قالت العرب قديماً:”ما حكّ جلدك مثل ظفرك “، وهذا القول في حقيقة الأمر يعبّر عن حاجة الإنسان أو المجتمع أو الدولة إلى معالجة مشكلاتهم بأنفسهم، إذ أنهم في معظم الأحيان يكونون الأقدر على فعل ذلك، بدلاً من الاستعانة بالآخرين، بغض النظر عن حجم قربهم أو بعدهم منهم.
في “إسرائيل” التي تهشّمت الكثير من أظفارها في السنوات الأخيرة نتيجة الكثير من المتغيّرات، وبعد أن سقطت نظرية الردع التي كانت تسمح لها بالانتصار على أعدائها في غضون أيام قليلة، وفي ظل بروز الكثير من التحدّيات التي تُوصف إسرائيلياً بأنها صعبة ومعقّدة وغير مسبوقة، باتت “الدولة ” العبرية تبحث عن أظفار غيرها لتحكّ جلدها الذي لا يحتاج فقط إلى أظفار لتحكّه بها، بل إلى أكثر من ذلك، إذ أن ما مسّه من القرح والأذى والجروح بفعل الضربات التي تلقّتها منذ صباح السابع من أكتوبر من العام المنصرم بحاجة إلى علاج طويل المدى، وقد باتت حسب ما تقول الوقائع عاجزة عن فعل ذلك بنفسها، على الرغم من كل ما تتلقّاه من دعم ومساعدة من معظم قوى محور الشر في العالم.
في مواجهة التحدّيات التي نشأت مع المقاومة في قطاع غزة بعد هجوم السابع من أكتوبر المجيد، احتاجت “إسرائيل” إلى كل أظفار محور الشر في العالم، وعلى رأسه قلب هذا المحور ورأسه الولايات المتحدة الأميركية، التي استنفرت بوارجها العسكرية الضخمة، وجنّدت رئيسها ووزيري خارجيتها ودفاعها اللذين قدما إليها على عجل، واستخدمت كل ما تستطيع من قوّتها السياسية وعلاقاتها الخارجية لمنع سقوط “الدولة ” العبرية، والتي عانت في تلك الساعات الحاسمة حالة من الإرباك وفقدان السيطرة كادت أن تدفعها إلى السقوط والتفكّك.
في الضفة الغربية المحتلة، والتي يتمدّد فيها الاستيطان طولاً وعرضاً، وتدخل إليها وحدات العدو الخاصة صباح مساء من دون أن يمنعها أحد، احتاجت “إسرائيل” إلى أظفار فلسطينية لحك جلدها الذي أصابه الأذى بفعل ضربات قوى المقاومة الشريفة في جنين ونابلس وطولكرم وطوباس، وباقي مدن ومخيمات الضفة المحتلة، وما يحدث في جنين خلال الأيام الأخيرة خير شاهد على ما نقول.
بالطريقة نفسها تقريباً لجأت “إسرائيل ” إلى الأظفار الأميركية لمواجهة جبهات الإسناد التي انطلقت لمساندة غزة، والتي كان من أهمها الجبهة اللبنانية، والتي تحوّلت بعد تفجيرات “البيجر” واغتيال قيادات حزب الله إلى جبهة قتال أساسية، انتهت ولو بشكل مؤقت بوقف إطلاق النار لمدة ستين يوماً، بعد أن ذاقت فيها المستوطنات الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة وصولاً إلى “تل أبيب” الكبرى الأمرّين نتيجة الضربات الصاروخية من لبنان، وهي ما زالت حتى الآن تفشل في استعادة الحياة شبه الطبيعية فيها، على العكس تماماً من قرى الجنوب اللبناني الصامدة والأبيّة، والتي على الرغم من الدمار الهائل الذي لحق بها، وحوّل بعض قراها إلى كومة من الركام، تعمل بكل قوّة لإعادة الحياة إلى طبيعتها، رغم أنف دبابات المحتل التي تحاول التنغيص على الناس هناك.
في لبنان احتاج الكيان العبري إلى أظفار فرنسية وبريطانية وألمانية لحك جلده، بل وإلى أخرى داخلية حاول من خلالها تأليب الداخل اللبناني على المقاومة، وفتح ملفات سبق إغلاقها إلى حدٍّ كبير مثل النزاع الطائفي على سبيل المثال.
