الأطفال يلوذون بالصمت ويصابون بعقدة الكراهية لوالديهم
عندما يتحول “عْش الزوجية ” الى “حِلِبة مصارعة ” بين الوالدين..!!
يحول بعض الأزواج منازلهم الى ما يشبه ” حلبة المصارعة”, معارك ومشاهد عنف يومية لسبب أو لغير سبب .. صراخ وشجار .. ضرب واهانات متبادلة بين الزوج والزوجة ,دون وضع أي اعتبار للأبناء الأبرياء الذين يعيشون هذه المشاهد المْرعبة,ومدى تأثير ذلك على حياتهم وتعاملهم مع الآخرين, فبعضهم يلوذ بالصمت ويصاب بعقدة الكراهية لجميع الآباء والأمهات والبعض الآخر يلجأ إلى الهروب من هذه الحياة والعيش بعيدا عن معارك الوالدين .
حول الخلافات الزوجية وأثرها على الحياة الأسرية والأطفال وكيف يمكن علاجها قمنا بإجراء هذا التحقيق .
“عمر” طفل في العاشرة من عمره ,للمرة الثالثة يترك المنزل ويخرج إلى الشارع بحثا عن الهدوء والأمان بعد أن أصبح العيش مع أسرته مستحيلا نظرا للمعارك المستعرة بين والده ووالدته والتي تصل إلى حد الضرب .
يقول “عمر” الذي كان في منزل عاقل الحارة بعد آخر مرة هرب فيها من منزلهم ليجده عاقل الحارة ويحضرة معه إلى البيت :” ما اشتيش أعيش معهم, أنا اكرههم الاثنين “.
جحيم
“عمر” واحد من كثير من الأبناء الذين يعيشون حروبا متبادلة بين الأب والأم , وإضافة إلى الأثر النفسي الذي يصيب الأطفال جراء مشاهد العنف بين والديهما فهم أيضا وفي أحيان كثيرة ينالون قسطهم من العنف والضرب.
ومثال على ذلك ما حدث لـ”هدى ” 15 عاما تدرس في الصف الثالث أساسي ,حيث تم إسعافها إلى المستشفى بعد أن تورم ساعدها , ليتضح اثناء الكشف عليها إصابتها بكسر في الساعد منذ بضعة أيام .
لم تكشف هدى عن السبب الحقيقي لما حل بها ,فيما قالت والدتها أنها سقطت في سْلم المنزل,, ولكن والدتها حين زارتها إلى المستشفى بعد دقائق من إسعافها إليه خرجت عن هدوئها وبدأت تدعو على الأب بصوت مرتفع وكادت تشتبك معه من جديد في المستشفى في الوقت الذي كان ضابط الأمن متواجداٍ هناك لمعرفة سبب الحادثة واعترفت الأم أن الأب هو من تسبب بكسر ساعد هدى أثناء ما كانت تدافع عنها وتمنعه من ضربها كما اعتاد, وهو أيضاٍ ما أكدته هدى التي كانت تصرخ أثناء شجار والديها في المستشفى قائلة: “حرام عليكم مش حتى في المستشفى”.
وتساءلت هدى بقولها:” لا اعرف لماذا تزوجوا طالما وهم يكرهون بعضهم هكذا.. وما ذنبنا نحن الأبناء ¿!!
اصغر مجرم
المشهد الثالث لطفل في الـ13 من عمره , فر من المنزل وسلك طريق الإجرام , فأصبح اخطر مجرم وهو مازال طفلاٍ.
هذا الطفل حوكم قبل فترة في محكمة الأحداث بتهمة السطو والسرقة وبالبحث عن سيرة حياته تبين انه ترك منزل والديه منذ مدة وذلك بعد اشتعال حدة الخلافات الزوجية وبشكل مستمر, الأمر الذي جعل العيش معهما لا يطاق فانخرط في وحل الإجرام وقبض عليه أكثر من مرة بجرائم سرقة وتم إيداعه دار الرعاية ولكنه أيضا كان يترك الدار ويذهب للسرقة ثم يعود إليها وكأن شيئا لم يكن , حتى تم اكتشافه وضبطه .. وأكد الطفل أن والده ووالدته حاليا منفصلان ولا احد يسأل عنه وانه لا يريد العيش معهما على الإطلاق..!!
تأثير سلبي
وحول هذا تقول أخصائية طب نفس الأطفال منى هاشم: لا يوجد زواج دون أن تتخلله بعض الخلافات ,التي يصفها البعض بأنها ملح الحياة, ولكن شدة واستمرارية وطريقة التعامل مع هذه الخلافات قد يؤثر سلباٍ على نفسية الأطفال, فإذا تعرض الطفل وهو مازال في سن مبكرة إلى خلافات متكررة بين والديه وإذا تطور هذا الخلاف إلى صراخ وضرب وشتم فإن الطفل يعيش في حالة توتر وقلق وخوف وعدم إحساس بالأمان مع والديه وتْولد لديه حالة من الكره لكل الآباء والأمهات.
وتضيف أخصائية الأطفال بأن هذه الخلافات تؤثر على نفسية الطفل وتنعكس على علاقته بالآخرين, فقد يكتسب بعض الأطفال العدوانية من آبائهم ويصبح عندهم العنف شيئاٍ طبيعياٍ يمارسونه مع أخواتهم البنات أو مع زملائهم في المدرسة وأصدقائهم في الحي, كما أن إحساس الكراهية للوالدين ينغرس في نفوس بعض الأطفال وينمو هذا الإحساس معهم , فتجد الفتاة التي عانت وهي طفلة من مشاهد عنف بين والديها تكره الرجال وترى فيهم نسخة طبق الأصل من والدها المتوحش , أما الشاب فيكره الفتاة ويرى فيها صورة والدته دائمة المشاكل وبهذا يعزف عن الزواج.
