فلسطين أرض الرباط والصمود والبطولات..

طه العامري

 

ثمة مقولة تقول: إن لكل إنسان في هذا العالم وطنا يعيش فيه الا الفلسطيني وطنه يعيش فيه _ قيل عن فلسطين قديما إنها ( أرض بلا شعب وبالتالي فلنمنحها لشعب بلا أرض) من قرر هذا؟ قوى الشر والاستعمار التي تواصل اليوم رعايتها للصهاينة الذين زرعتهم في تلك البقعة الطاهرة من الوطن العربي لا لتكون وطنا لشعب بلا أرض، بل لتكون (قاعدة استعمارية تحمي مصالح المستعمرين) فـ( الصهاينة) ليس شعبا بلا أرض، بل جنود لقوى الاستعمار مهمتهم حراسة مصالح قوى الهيمنة والغطرسة، التي وقبل أن تزرع كيانها اللقيط في قلب الجغرافية العربية لتفصل جغرافية المشرق العربي عن المغرب العربي وتقطع أوصال الجغرافية العربية، تعمدت قبل ذلك إيجاد أنظمة وكيانات وظيفية ربطت مصيرها وديمومتها بمصير وديمومة هذا الكيان اللقيط الذي هو بمثابة قاعدة عسكرية متقدمة لقوى الاستعمار مثله مثل حاملات الطائرات ومثل أي قاعدة استعمارية تعمدت قوى الاستعمار  إقامتها في بعض كيانات المنطقة التي تعيش تحت حماية قوى الاستعمار ومنها تستمد شرعيتها في الحكم والتحكم بمصير شعوبها..!

ولكي ينجح هذا المخطط الاستعماري كان على قوى الاستعمار أن تعمل بكل قوة على (شيطنة) كل القيم التي تعزز وحدة الأمة ووحدة مصيرها، ورسخت ثقافة التفرقة والتمزق، وزرعت الخوف والأحقاد والكراهية بين أبناء الأمة الواحدة التي قسمها المستعمرون جغرافيا وسياسيا وفكريا وثقافيا، بحيث فشلت عملية توحيد الأمة أو تكاملها لا جغرافية ولا تاريخيا ولا دينيا ولا لغويا، فجعلت قوى الاستعمار أو حرصت عند تقسيم الجغرافية العربية أن تجعل الغالبية العربية وذات الكثافة البشرية تعيش في دائرة الفقر والحاجة، فيما جعلت الأقليات الكانتونية التي أنشأتها لتؤدي أدواراً وظيفية في خدمتها وخدمة كيانها اللقيط لتكون متحكمة في منابع النفط ومن ثم ترسيخ أفكار الكراهية والانعزالية  في وعي ووجدان عرب النفط بأن فكرة الوحدة والتكامل بين العرب هدفها مشاركة الفقراء في الأمة ثروات الأغنياء، وجندت لبث هذه السموم منابر وماكينات  إعلامية ومراكز أبحاث ونخباً عملت على (شيطنة) فكرة الوحدة العربية والتكامل العربي، وجعلت الأنظمة المترفة توطد علاقتها مع محاور الاستعمار وأعداء الوجود العربي ضد بقية أبناء الأمة العربية، وصولا إلى إقدام بعض العرب على إقامة تحالفات مع كيان العدو وتطبيع العلاقة معه على حساب أشقائهم العرب وعلى حساب القضية الفلسطينية التي تعرضت لمؤامرات من قبل بعض العرب تفوق ما تعرضت له من قبل أعداء الأمة أنفسهم..!

ورغم ذلك ها هي تداعيات الأحداث تفرض نفسها وتؤكد سلامة الرؤية القومية والهوية الوحدوية للأمة، وكانت معركة الطوفان نموذجاً للإرادة العربية وحقيقة الوجود القومي العربي وأن من خلال التفاعل الشعبي بمعزل عن تلك الأبواق التي صدحت من بعض أنظمة النفط التي حاولت خلال المعركة التغطية على حقيقة خيانتها للأمة ولقضاياها من خلال تسويق ترهات عبر منصات إعلامية ليأتي الصمود الأسطوري للمقاومة مذهلا لهؤلاء قبل العدو الصهيوني الذي يدرك أن بقاءه ما كان ليستمر طيلة عقود الاحتلال لولاء الدور الخياني والتآمري لأنظمة العهر العربية..!

