمؤشرات لها بالحراك والتحرّك العربيّين، على الصعيد الإقليمي، ولا سيما الأوساط العربية، وعلى الصعيد الدولي، ولا سيما الأوساط الغربية، في محاولة للحدّ من سطوة، أو لنقل صعود، النفوذ والدور التركيين الإقليميين.
في المشاريع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة
لقد قامت “إسرائيل” بعجالة ـــــ فور سقوط النظام قبل الدولة ـــــ بتدمير قوة سوريا العسكرية والأمنية والاستراتيجية. وهي تمعن في عملية تفكيك الدولة السورية وفي عملية تمزيق الوحدة الوطنية السورية، السياسية والاجتماعية. هي تريد – ومعها أيضاً أمريكا – تقسيم سوريا، على أسس طائفية ومذهبية وإثنية، وتقاسم الحصص ومناطق النفوذ فيها. لم يعد هذا المسار أو هذا المسير خافيين على أحد- أيّ أحد- في الإقليم وفي العالم بأسره. كما قامت “إسرائيل” بتوسيع احتلالها جنوبي البلاد، بينما قامت أمريكا بتثبيت وتكريس احتلالها شمالي البلاد.
هذا الكلام ليس بالجديد على الإطلاق. وقد عمدنا سابقاً إلى الإدلاء به وتدوينه مرات عديدة. أمريكا و”إسرائيل” تريدان تفتيت إقليم الشرق الأوسط عموماً وإقليم المشرق العربي خصوصاً، بقصد التمكّن منهما وإحكام السيطرة والهيمنة عليهما. قد لا تكون بقية الحكومات والأنظمة والجيوش والدول والبلدان العربية بمنأى عن مخاض التدمير والتقسيم والتفتيت، ومن بينها الجيش المصري والعرش الأردني.
بعد النيل من الجيش العراقي أولاً، ومن ثم الجيش السوري ثانياً، ثمة تصريحات وتسريبات تفيدان بنية “إسرائيل” تدمير قوة مصر لاحقاً، بل قريباً.
في الخيارات والرهانات التركية في المنطقة
لا يمكن تركيا أن تنتهج سياسة وضع اليد على سوريا برمّتها، بالنظر إلى وجود كلّ من الأمريكيين في منطقة الكرد شمال شرقي البلاد والإسرائيليين في منطقة الدروز وغير منطقة جنوبي البلاد. ستشهد الخارطة السياسية لسوريا تغيّرات أو تغييرات دراماتيكية وتراجيدية، إن عاجلاً أم آجلاً. أمّا بعد دخول تركيا عمق وقلب سوريا، فهي لن تستطيع أن تستحوذ عليها كلّها، حتى وإن كانت المخابرات التركية تجوب الأرجاء والأنحاء كافة، بحيث ستحتفظ فقط بالمنطقة الممتدة من حلب إلى حماة شمالي البلاد.
ويبقى على الروزنامة التركية لدى أنقرة الأولوية المتصلة بتقويض المشروع والحراك الكرديّين، ومنع تصديرهما من شمالي شرقي سوريا وشمالي العراق إلى جنوبي تركيا. وهو ما يفسّر خطوة الأتراك الأخيرة على صعيد المفاوضات السياسية على خط زعيم الكرد عبد الله أوجلان في سجنه. إنّ الحكومة التركية تريد التخلّص من الحالة الكردية، الثائرة أو الثورية، المتمردة على القرار التركي بأيّ شكل من الأشكال. وهي لا تعير أيّ اهتمام أو انتباه لقضية الكرد وحقهم بتقرير المصير.
يبدو الأفق السياسي لوجود وبقاء تركيا في سوريا محدوداً بالزمان والمكان، إن في المدى الزماني أو في النطاق المكاني. هي مقيّدة بالحسابات المتقاطعة والمتداخلة أو المتشابكة. وعليها التعامل والتعاطي مع الأمريكيين والإسرائيليين بإيجابية، فيكون لها ويبقى لديها ما تريد، مع الإشارة إلى أنّ أمريكا و”إسرائيل” تبديان الحزم والحسم في سوريا، كما في لبنان وفلسطين، بل ربما في مصر. وقد لا تكتفيان بتدجين الموقف السياسي المصري، بل قد تقومان بضرب القوة العسكرية المصرية!
أنقرة والإدارة الأمريكية
قد يكون لتركيا دور ومكانة في النظام الإقليمي، بالنظر إلى حجمها ووزنها ضمن الإقليم بميزان الجيوبوليتيك. وهي تحتفظ لنفسها بهامش خاصّ بها، وتتمايز، بطريقة أو بأخرى، عن بقية اللاعبين الدوليين والإقليميين في المنطقة، من حيث التموضع أو الاصطفاف السياسيان والاستراتيجيّان.
لكنّ أنقرة لا تستطيع الخروج عن الإرادة الأمريكية، الضابطة والناظمة لإيقاع الترتيبات الإقليمية، ولا تستطيع بالتبعية تحدّي الإرادة الإسرائيلية، ولا حتى استفزازها.
هكذا تغدو أنقرة محكومة، أو لنقل ملزمة، بهذه السقوف والضوابط في حراكها أو تحرّكها الإقليمي.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية.