اضطرابات
ويرى الدكتور عبدالملك العزب أن الجدال العنيف والمستمر داخل الأسرة والضغط النفسي الذي يعانيه الأطفال جراء معاملة الأهل , عوامل تؤدي إلى إيجاد أجواء من التوتر والخوف داخل المنزل تقضي أحيانا كثيرة إلى اضطرابات نفسية وردود فعل مختلفة عند الأطفال كالعدوانية أو العصبية أو الخجل الزائد والارتباك النطقي (التأتأة والانطواء).
هذا بالنسبة للطفل الذي يتعرض لمشاهد العنف بين والديه في سن مبكرة أما الطفل الأكبر سنا “12 سنة وما فوق ” فإنه – والكلام مازال للدكتور العزب – يحس بالضياع ويعبر عن غضبه تجاه والديه بسلوكيات مختلفة مثل البقاء خراج المنزل أوقات كثيرة, أو الانعزال في غرفة داخل المنزل خاصة الفتيات وكذلك الإهمال المتعمد للدراسة ومصاحبة أصدقاء السوء وقد يصل الأمر إلى استخدام المخدرات والمواد الأخرى التي يشعر بأنها تنقله إلى عالم آخر بعيداٍ عن أنياب والديه ولو لسويعات قليلة “.
نصيحة
وينصح الدكتور العزب الآباء بعدم الاختلاف مع الأمهات أمام أطفالهم وخصوصا الأطفال الصغار اقل من ست سنوات لأن الأطفال في هذا السن لا يستطيعون فهم أن الأب والأم ممكن أن يختلفا ويتجادلا دون أن يكره احدهما الآخر.. وفي حال حدث ذلك أمام الأطفال فيجب أن يزيل الوالدان هذا الشعور من مخيلة أطفالهم بتبادل الضحكات والابتسامات والمشاهد التي تؤكد أن الأبوين لازالا يحترمان ويحبان بعضهما البعض.
موروث شعبي
الخبيرة في علم النفس أحلام المقطري والتي تهتم بالقضايا الأسرية, ترى أن قضية العنف الأسري هي قضية أزلية وهي موجودة في كل المجتمعات وتعتبر من أهم القضايا الاجتماعية وأشدها خطراٍ على الأسرة بشكل عام ومستقبل الأبناء بشكل خاص .
وتشير المقطري إلى أن العنف بين الزوجين وخصوصاٍ في اليمن سببه موروث وعادات وتقاليد شعبية تشعر الرجل انه المسيطر على كل شيء وان المرأة تابعة له ولا يحق لها أن تبدي رأيها في أي شيء , بالإضافة إلى الحالة المادية التي تعيشها الأسرة والمستوى التعليمي للأب والأم.
موضحة بالقول: “إن خلافات ومشاجرات الوالدين تؤثر سلبا في الحياة الزوجية لأبنائها مستقبلا, حيث أن انتقال الصراع الزوجي من جيل إلى آخر ينتج عندما لا يتعلم الأبناء مهارات وسلوكيات التواصل والتفاهم بسبب مشاهدتهم ومراقبتهم للخلافات التي تحدث بين أبائهم وأمهاتهم وكيف يتعاملون مع بعض بشكل سلبي.
انضباط
وتؤكد الأخصائية النفسية على وجوب انضباط الوالدين أمام أبنائهما ونشر روح التربية السليمة في الأسرة من خلال عدم التفريق بين الولد والبنت كما يحدث في كثير من الأسر وإفهام الأبناء الذكور بأنهم لا يختلفون عن شقيقاتهم الإناث في الرعاية والاهتمام وان يدرك أن مفهوم البنت للولد خاطئ وغير صحيح بالإضافة إلى خلق نوع من الحوار والديمقراطية داخل المنزل حتى يستطيع الأبناء الاستفسار عن أي شيء يشغل بالهم ويمكن أن يتسبب في آثار سلبية إن ظل مكتوماٍ.
تأثير مدمر
وفي هذا السياق كشفت دراسة أصدرتها “اليونيسيف” التأثيرات المدمرة للعنف المنزلي على الأطفال.
وتقدر الدراسة عدد الأطفال الذين يشهدون أعمال عنف بين الوالدين في كل عام يصل إلى ” 275 مليون طفل ” على مستوى العالم.
مشيرة إلى أن هؤلاء الأطفال تواجههم في مراحل مختلفة من نموهم جملة من التأثيرات المحتملة , منها ضعف الأداء المدرسي وقلة المهارة الاجتماعية والاكتئاب والإحساس بالقلق وغير ذلك من المشاكل النفسية ما يجعلهم أكثر عرضة لتعاطي المخدرات والانحراف في فترات المراهقة ويؤثر أيضا في قدرتهم الطبيعية على بناء عائلة سوية ومتوازنة في المستقبل.
تأثير خارجي
ويجد بعض الناشطين في مجال حقوق الطفل والأسرة أن الاهتمام الدولي بموضوع العنف المنزلي اخذ يتراجع أمام ارتفاع موجة العنف التي تجتاح العالم اليوم , فمشاهد القتل والدم البشعة التي تبثها الفضائيات لها أيضا انعكاساتها السلبية الخطيرة على نفسية الأطفال وعلى رغم ذلك التأثير الخارجي يبقى العنف بين الأزواج في الدرجة الأولى ذا تأثير مضاعف في نفسية الطفل وقدرته على العطاء وحياته المستقبلية.