بيد أن مواقف الرئيس الأمريكي التي صدرت مؤخرا والقاضية بتهجير الشعب العربي من فلسطين إلى مصر والأردن كفيلة ليس بكشف مخططات قوى الاستعمار التي نعلمها ويعلمها الشعب العربي في فلسطين وتعلمها المقاومة الباسلة التي قهرت ليس العدو بل قهرت قبل العدو كل رعاته وحلفائه عربا كانوا أو غيرهم، بل هي تفضح مواقف ( أنظمة العهر العربية) التي توهمت إنها سوف تبقى في معزل عن تداعيات القضية وبعيدة عن فاتورتها التي تلوح بالأفق، والتي سيدفع ثمنها كل من تخاذل عن نصرة فلسطين، ومثال على ذلك الـ ( ستمائة مليار، التي رفضها ترامب وطالب برفعها إلى تريليون) مع أن ( مائة مليار) كانت كفيلة لتحرير فلسطين، فيما ( ترليون دولار) تكفى لتعمير الوطن العربي، وهذا المبلغ ليس كل ما يطلبه ترامب بل هناك أنظمة أخرى عليها أن تدفع له ثمن الحماية وثمن بقائهم في عروشهم يحكمون شعوبهم..!

ذات يوم قال (كيسنجر للملك فيصل حين هدد الملك الوزير بإحراق أبار النفط والعودة لحياة البادية، رد عليه الوزير الأمريكي هذا النفط ليس ملككم بل ملكنا ونحن من أجلسكم على هذه البراميل)..!

فلسطين سوف تنتصر وسوف تتحرر، وسوف تسقط مع تحريرها كل الأنظمة الوظيفية التي زوالها مرهون بزوال الاحتلال والعكس صحيح..!

نعم تحرير فلسطين مرهون بزوال الأنظمة الوظيفية التي وجدت لتكون حارسة لهذا الكيان اللقيط، فيما الفلسطيني المقاوم سيظل كشجرة الزيتون يقاوم التطلع بالتجذر، ويقاوم الغطرسة الاستعمارية بالتشبث بأرضه وان كان مجرد بقايا أطلال وأعتقد أن مشاهد تبادل الأسرى حملت أكثر من رسالة ليس للعدو ورعاته بل لكل العالم بما فيهم أولئك الذين راهنوا على قوة العدو وخسروا رهانهم..

نعم كانت التضحيات جسيمة وكبيرة، لكن حرية الشعوب والأوطان لن تأتي ولن تنتزع بدون هذه التضحيات وفلسطين مهرها غالٍ وغالٍ جدا، يكفي أنها أرض الرباط وأولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الحبيب المصطفى الذي انتقل منها وليس من أي بقعة أخرى نحو سدرة المنتهي، لم ينطلق صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله لا من مكة ولا من المدينة ولا من غار حراء ولا من غار ثور بل انطلق من بيت المقدس ومن المسجد الأقصئ وفي هذا الانطلاق والاختيار دليل لمن لا يفقه على عظمة هذه الأرض _فلسطين _الذي بارك الله حولها، وبارك برجالها، فأوجد فيهم أبطالاً لا يهابون الردى ولا يخشون العدو بل اثبتوا جبن ونذالة العدو وضعفه وهوانه على رعاته الذين لولا اصطفافهم إلى جواره سرا وعلانية لكانت المقاومة وصلت عقر دار العدو في بضعة أشهر.. إن العالم مطالب بقليل من الخجل، ومطالب بأن يحني هامته للمقاومة التي ذلت كيانه اللقيط، وذلت وأهانت داعميه وحراسه.. وهذا سلوك يتحلى به الفرسان الحقيقيون وليس الذين تصنعهم القوة فيما قلوبهم ترتجف خوفا وهلعا من ( مقاتل ملثم) تهتز الأرض تحت أقدامه المعفرة بتراب مبارك به تعفرت أقدام الأنبياء والمرسلين..

 

 

 

قد يعجبك ايضا