النظر إلى معركة لبنان خارج جبهة المحور الشاملة نظرة قاصرة وإذا استراح طرف لجرح يعالجه فلا يعني ذلك تفكيكا للساحات

لهذا نقول : حزب الله انتصر

 

 

• نتنياهو اعتبر محو حزب الله وتغيير وجه لبنان في الجيب الإسرائيلي وذهب إلى تغيير خارطة الشرق الأوسط .. ولم يحقق هدفا
•” إسرائيل” تعود للموافقة على قرار لم يحمها منذ 20 عاما.. وجيشها عجز عن التقدم حتى للمسافة التي وصلها في حرب 2006
• حزب الله واجه في الجولة الثانية من القرار 1701 الغرب بأكمله وليس إسرائيل وحدها .. ولم يكسر بل أنجز ما لم يفعله في حرب 2006م

الثورة /تقرير/ إبراهيم الوادعي

وقف إطلاق النار في لبنان يدخل حيز التنفيذ بعد شهرين و10 أيام من الحرب الشاملة التي شنها العدو الإسرائيلي على لبنان والمقاومة الإسلامية في لبنان والشعب اللبناني.
انتصار جديد يحسب لحزب الله وليس عليه، فكيف ذلك؟ يمكن فهمه بالعودة إلى تسلسل الأحداث منذ الـ 16 من سبتمبر يوم قررت حكومة العدو الإسرائيلي نقل ثقلها العسكري إلى الشمال.
وهنا بالمناسبة ذكر نتنياهو في خطاب المواقف الذي القاه في الكنيست بأن فتح العدوان على لبنان كان مقررا في أكتوبر، بالتزامن مع الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، لكن الحكومة الإسرائيلية اضطرت إلى التبكير بموعد العدوان بعد أن كان حزب الله قد توصل إلى أمور تكشف ما أعدت له منذ سنوات، وربما هذا هو الأمر الذي دفع العدو إلى تغيير تسلسل الخطوات، فلو أن مجزرة البيجر وأجهزة اللا سلكي وقعت عقب اغتيال السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، لأن الوضع أعقد بكثير، ولكان من الصعب امتصاص الضربتين في وضع كالذي عاشه الحزب عقب اغتيال السيد نصر الله وكبار القادة .
ولكن تسلسل الأحداث الطريقة التي وقعت ساهم في قدرة المقاومة على امتصاص الضربتين ويمكننا أن نعد ذلك من الألطاف الإلهية.
بالعودة إلى يوم الـ 16 من سبتمبر الماضي يوم قررت الحكومة الإسرائيلية نقل المعركة من غزة إلى الشمال واتخذت قرارها بعودة المستوطنين إلى المغتصبات الشمالية في غضون 3 أسابيع.
ذهبت الحكومة الإسرائيلية إلى الحرب مطمئنة إلى أن ما جمعته على مدى عقدين من معلومات وبالتعاون مع أجهزة استخبارات غربية وعربية للأسف وما أعدته من اختراقات تكنولوجية واستخباراتية، تكامل في إحضارها صهاينة الغرب والعرب، وكفيلة بآثارها أن تهز استقرار دولة فكيف بفصيل لبناني مقاوم ليس دولة وليس جيشا بالمعنى الكبير والتقليدي.
في أربع ثوان فقد الحزب 3000 عنصر من أفراده بتفجيرات البيجر ظهيرة الـ17 من سبتمبر، مجزرة مرعبة للمرة الأولى تظهر فيها التكنولوجيا قاتلا مباشرا، وفي اليوم التالي استكملت إسرائيل مفاجآتها القاسية بتفجير أجهزة النداء اللاسلكي.
وخلال 10 أيام كانت ” إسرائيل ” قد اغتالت قيادات الصف الأول وعلى رأسهم القائد الأعلى للمقاومة وخليفته، وعلى الأرض كان المقاوم يرى ليس بعيدا 70 ألف جندي إسرائيلي يحتشدون، موقف لا يصمد فيه إلا الصادقون وسادة المجاهدين، كما وصفهم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، سلام الله عليه.
