لكل من يتشبث بوهم الصداقة الأمريكية، ويعلق آماله على وعد من واشنطن، ويحلم بدعم من البيت الأبيض، أقدم هذه الوقفة المتأملة، لنستقرئ معا سجلات التاريخ، ونتدبر في أحوال الأمم التي وثقت بهذه الدولة، فلم تجنِ إلا الخسائر، ولم تحصد إلا الندامة.
إن مقولة الرئيس الباكستاني الراحل، محمد ضياءالحق، ليست مجرد عبارة عابرة، وإنما هي خلاصة تجربة مرة، وحكمة مستسقاة من واقع معاش، يؤكد أن “أمريكا ليس لها صاحب، ومن يتعامل معها كمن يتعامل مع بائع الفحم؛ لن يناله إلا سواد الوجه واليدين.”
هذا التشبيه البليغ، يصور بدقة طبيعة العلاقة مع أمريكا، فهي كبائع الفحم، يغريك بدفئه الظاهر، ويغذي فيك الأمل بالخير القادم، لكنك سرعان ما تكتشف أنك لم تجن إلا السواد، سواد الوجه بالذل والمهانة، وسواد اليدين بالخسران والندامة.
إن التاريخ يا سادة، ليس مجرد قصص تروى، وأحداث تسرد، بل هو مرآة تعكس الحقائق، وميزان يزن الأمور، ودليل يرشد التائهين. فلنقرأ التاريخ بعيون متفتحة، وعقول متنورة، وقلوب واعية، لنستخلص العبر، ونتعلم الدروس، ونتجنب الأخطاء.
ألم نر كيف خذلت أمريكا حلفاءها في كل مكان؟ ألم نر كيف تركتهم يواجهون مصيرهم المظلم، وحدهم؟ ألم نر كيف تآمرت عليهم، ودبرت لهم المكائد، وسلمتهم لأعدائهم؟
وهذا العراق، الذي غزته أمريكا بحجج واهية، ودمرت مدنه، وقتلت أبناءه، ونهبت ثرواته، ثم تركته غارقا في الفوضى والاقتتال، وهذه أفغانستان، التي احتلتها أمريكا لسنوات طويلة، وعاثت فيها فسادا، وأشعلت فتنا، ثم انسحبت منها بخزي وعار، وتركتها تئن تحت وطأة الفقر والتخلف.
وأوكرانيا، كيف عاثت فيها الفساد، وهذه فلسطين، التي تدعم أمريكا احتلالها، وتغطي على جرائم الصهاينة، وتمنحهم الدعم السخي، ليستمروا في قتل الأبرياء، وتهجير السكان، وتدنيس المقدسات.
إن القائمة طويلة ومخزية، تكشف زيف الشعارات الأمريكية، وتظهر الوجه الحقيقي لسياساتها، القائمة على الخداع والمكر، والانتهازية والتآمر.
فإلى متى نستمر في تصديق الأكاذيب؟ وإلى متى نردد الشعارات الجوفاء؟ وإلى متى نعلق آمالنا على قوة غاشمة، لا تهتم إلا بمصالحها الخاصة؟
ألم يأن الأوان لأن نستيقظ من سباتنا، ونتخلص من أوهامنا، ونعتمد على قدراتنا الذاتية، ونوحد صفوفنا، ونبني مستقبلنا بأيدينا؟ ألم يحن الوقت لأن ندرك أن العزة والكرامة، والنصر والتمكين، لا تأتي من الخارج، وإنما تنبع من الداخل، من قلوب مؤمنة، وعقول متنورة، وأيد متواضعة؟
إن رسالتي واضحة، وصريحة، ومخلصة: أيتها الأمة العربية والإسلامية، كفوا عن التعامل مع بائع الفحم، فإنه لن يعطيكم إلا السواد. وابحثوا عن النور في داخلكم، فهو وحده القادر على أن يضيء طريقكم، ويحقق آمالكم، ويحرر أوطانكم.
وختامًا، فلنتذكر دائما، أنّ أمريكا ليست إلا قبلة للضلال، ومشنقة للأمم، وسجنا للأحرار. فلنعتصم بالله، ولنعتمد على أنفسنا، ولنوحد صفوفنا، ولنبن مستقبلنا بأيدينا، فبذلك فقط نستحق الحياة، ونحقق العزة، وننصر الحق، ونعيد للأمة مجدها الغابر.