عندما تذبل أوراق الخريف

وبقيت أسكب بعض الصور على ذلك الشارع المقفر , المبتل بماء الروح , أتناول بمعيته لفحات الشروق المغادرة , تفاصيل الرفقة والأصدقاء , أصوات لا زالت تحفر بريقها نحونا كلما اتجهنا نحوها , نقتسم معها ملامح الأشياء , ذلك الشيء المنحدر من أقاصي الوجع الممتد نحو مدى لا يتسع ولا يضيق .
*لا زالت أرسم ملامحها العتيقة وهي تلاحقني أينما اتجهت , وحين أرى خيالها الممتد أتبسم فرحا لرؤيتها تمر من أمامي , إنها اليوم تقطن خلف مسافات أخرى من زمن الموت , حيث لا أنيس أو رفيق يشعل النور فيقتل الظلمة الموحشة وينثر الضوء فتزحف مقاطع من صور للأشياء الملقاة على جدران المكان .
*عبثت بنا السنون , بعثرت ما تبقى من فتات الروح , اليوم صرنا بحاجة للآخر رغم اكتفائه , ننتظر النهاية عندما تقرع الجدران فيهتز الشيب وننام ولا ندري أننا ننام , فتذبل أوراق الخريف كما تذبل أوراق العمر , تلتصق بحناجرنا الفارغة ليصبح الفرد منا متوحش كئيب مقهور غاضب .
*يهرب … لكنه لا يدري إلى أين ¿
يخاطب نفسه الحيرى : إلى متى ¿
يتخفى بين الظلام دون ذنب معلوم ..! يسقط مغشيا عليه من إثر الوحدة , يفرح لسقوطه الاعداء ’ تنهال ذئاب المدينة على جسده الملقى , تنهش في بقاياه الميتة , يصمت الجميع فتلقي الفوضى عباءتها على كل المنحدرات , يتسم المكان بالصخب الموشك على الغرق في اليابسة .
عاد من القبو , يمشي وتمشي معه السنوات كانت عيناه تسترق الضوء حين يغادر , تتفادى المارة العابرين على غير هدى , كانت ترغب أن يراها أحد , أن يرافقها بعض ظلها المخنوق , وبعد ساعات من المشي توقفت مليا تمعن وتحدق بالمنعطفات باحثة عن مخرج للعودة , لكنها تتوه مختلطة بوجوه أخرى لا يعرفها ولا نعرف عنها سوى أنها تشبهنا في الشكل , تصوغ هوية للعنف ,للحرب .. للموت .

قد يعجبك ايضا