وأمام معطيات راسخة وتقديرات بأن حزب الله ينتظر القوات الإسرائيلية لتنفذ عملية الذبح، بعد أن صار بلا قيادة، وبلا منظومة قيادة وسيطرة والتي اتخذ السيد هاشم صفي الدين قرارا بعدم استعمالها لكونها مخروقة، وسط كل هذا الدفق من المعطيات التي تؤكد وهن الحزب نتيجة تلك الضربات القاتلة والمتلاحقة والتي لم تترك فرصة له ليستريح، اطلق رئيس حكومة العدو العملية البرية مطمئنا إلى أن حزب الله والمقاومة تنتظر فقط اليد الإسرائيلية لتنجز عملية الذبح، ومعتقدا بأن مدرعات لا يفصلها عن بيروت سوى مسافة الطريق وبعض الشراك والمقاومات المنفردة والمعزولة في الطريق والتي لا تؤخر رتلا ولا تعطله عن مهامه .
اتخذ نتنياهو القرار وهو يجزم أن لبنان بات في الجعبة الإسرائيلية ويرى دباباته تطرق أبواب بيروت حقيقة تنتظر فقط مسافة الوصول، وذهب مزهوا إلى الإعلان بأن أهدافه باتت تتجاوز محو حزب الله وتغيير وجه لبنان إلى تغيير هوية الشرق الأوسط، وانساقت معه في ذلك أطراف لبنانية شرعت في التعامل مع مرحلة ما بعد حزب الله، ولذا رأينا أهدافه العالية، ففي الخطاب عشية الحرب البرية، بدأت العملية البرية الإسرائيلية مطلع أكتوبر وسط زهو من كافة قادة جيش العدو الإسرائيلي، الذين استعادوا تحريفا عبارة ” إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت ” باعتبار ذلك ثأرا يجب النيل من قائلها ” السيد حسن نصر الله عقب الانتصار في مايو 2000م، ومن المكان الذي قيلت فيه ” بلدة بنت جبيل “، وبعد ما يقرب من شهرين تعثر الهجوم الإسرائيلي عند تخوم القرى اللبنانية على بعد عن الحدود عشرات الأمتار ..
وللمرة الثانية خسر لواء جولاني وهو من ألوية النخبة الإسرائيلية جنودا وضباطا وهو يحاول دخول بنت جبيل والوصول إلى المنبر الذي خطب منه السيد نصر الله بملعب المدينة.
وخلال 55 يوما من القتال الضاري والقصف الجوي أظهر حزب الله انه يتعافى بشكل سريع، وأخذت العمليات في العمق تتطور بشكل مثير، كما تتكامل العمليات على الأرض بشكل يعيد إلى الأذهان قتال حزب الله الذي عرفه العدو وخبر بأسه وشدته .
شكل الأحد الماضي ذروة العمليات، حيث نفذ حزب الله 51 عملية، وقصف مناطق تل أبيب بشكل كثيف، ناهيك عن العمليات النوعية وعلى رأسها قصف مقري إقامة رئيس حكومة العدو وقائد سلاح الجو والذي أصيب في الهجوم وتتكتم عن وضعه سلطات العدو، كما دفع لواء جولاني نخبة الجيش الإسرائيلي أثمانا باهظة في الحرب مع لبنان .
أخذ الداخل الإسرائيلي في التململ وهو يرى أن واقع الحياة يجري تعطيله بشكل كامل في الشمال وفي مناطق الوسط، ووضع نحو 4 ملايين مستوطن رهن الملاجئ والبقاء بقرب الأماكن المحصنة وما يعنيه ذلك من تعطيل ما تبقى من النشاط الاقتصادي .
برغم الحرب كان حزب الله يستعيد سيطرته ومنظومة القيادة بمفهومها البشري والتقني، ومعها استعاد معادلة الردع التي خفضها لأجل غزة في الثامن من أكتوبر 2023م، حين اتخذ قرار الاسناد، ونشر صورة مرفقة بالقصف “بيروت يقابلها تل أبيب”، ووضع شمال ووسط فلسطين تحت التعطيل الكامل واستهدف عشرات الشركات العسكرية والاقتصادية المرتبطة بجيش الكيان الصهيوني، وهو نفذ على طول معركة الإسناد أكثر من 4800 عملية عسكرية.