على صعيد المواجهة مع الجمهورية الإسلامية في إيران، والتي اتخذت مساراً أكثر وضوحاً بعد “طوفان الأقصى”، لم تحتج “إسرائيل” الأظفار فقط، بل احتاجت الأيادي والأرجل والرؤوس الغربية منها والعربية للدفاع عنها في مواجهة الصواريخ والمسيّرات الإيرانية، والتي دكّت القواعد العسكرية الكبيرة، وبعض الأهداف الأخرى الحسّاسة في تطوّر لافت ومفاجئ، كان الكثيرون يعتقدون باستحالته أو بصعوبته على أقل تقدير.
في مواجهة عمليتي الوعد الصادق الإيرانيتين ظهرت “الدولة” العبرية في أضعف حالاتها، فهي وعلى الرغم من عنجهيّتها وصلفها وجبروتها ضد المدنيين في غزة ولبنان، والذين استخدمت ضدّهم وما زالت أسلحة محرّمة دولياً، بدت في تلك اللحظات الفارقة مثل الوحش المقطّع اليدين، والذي لا يملك من أمره شيئاً، وهو ما تطلّب تدخّلاً “عالمياً” وإقليمياً للدفاع عنها، وحفظ ماء وجهها الذي أُريق أمام الجميع، وهو الأمر الذي لم يلقَ نجاحاً يُذكر، وشاهد كل العالم الصواريخ الإيرانية وهي تضرب في أكثر من موقع حيوي في قلب “إسرائيل العظمى”.
أما في سوريا، التي كانت حصناً مهماً وحيوياً لمحور المقاومة في المنطقة، والتي رفضت كل الإغراءات لقطع علاقتها بفصائل وجماعات المحور المقاوم ودوله في الإقليم، على الرغم من كل ما عانته من عدوان وحرب كونية أكلت فيها الأخضر واليابس، وحوّلتها من دولة لديها اكتفاء ذاتي قلّ نظيره بين الدول العربية البعيدة والقريبة، إلى دولة شبه فاشلة، تعاني من الحرمان والفقر وقلة ذات اليد.
في سوريا، وبعد أن فشلت الأظفار الإسرائيلية والأميركية في إحداث أي تغيير يُذكر على موقف هذه الدولة العزيزة، لجأ العدو إلى أظفار قوات متعدّدة الجنسيات، جاءت من خلف الحدود، وقُدّم لها كل ما تحتاجه من أموال وسلاح ووسائل إعلام لتنفيذ المخطط المعدّ سلفاً، والذي حوّل هذه الدولة التي كانت يوماً ما قوية ومتماسكة، إلى مجرد أشلاء تحوم في سمائها الطائرات الإسرائيلية لتدمّر مطاراتها وقواعدها وأسلحتها النوعية، ولتصل دبابات “الميركافا” إلى مشارف عاصمتها الفيحاء، التي كانت في يوم ما محرّمة على كل الأعداء والمجرمين.
أما في جبهتي اليمن والعراق، واللتين كانتا من أهم جبهات الإسناد للشعب الفلسطيني المظلوم في قطاع غزة، فالبحث الإسرائيلي ما زال مستمراً عن أظفار تدفع عنه بأس هاتين الجبهتين، اللتين على الرغم من بعدهما الجغرافي عن فلسطين المحتلة، فإنهما وبكثير من التحدّي والإصرار ما زالتا تسجلان إنجازات مهمة ولافتة في إطار مواجهة عدوان الاحتلال على القطاع المنكوب، وترفضان رغم الكثير من المغريات والإغراءات وقف مساندتهما لإخوانهم الفلسطينيين، وهما مستعدتان لدفع الثمن الذي يتطلبه هذا الموقف الجريء والأصيل.
في ما يخص الساحة اليمنية تحديداً، والتي تشهد خلال الأسبوعين الأخيرين تصعيداً واضحاً وملموساً ضد قلب “الدولة ” العبرية في “تل أبيب” وضواحيها، وضد منشآت حيوية أخرى في إيلات وغيرها، تبدو “الدولة” العبرية في حيرة من أمرها، وهذا ما تشير إليه الكثير من التقارير الواردة في الصحافة الإسرائيلية، إذ أن تعقيدات المواجهة مع القوات المسلحة اليمنية أكبر من أن يتم تجاوزها بضربة جوية هنا أو هناك كما حدث خلال الأيام الأخيرة، سواء من خلال الطائرات الحربية الصهيونية، أو من خلال الطائرات الأميركية والبريطانية التي تقوم بالعدوان على اليمن منذ أكثر من تسع سنوات.
