يكتبها اليوم / أحمد يحيى الديلمي
“الصهاينة “.. المستفيد الوحيد
المتابع لما جرى ويجري في سوريا الشقيقة لا شك أنه سيتأكد من معلومة هامة مفادها أن دولة الكيان الصهيوني هي المستفيد الوحيد مما حدث، خاصة الأحداث التي أعقبت ما يُسمى بالثورة وفرار رئيس النظام السابق، فلقد تمكن الكيان الصهيوني من تدمير كل مقدرات سوريا العسكرية والبُنية التحتية للكثير من المنشآت المتعلقة بالتصنيع العسكري، قد نكون جميعاً ضد النظام السابق أو معه ورفض بعض تصرفاته لكننا لا ننسى لaهذا النظام أنه ظل صامداً في وجه هذا العدو الصهيوني، وما قاله نتنياهو رئيس وزراء هذا الكيان يؤكد هذه الحقيقة، حيث قال “لقد ظلت سوريا العدو الوحيد لنا ومصدر التهديد على مدى عقود من الزمن”.
الإشكالية لا تكمُن هنا لكن تتضح من خلال تصريحات من قادوا الانقلاب أو ما يُسمى بهيئة تحرير الشام، قالوا بالحرف الواحد بإنهم غير مستعدين لقتال الصهاينة أو الدفاع عن سيادة وكرامة وحياض سوريا، وبذلك خالفوا ما كانوا يطرحونه في الماضي، حيث تركزت أكثر انتقاداتهم على النظام السابق بأنه لم يطلق رصاصة واحدة باتجاه فلسطين المحتلة، وهذا كلام غير معقول لأننا نعرف جميعاً أن سوريا خاضت حرباً مع هذا الكيان ورفضت بشكل قاطع التطبيع مع هذه الدولة الطارئة رغم المغريات التي قُدمت للرئيس الأب حافظ الأسد في اجتماع جنيف مع كولن باول وزير خارجية أمريكا آنذاك، حيث عُرض عليه بأن تصبح سوريا هي الدولة الفاعلة والحامية إن هي تخلت عن مُناصرة الشعب الفلسطيني وبادرت إلى التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، فلم يقبل ورفض كل المغريات التي قدمت له ومنها المادية التي تحدث عنها الكاتب الراحل المرحوم محمد حسنين هيكل، أي أن سوريا كانت تتحين الفرصة للانقضاض على هذا الكيان، إلا أن الغرب بقيادة أمريكا والصهاينة كلهم أجمعوا على ضرورة إسقاط النظام في سوريا لأنه لم ينصع لرغباتهم البائسة، وفوق ذلك حاول الرئيس الابن بشار أن يرفع من شأن سوريا ويُحقق لها مكانة عالية في مجال الإنماء الاقتصادي بالذات في الجانب الزراعي حيث وصل إنتاجها من القمح إلى أكثر من 4ملايين طن في العام الواحد.
أذكر أنني كنت برفقة الشيخ المرحوم عبدالرحمن محمد علي عثمان وكان يومها وزيراً للتموين والتجارة وعندما دخلنا على بشار الأسد سأله حاجته، فقال إننا نعاني من نقص كبير في مادة القمح ولم تنته المقابلة إلا وقد وجه بمنح اليمن مليون طن من القمح وهو قمح فاخر جداً، عرفت فيما بعد أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح باعه بمجرد وصوله إلى الميناء لمصانع البسكويت والمكرونة ولم يدخل منه إلى اليمن سوى مئات الأكياس واستبدله بقمح آخر رخيص الثمن، المهم أن الواقعة تكشف عن النتيجة الكبيرة للمستوى الذي بلغته سوريا في إنتاج القمح إلى جانب الخضروات والفواكه وكل الصناعات التي أغرقت بها أسواق الكثير من الدول الغربية بالذات، وهو ما أفزع تركيا وأردوغان على وجه الخصوص الذي كان يُريد أن تكون تركيا هي الأكبر إنتاجاً والأكثر قدرة على غزو الأسواق الغربية في مجال الملابس والصناعات الخفيفة، لكن سوريا تقدمت وهذا ما جعله يشارك في تلك الجريمة الكُبرى التي تبنتها دول الغرب وأمريكا كما قُلنا وخطط لها الصهاينة ونفذها شُذاذ الآفاق من جماعات الإخوان المسلمين كداعش والنصرة وتحرير الشام وغيرها من المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي تقمصت الإسلام فقط كغطاء يمكنها من تحقيق رغباتها الخبيثة .
واليوم ها هم المسؤولون عن الانقلاب في سوريا يتباهون بالتصريحات التي تؤكد الاستعداد للصداقة مع دولة الكيان الصهيوني والمبادرة إلى التطبيع في أقرب فرصة مقابل أن تقوم أمريكا والغرب برفع العقوبات عن هذه المنظمات المشبوهة، وقد تفعلها أمريكا لأنها سبق أن فعلت الكثير من الأعمال مع المنظمات المشابهة كونها في الأساس هي من دعمت تناسُل هذه الجماعات الإرهابية وتمكنت من تلقينها دروس العداء لكل ما هو إسلامي عربي قويم، وجعلت أهم غاية لهذه الجماعات هي إثارة النعرات الطائفة والمذهبية، وهذا ما أعلنه أحمد الشرع منذ أول لحظة حينما قال لا نستعجل في الإجراءات ونقع في الخطأ الذي وقع فيه إخواننا السنة، أي أن الأمور مُرتبة مُسبقاً وممنهجة والهدف إشعال فتيل العداوة في أقرب وقت بين ما يسمى بالسنة والشيعة، وهذه الغاية تخدم الصهاينة أيضاً وتصب في خدمة المصالح الأمريكية والصهيونية، ليظلوا هم المستفيد الوحيد مما يجري في المنطقة بشكل عام، والحليم تكفيه الإشارة .
نسأل الله السلامة وأن يحفظ الأمة من مكائد الأعداء، إنه على ما يشاء قدير، والله من وراء القصد..