وأمام معطى تعثر الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان أمام خطين دفاعيين فقط من 300 خط أعدتهما المقاومة، اتخذ الأمريكيون رعاة الكيان قرار وقف القتال وفرضوه على القيادة الإسرائيلية التي حاولت الاستمرار انطلاقا من اعتبارات ثأرية وشخصية لدى نتنياهو، وترفض أن تفيق من صدمة أن عملياتها الأمنية والاستخبارية على مدى 20 عاما وبالتعاون مع حلفائها لم تكسر حزب الله، كما كان متوقعا ..
لم يكن مطلوبا في هذه الجولة من القتال من حزب الله أن يحرر فلسطين في هذه الجولة ولا أن يوضع بمقارنة مع قدرات الجيش الإسرائيلي، يبقى حركة مقاومة، ولم يطلق هذا الهدف عنوانا لهذه الجولة، فيما الطرف الآخر أطلق أهدافاً كبرى لم يستطع تحقيقها، وهنا يتم القياس، وعودة النازحين إلى قراهم وهم يحملون مشاعر النصر فيما على الضفة الأخرى يرفض المستوطنون ويهاجمون حكومتهم، مقياس آخر ملموس.
لو أن إسرائيل تمكنت من حزب الله لرأينا دباباتها في الضاحية، فمن يتنازل عن صورة نصر ساحق كهذا، وربما تصل إلى أطراف دمشق، فهي ترى في كسر حزب الله مدخلا أساسيا لتغيير هوية الشرق الأوسط ليس منذ اليوم ولكن منذ 2006م وتلك رؤية أمريكية أعلنتها وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبقة كونداليزا رايس.
•انتصار مر
كما وصف ذلك محمد رعد- رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، فإنه ما من شك انه انتصار لحزب الله فيه طعم من المرارة، حيث فقدت المقاومة ثلة من قادتها العظماء، لكن المقاومات الشريفة والحرة عادة ما تعوض قادتها وتغدو شهادتهم وتضحياتهم وقودا تتعاظم من خلاله، وتلك الحقيقة ما يخشاها المستوطنون وتؤمن بها القيادة الصهيونية من خلال تجربتها في فلسطين وحتى لبنان حين اغتالت السيد عباس الموسوي.
وفي الخلاصات فالنصر في أي معركة يقاس بتحقيق المهاجم أهدافه لا بمواقف المدافع، وحين يفشل المهاجم في إنجازها تذهب النقاط لصالح المدافع .. إنه انتصار بالنقاط ولم يقل حزب الله أو المحور انه وجه الضربة القاضية للمحور الأمريكي وإسرائيل .
•جولة بمواجهة رعاة إسرائيل
وثمة أمر آخر، لقد خاض حزب الله الحرب بمواجهة أمريكا والمحور الغربي بأكمله وليس ضد إسرائيل وحدها، ومع ذلك كسر الهجوم وبقي قويا وإن مسه بعض الجراح سيتعافى منها، فضربة لا تكسرك تقويك حتما.
ولو إسرائيل انتصرت لما قبلت بالقرار 1701 وهو لم يمنحها الأمن منذ عشرين عاما فكيف اليوم، إنها جولة ثانية من القتال عجزت فيها إسرائيل وأمريكا عن سحق حزب الله ، وفي ضوء العبر التي استقاها الحزب من الجولتين، فالجولة الآتية ستكون حاسمة وبحضور أقوى للمولود الفتي في المنطقة محور الجهاد والمقاومة الذي أنكى في الإسرائيليين بما لم يقع بهم طوال 76 عاما، لقد دخلنا حرب التحرير قسرا ولن يطول الأمر بالمشروع الصهيوني في المنطقة المرتبط حصرا بالهيمنة الأمريكية في المنطقة وهي الأخرى تتضعضع.
وأختم بمشاهد النصر التي صورها السيد القائد وهو القائد العسكري المحنك : المعيار للانتصار في لبنان يتجلى في إفشال أهداف العدو ونكاية العدو إثر عمليات حزب الله والفشل المتكرر في ميدان المواجهة البرية.
ولو نجح العدو الإسرائيلي في عدوانه على لبنان، فلن تكون المأساة على لبنان، بل سيوظف ذلك على مستوى المنطقة بكلها.

قد يعجبك ايضا