القادم أصعب.. لنتهيأ بثبات

علي جاحز

المجريات تؤكد أن الصهيونية أعدت لمعركة كبرى، وفي سبيلها وحدت الأنظمة الجاهزة وصنعت أنظمة وزعامات جديدة، وهيأت المؤسسات والمنظمات والنخب الأممية والإعلامية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وبرمجت الوعي الجمعي، إلا من رحم ربي..
بعد ما حدث في سوريا، بات الداعشي فجأة واحدا من الأنظمة العربية يسبقهم في كسب رضا الأمريكي وصداقة الأوروبي وحماية الإسرائيلي.. وما حدث في لبنان لا يختلف كثيرا.
وفي القمة العربية صبت الأنظمة صديد حقدها على محور المقاومة وصوبت سهامها نحو مساره ودوره والتشكيك في صوابيته وفاعليته..
الإعلام بات يهيئ الوعي الجمعي لتقبل مخطط شيطنة من يحملون راية الجهاد والمقاومة، وأخطر الأساليب لتحقيق ذلك إشعال فتيل الأحقاد الطائفية في دماء أبناء الأمة من خلال مسلسل معاوية، الذي تقدم الصهيونية من خلاله صورة مزورة للتاريخ وتحقق من خلاله الحقد على منهج أهل البيت، والتشكيك
في جدوائية وصدق مسارهم الجهادي، وتقديمهم في صورة مشوهة باعتبارهم متمردين ودعاة حروب..
صنعاء بعد موقفها الثابت وزخم عمليات جيشها الفاعل، وخطاب قائدها القوي والشجاع، أصبحت حاضرة ضمن أولويات وأهداف المخطط الصهيوني، أن لم تكن اهم أهدافه بالفعل.
لعله الوعد الإلهي الذي ينتظره اليمنيون بلهفة.. لكنه يضعنا أمام استحقاقات مفصلية ومسار وحيد لا مناص منه، ويجعلنا مقبلون على مرحلة صعبة تتطلب منا التماسك والثبات.
ولأجل ذلك نحتاج إلى التهيئة اقتصاديا واجتماعيا وإعلامياً وتوعويا، وذلك بالتوازي مع التهيئة الأمنية والعسكرية التي نثق في جاهزيتها.
والله غالب على أمره٠

