قراءة في وثيقة صهيونية

طاهر محمد الجنيد

 

يعمل الإعلام وأجهزة الاستخبارات التابعة للدول الاستعمارية من حين لآخر على نشر بعض الوثائق المتعلقة بالصراع بين المسلمين والغرب والمسلمين والدول الاستعمارية بشكل عام. أحيانا يتم تسريب وثائق الاستعمار الشرقي من دول الغرب وأحيانا العكس، وهي محاولات لقياس مدى الوعي لدى المواطن العربي. أما الحكومات والأنظمة فهي جزء من المنظومة التي كونها قبل السيطرة وبعد الاستعمار.

وإذا كان الغرب لا يخفي حقيقة صناعته لتلك الأنظمة فإن هناك من الأنظمة لا يزال لديها بعض التحفظ والخجل بينما أخرى كشفت وجهتها الحقيقية بدون أدنى تحفظ مع أن المسألة بسيطة وسهلة لمعرفة مدى وجود توجهات وطنية لتلك الحكومات من خلال احترامها للوطن وسعيها لتحقيق مصالحه واستقلال قراراته بعيدا عن التبعية والارتهان.

الصحفي اليهودي- اوديد ينون نشر خطة –استراتيجية إسرائيل في الثمانينات 1982م-، قال انه يستند فيها إلى رؤية مؤسس الحركة الصهيونية ورؤية مؤسس الكيان الإسرائيلي وبعض الحاخامات الكبار وهي خطة لا تخرج عن الأهداف التي تعمل عليها الدول الاستعمارية بالتنسيق والتعاون مع الحركة الصهيونية واهم ما تطرقت اليه الآتي: –

٠السعي لإضعاف الدول العربية وتقسيمها لاحقا، والإضعاف سيكون على أساس استغلال التباينات الطائفية والعرقية.

٠الاستيطان في الضفة الغربية وطرد الفلسطينيين منها وضم قطاع غزة.

٠اقامة إسرائيل الكبرى التي تشمل أجزاء من لبنان وسوريا والأردن والعراق ومصر والسعودية.

٠انشاء عدد من الدول الوكيلة لعدم قدرتها على السيطرة بشكل مباشر وإكمال خطط الاستعمار البريطاني.

٠تفتيت الدول العربية إلى دول صغيرة تعتمد في بقائها وشرعيتها على إسرائيل والاستفادة من الاختلافات العرقية والدينية والطائفية.

الخطة حسب تأريخ النشر1982م في مجلة “كيفونيم” العبرية كانت متداولة قبل ذلك في مراكز صنع القرار وتم تأمين الغطاء الإعلامي المرافق لها بإشعال الحرب العراقية -الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات ويقال إنها إحدى ثمار هذه الخطة ورافقتها أيضا الحرب الأفغانية ضد التواجد الروسي وتم اختراع الصراعات داخل الأنظمة العربية بينها وبين الجماعات الإسلامية وغيرها من الأحداث مثل التباينات والاختلافات الحدودية بين المغرب والجزائر ومصر والسودان وليبيا وتشاد وغير ذلك من المشكلات التي عمل عليها الإعلام الصهيوني والمتصهين من اجل حرف الأنظار عن المشكلة الأساسية وهي الصراع مع اليهود والاستيطان .

في حديث للمفكر الإيراني علي شريعتي -رحمه الله- قال: إن الغرب بآلته وإمكانياته المتقدمة سيُهزم على أيدي أناس بسطاء لا يشاهدون القنوات الإخبارية ولا المسلسلات ولا السينما ولا غيرها ، وفي تصريح لأحد جنرالات الجيش الأمريكي عن أسباب رحيل أمريكا من أفغانستان قال: نواجه أناسا لا يشاهدون القنوات الإخبارية ولا السينما ولا غيرها بل متفرغين للقتال وهي أمثلة صحيحة لأن الغرب يستغل كل شيء في خدمة مشاريعه الإجرامية ، وليس هناك إعلام حر أو مستقل بل إعلام يخدم ويروج ويبث الإحباط واليأس والهزيمة في الأخرين من اجل تحقيق النصر بأقل التكاليف.