فالمسافة التي تفصل فلسطين المحتلة عن الأراضي اليمنية، والتي تقترب من الألفي كيلومتر تمثّل عائقاً أساسياً أمام أي عدوان إسرائيلي واسع، إلى جانب الجغرافيا المعقّدة والمترامية الأطراف للأراضي اليمنية، وقلّة المنشآت الاستراتيجية المؤثرة التي يمكن استهدافها هناك، والتي تقلّصت كثيراً خلال فترة العدوان الذي شنّه التحالف الأميركي-السعودي على اليمن، بالإضافة- وهو الأهم- إلى افتقاد أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إلى المعلومات المطلوبة لتوجيه ضربة قاسمة وحاسمة لليمنيين، سواء على صعيد نظام القيادة والسيطرة، أو في ما يخص القدرات الصاروخية التي باتت تمثّل الهاجس الأكبر لأكثر من أربعة مليون مستوطن صهيوني، يضطرّون للركض في منتصف الليل باتجاه الملاجئ، كما تقول الصحافة الإسرائيلية.
في اليمن تبدو الأمور بالنسبة إلى الإسرائيلي أكثر صعوبة من الساحات الأخرى، وهي بحاجة- كما يبدو- إلى جهد أكبر وأشمل وأوسع، وهو يحتاج إلى كثير من الوقت والعمل، وإلى تحالفات إقليمية تكون قادرة على الضغط والتأثير في قرار القيادة اليمنية الحكيمة والشجاعة.
حسب بعض التسريبات التي تُنقل عن المصادر الإسرائيلية والأميركية، فإن الحل الأمثل لمعالجة هذه الأزمة هو من خلال إشعال ساحات القتال اليمنية الداخلية من جديد، واستدعاء كل الأعداء الداخليين والخارجيين لجماعة أنصار الله للبدء في تنفيذ سيناريو قريب جداً مما حدث في سوريا، وهذا الأمر بدا واضحاً في تهديد أحد القادة اليمنيين القاطنين في عاصمة دولة عربية كبيرة مجاورة لليمن، والذي يرغب في العودة إلى الأضواء من جديد بعد أن عرّته غزة كما الكثيرين، ووضعتهم في حجمهم الطبيعي الذي يُظهر عجزهم وتخاذلهم وربما تواطؤهم.
نحن نعتقد أن الساحة اليمنية يمكن أن تشهد بعض التطورات خلال المرحلة القادمة حتى لو تم وقف الحرب على غزة، فما أظهرته هذه الساحة من بأس وقدرة على الفعل، وضعها في مكانة متقدّمة على صعيد قوى المقاومة في الإقليم، وهو ما يعني بالضرورة بذل المزيد من المحاولات من قبل محور الشر لإضعافها ومحاصرتها، ولم لا، تفكيكها وإسقاطها.
على كل حال، ومن خلال متابعتنا لأداء الجبهة اليمنية على مدار الشهور الماضية، وفي ضوء ما استطاعت فرضه من معادلات، فشلت كل التهديدات والاعتداءات الإسرائيلية والأميركية في محاصرة تداعياتها، فإننا نعتقد أن هذه الجبهة لن تكون فريسة سهلة لقوى الشر الداخلية والخارجية، وأنها ستكون بعون الله عصيّة على السقوط أو الانكسار، وأن الأظفار الإسرائيلية ستتكسّر وتتهشّم أمام قوة الموقف اليمني الأصيل وصلابته، وإلى جانبها أظفار الأعداء على خلاف ألوانهم وأسمائهم، ففي اليمن العزيز والشهم رجال أشداء يشهد لهم التاريخ القديم والحديث، وهم قادرون بعنفوانهم وشجاعتهم، وصبرهم وثباتهم على مواجهة وإفشال كل المؤامرات، ودحر كل الأعداء القريبين والبعدين، وكتابة نصر عزيز ومؤزر سيضع اليمن كما كان عبر التاريخ في مكانه الصحيح، مكانة تعبّر عن أصالة هذا الشعب، وحكمة وحيويّة قيادته العزيزة والشريفة.
كاتب في الشأن السياسي والعسكري.
نقلا عن الميادين نت