‏رمضان.. جهاد وتقوى ونصر على الأعداء

القاضي/ حسين بن محمد المهدي

التقوى مشتقة من الوقاية، وهي حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره، والتقوى البالغة الجامعة تعني اجتناب كل ما فيه ضرر لأمر الدين.
وقد وصفها الإمام علي -عليه السلام- بأنها: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل.
وقد وردت في القرآن الكريم بمعنى الخوف والخشية: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) أي: خافوه، واخشوه.
وبمعنى: الطاعة والعبادة، كما في قوله تعالى: (أَفَغَيْرَ اللَّـهِ تَتَّقُونَ).
فبالصيام في شهر رمضان تزكو النفوس، وتستقيم الأخلاق، وتستجاب الدعوات، وتقضى الحاجات، ويرزق المسلم فيها الصبر والثبات.
في رمضان بعث رسول الإسلام، وانتصر على الكفرة الطغام، وافترض الله فيه الصيام، وسنَّ رسوله القيام، وقال: “من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”.
فالصوم يعتبر اختباراً روحيًّا، وتجربةً خلقية يستطيع الإنسان من خلالها اكتسابَ ملكة التقوى، والتي هي هدف الصوم وثمرته، فإذا اكتسب المرء المؤمن ملكة التقوى حصل على مطلوبِه، ونجح في كُـلِّ أموره، ودانت له الدنيا والآخرة، وأضحى جديرًا بالاستخلاف في الأرض، وقيادة البشرية إلى ما يصلحها في الدنيا والآخرة موعوداً بالنصر والتمكين والظفر قادراً على تحرير فلسطين وغيرها، مبشراً بالعون والنصر (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)، مبشراً بالكرامات وأعلى الدرجات: (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآخرة)، مبشِّرًا بالفرقان، وتكفير الذنوب والغفران: (وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)، مبشراً بتيسير الأمور، والخروج من الغَم والشرور: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ من حَيثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)، مبشراً بجنات وعيون (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، أخذينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ).
لقد جاء محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- بدين الوحدة والاتّحاد في الفكر والعمل، ودعا إلى التقوى التي تبعث في الإنسان القوة والبطولة والإيمان؛ فالصائم لا يخشى بأس بشر ولا ضرره فقد جاء الإسلام بعقيدة تحمي الأعراض والحرمات، وتصون النواميس، وتحب الجهاد.
إن المسلم في شهر الصيام لا يهزه تطاوُلُ المفسدين ولا استعلاءُ المستكبرين ورجال الصهيونية في أمريكا وغيرها.
إن المسلمين اليوم بحاجة إلى الاتّحاد وإلى اغتنام فضيلة هذا الشهر الكريم والتناصح فيه، ورفع راية الإسلام؛ مِن أجلِ كبح جماح الظالمين، وتحرير فلسطين، ونشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها لينالوا بذلك شرف الدنيا والآخرة، وليكونوا جميعًا أنصار الله وحزبه (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء.