الاستعمار الصهيوني -وقبله الاستعمار البريطاني الذي مكن لليهود وسلم لهم فلسطين وصولا إلى التوسع والسيطرة وهزيمة الجيوش العربية منفردة ومجتمعة- استعملت فيه الجوانب الإعلامية قبل الآلة العسكرية، ولأن السيطرة على الإعلام العربي للحكومات فقد هزمت الجماهير العربية مرتين، الأولى من الاستبداد والطغيان والقمع والثانية من الاستعمار الذي استغل انعدام الثقة بين الجماهير والأنظمة الحاكمة ليدس السم ويفتك بالعقول ويغرس مفاهيمه مما جعل المواطن العربي كقشة في مهب الرياح العاصفة.

لقد استغل الإعلام الصهيوني والاستعماري الفجوة التي بين الشعوب وبين الأنظمة ليسوق المصطلحات التي يريدها لخدمة مصالحه وأهدافه التي يسعى لتحقيقها ومن ذلك –الشرق الأوسط الجديد-، بمعنى إعادة تشكيل الأنظمة والدول العربية بعد إدماج الكيان الصهيوني ليصبح مهيمناً على بقية الدول العربية بعد تفتيتها، وبحسب ما عبرت عنه خطه “اوديد ينون ” –دويلات صغيرة تعتمد على إسرائيل في بقائها وشرعيتها.

تعتمد الخطة على ما يطلق عليه في السياسة الاستعمارية (الفوضى الخلاقة أو البناءة :استغلال ظروف الفوضى والحروب في كل إقليم من اجل إعادة تشكيل وجه الشرق الأوسط لتحقيق الأهداف الجيو- استراتيجية- للحلفاء) ،ومعنى ذلك استغلال كل الاختلافات لإثارة الفوضى في كل الأقطار كل على حدة ، وكما أشار الجنرال الأمريكي -رالف بيتر- في خطته –حدود الدم-باستغلال الاختلافات الحدودية التي رسمها الاستعمار بين دول الوطن العربي والإسلامي لإثارة الصراعات والحروب والاستثمار فيها لخدمة مشاريعه في زيادة تفتيت المفتت وتجزئة المجزئ حتى لا يبق سوى الكيان الصهيوني مهيمنا ومسيطرا على كل ما حوله من المكونات السياسية.

الاحتلال والاستعمار قبل أن تأتي جيوشه كان قد عمل على التهيئة من خلال البعثات التبشيرية التي أرسلها والانطباع الذي تركه في الوافدين اليه خاصة لدى الذين لا يملكون القدر اللازم من الثقة بالنفس، فتفوقت مظاهر الحضارة المادية، وشكلت نوعاً من الانهزام أمام تلك الإنجازات، ما مكن وسهل للاستعمار أن يسقط الأنظمة ويستأثر بالأوطان كما يريد.

تحدث اوديدينون عن أن العرب لا يطيقون التحليل المعمق للمجتمع اليهودي واعتمادهم على التحليل الديني ولذلك تم إرغام جميع الدول المطبعة على إلغاء جميع الآيات التي تتحدث عن اليهود من المناهج الدراسية ووصل الأمر إلى تحريف تفاسير القران لتناسب المرويات اليهودية وتم دس كثير من الإسرائيليات في التفسير والسُنه وكان المفروض أن تعمل الأنظمة العربية والإسلامية على الدراسة المقارنة للدين الإسلامي مع المقارنة بين الحقوق والآداب والقيم والمبادئ مع نصوص التوراة والإنجيل المحرفة.

الإسلام عقيدة وشريعة ليس منظومة للتعبد فقط لا يرتبط بمجالات الحياة الأخرى، بل هو نظام حياة ينظم الأخلاق والتعاملات وكل شؤون الإنسان ولذلك يريدون إبعاده عن حياة المجتمعات الإسلامية حتى يسهل لهم السيطرة عليها.

قد يعجبك ايضا