العرب وحتمية الاتعاظ من درس زيلينسكي

إيهاب شوقي

ممّا لا شك فيه أن هناك تطورات لحقت بالاستراتيجية الأمريكية في تعاطيها مع الحلفاء وفي أسلوب إدارتها للصراع الدولي، وهذه التطورات تصبّ في اتجاه تقليل التكاليف الأمريكية ومحاولة ابتزاز الخصوم والحلفاء في التوقيت ذاته.
يمكن القول إنه ربما صدرت النخبة الاستراتيجية الحاكمة للهيمنة داخل الولايات المتحدة إدارة مثل إدارة ترامب للقيام بهذه المهمة، فهذا التحول يتطلب فجاجة ووجه يعبر عن رجل أعمال مغرم بالصفقات، ولا يعترف بمبادئ أو ثوابت، ولا يحكمه سوى مبدأ الربحية.
كذلك؛ ربما هناك أخطاء شائعة في بعض التحليلات التي تذهب إلى أن هناك انقلابا يقوده ترامب في السياسة الخارجية الأمريكية، وأنه يخوض حربًا ضد الدولة العميقة. وهذا الخطأ مبعثه أن قوة بحجم الولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح بتداول للاستراتيجيات المتناقضة وفقًا لرؤية كل رئيس يعتلي السلطة، وإنما هناك سقوف استراتيجية لا يمكن للرؤساء اختراقها، وواقع الحال هو تغير الأوجه والأسماء وأسلوب الإدارة سعيًا لنيل الهدف المتوافق مع المرحلة.
لعلّ أبسط مثال على ذلك هو ثبات الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني باتفاقات ممتدة زمنيًا وعابرة للإدارات الديمقراطية والجمهورية، وكذلك الموقف من أوكرانيا، والذي يراه البعض انقلابًا على موقف إدارة بايدن، في حين تؤكد التقارير الأمريكية أن المتغير الرئيس بالنسبة إلى أوكرانيا هو إمدادات المساعدات الغربية، حيث أدى انقطاع المساعدات الأمريكية من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى أبريل/نيسان 2024 إلى تراجع القدرة القتالية لأوكرانيا، وهي الفترة التي كان بايدن فيها حاكمًا!.
لعل أبرز تطور استراتيجي مستجد أمريكيًا هو الدفع نحو اعتماد أوروبي على الذات في حماية أوروبا مع التوجه لاستيراد السلاح من أمريكا، أي تحول أمريكا من قوة تنفق على أوروبا إلى قوة تنتفع من أوروبا مقابل حمايتها. تاليًا؛ تصدر أمريكا وجهًا لروسيا مفاده السعي إلى التسوية والسلام، وفي الوقت ذاته تبيع السلاح لأوروبا لاستنزاف الروس من دون تصدر المشهد، لكي تتفرغ أمريكا للصراع الاقتصادي مع الصين، وتوجه إنفاقها الدفاعي والاقتصادي في حربها مع الصعود الصيني بعد تأمين جبهة استنزاف روسيا وتحديد نفوذها.
إنّ المراقب لمراكز الفكر الأمريكية يلمح تشجيعًا ودفعًا للجيش الأوروبي الموحّد كونه تخفيفًا من الكلفة الأمريكية، وهو أمر قد تشجعه أمريكا مع يقينها بأن أوروبا لا يمكنها الاستغناء عن حلف الناتو والقيادة الأمريكية، وأن هذا الجيش لا يشكّل استقلالاً تخشى معه أمريكا أن ينفرط عقد التبعيّة الأوروبية بسببه، بل سيحتاج هذا الجيش إلى وصاية أمريكية عبر التسليح والدعم الاستخباراتي.
في منطقتنا وعبر محاولات التسوية الأمريكية مع روسيا وتحديد نفوذها، تخطط أمريكا لبسط نفوذها بإقامة مشروعات استراتيجية مثل الممر الاقتصادي مع الهند والسيطرة على حقول الغاز. وهي مشروعات يلزمها وكيل وواجهة مثل “إسرائيل الكبرى” التي تطمح أمريكا في توسيع مساحتها ونفوذها ودوائرها الأمنية على حساب دول الطوق، داخل سوريا ولبنان والأردن ومصر. هذا فضلًا عن ضم الضفة الغربية وإصدار تعميمات في الكونجرس لتسميتها بالاسم الصهيوني “يهودا والسامرة” بديلاً عن مسمى الضفة الغربية.
يأتي مشروع التهجير، في هذا السياق، وهو مشروع أمريكي بامتياز، تسخر به أميركا الجيش الصهيوني لخدمة مصالحها، ولا تأبه بخسائره فهو يحارب بالوكالة عن أمريكا لخلق تموضع استراتيجي بالقوس الذي تحدث عنه هنري كيسنجر ووصفه بقوس الأزمات، وأن السيطرة عليه تضمن السيطرة على أوراسيا، وأن السيطرة على أوراسيا تضمن السيطرة على العالم والبقاء قوة أولى مهيمنة.
ممّا لا شك فيه أن التعامل الأمريكي المهين مع الدمية الأوكرانية المتمثلة بالرئيس زيلينسكي تشكّل مصداقًا للتعامل الأمريكي مع الدمى التي توظفها أمريكا وتنقضي وظيفتها. وهو درس لكل زعماء المنطقة التي وظفتهم أمريكا لاحتواء خصومها، ومفاده أن التصعيد والتهدئة قرار أمريكي لا بدّ وأن تنفذه الدمى، وإلّا فإنّ لحظة المكاشفة والإهانة العلنية قادمة لا محالة، وإن ارتهان أي نظام لأمريكا من دون الاحتماء بأوراق القوة الذاتية مصيره الذل والإهانة والانكشاف الاستراتيجي.
إن الحرب التي تطل برأسها من جديد على المنطقة بعد تملص الكيان الصهيوني من الاتفاقيات، ما يشكّل إهانة للوسطاء يتطلّب موقفًا مختلفًا ما تزال بقايا فرص متاحة للأنظمة لاتخاذه، وإلّا فإنّ الإملاء الأمريكي المهين بانتظارهم، وما حدث للرئيس الأوكراني لم يكن إلا بداية لتدشين مسار أمريكي جديد للتعاطي مع الدمى بعد استشعار أمريكا الخطر على مركزها الدولي وقطبيتها الأحادية وكلفة قناع الديمقراطية والتظاهر بالدبلوماسية واحترام الدمى ووصفهم بالحلفاء.
أمريكا لا تحترم إلّا القوي، وهو ما بدا في تعاطيها مع الخصم الروسي، وفي خطابها الموجه للمقاومات على الرغم من سلوكها العدواني تجاههم، ولن يوقف هذه الاستراتيجية الأمريكية الخطيرة سوى المواجهة بقوة، وبشكل جماعي.
في جميع الحالات؛ جبهات المقاومة حسمت خيارها بأنها ستواجه ولن تنصاع للإملاءات، وستواجه مهما كانت التضحيات، أما المترددون والمرتعشون فالمذلة بانتظارهم، وسيخسرون عروشهم التي كبّلت أيديهم وأذلت أعناقهم وقيدتهم عن خيار المقاومة الحتمي.

من (وعي) المحاضرة الرمضانية الثالثة للسيد القائد 1446هـ

عبدالفتاح حيدرة

أكد السيد القائد – عليه السلام – في محاضرته الرمضانية الثالثة للعام الهجري 1446هـ، أن حديث القصص القرآنية للأنبياء يأتي في إطار المقام العظيم لهم وله أهمية كبيرة في مقام الهداية والتأسي وما نحتاج اليه في ظروف الحياة، وقصة الهداية للمجتمع البشري متزامنة منذ الوجود البشري على وجه الأرض وأول البشر هو نبي ليسير على مسيرة هذه الحياة على الصراط المستقيم، في إطار الأوامر والنواهي الإلهية، والحالة بالنسبة للانحراف عند البشر يزداد فيها ضلالهم وانفصالهم عن خط الهداية فتكثر حالات الخرافات والضلال والأساطير التي يعتقد بها الناس وارتبطوا بها من واقع حياتهم، وهذا التمادي في الباطل أساسه هو الابتعاد عن هدى الله وإذا ابتعد الناس عن هدى الله يزداد ضلالهم وباطلهم..
في عهد نبي الله إبراهيم – عليه السلام – كانت المجتمعات قد بدأت تتشكل في حالة الممالك، وكانت هناك حالة طغيان كبير، وفي ذلك العصر ولد نبي الله إبراهيم- عليه السلام- في إطار جغرافي ممتد من جنوب العراق حتى أطراف تركيا، وكانت حالة الشرك متحكمة في أوساط الناس هناك، ويتبع انحراف الشرك انحرافات كثيرة على مستوى الالتزامات الأخلاقية وغيرها، وكان الحاكم الطاغية حينها (النمرود) يدعم تلك الحالة من الشرك وربط الألوهية به (مثله مثل فرعون)، وكان أكبر خطر على هذا الطاغية هو ذكر الله ومعرفة الله ولذلك حظروا الحديث عن الله، وجاء سيدنا إبراهيم في مرحلة يدعم فيها الحاكم الشرك وكذلك انحراف المجتمع نحو الباطل، ونشأ سيدنا إبراهيم نشأة التوحيد لله، وجميع الأنبياء والرسل كذلك، نشأة ورعاية إلاهية بقيم ومكارم الأخلاق الراقية، ومتميزون بالانشداد لله، ليسوا متلوثين بما يتلوث به المجتمع وهي نقطة مهمة جدا لفهم قصة سيدنا إبراهيم..
كانت حالة الشرك قد وصلت لمحيط أسرة سيدنا إبراهيم، وهذا كان يجعله في حالة غربة، والخلاصة أن إشكالية الشرك هذه بعد أن وصلت إلى داخل الأسرة، جعلت دعوته لقومه بداية ومعالجة الانحراف وإخراجهم من حالة الشرك، التي كانت تمثل أكبر جريمة وإساءة لله سبحانه وتعالى، وعمل سيدنا إبراهيم بحالة حكيمة في مواجهة تلك الانحرافات التي كانت محمية من السلطة ومن نفوذ المجتمع..

قد يعجبك ايضا