تحقيق/ اسماء البزاز -زهور السعيدي –
رئيس مخترعي أمانة العاصمة: المبدعون لا يلقون أي اهتمام على المستوى المحلي
د/ السبع: نحتاج إلى ستراتحيية وطنية لاستقطاب العلماء والباحثين المتميزين في الساحة
هل كان بمقدور نسيم حميد كشميم ان يصبح اميراٍ ونجماٍ عالمياٍ يشار إليه بالبنان في رياضة الملاكمة ويخطف انظار جميع المحبين والمهتمين بشؤون لعبة الفن النبيل على مستوى العالم لفترة طويلة من الزمن إذا ما عاش في وطنه الأم وترعرع في ربوع منطقته ملاح في محافظة البيضاء¿! وهل كان بإمكانه ان يكون بطلاٍ عالمياٍ شهيراٍ لو لم تجبره ظروف الحياة على العيش في المهجر على الارض البريطانية¿ وهل كان ابوبكر سالم بالفقيه وأحمد فتحي وأروى وعبد الرب إدريس وغيرهم من نجوم الغناء اليمني أن يصبحوا من أشهر وأبرز المطربين في العالم العربي لو لم يفضلوا الهجرة والرحيل بعيداٍ عن الوطن¿ وهل كان المخترع اليمني العالمي خالد نشوان الذي بات من أهم المخترعين في العصر الحديث ليحقق كل هذه النجاحات العلمية إذا لم يسلك سبيل الهجرة والاغتراب¿
هذه نماذج فقط لقامات يمنية دفعتها ظروف معينة إلى مغادرة البلاد لتحقق نجاحات غير مسبوقة في مختلف مجالات الحياة وهناك الكثير والكثير ممن لايزالون إلى يومنا يتسربون واحداٍ تلو الآخر للإلتحاق بسرب «الطيور المهاجرة» والاتجاه صوب البلاد الغربية التي تتيح لهم تحقيق الانجازات الانسانية العظيمة.. تاركين وراءهم تساؤلات قديمة متجددة عبر العصور عن الأسباب الحقيقية التي تقف خلف نجاح العقول الوطنية المهاجرة وعن سر بقاء البيئة المحلية الطاردة لكل مبدع وموهوب.
«الثورة» حاولت الخوض في غمار هذه القضية الهامة التي يترتب عليها حاضر ومستقبل الأمة اليمنية والعربية شكل عام وذلك من خلال الإلتقاء بعدد من اولئك الموهوبين سواء كان في الداخل أو في بلدان المهجر وكذا أخذ آراء بعض المهتمين والأكاديميين من ذوي الاختصاص.
ثقافة قاصرة
هناك إجماع شبه كامل بأن اليمن ليست وحدها من تتفرد بالبيئة الطاردة للعقول والابداعات فهذه البلاد كما يقول مهتمون واحدة من بلدان المنطقة العربية ودول العالم الثالث التي عرفت عبر التاريخ المعاصر بعدم توفر الاجواء الملائمة للابداع والتميز وذلك لأسباب سياسية واجتماعية عديدة وجميع هذه الدول كثيراٍ مايبرع أبناؤها المهاجرون إلى بلدان اوروبا وامريكا في جميع المجالات ابتداء بالالعاب الرياضية ومروراٍ بالعلوم الانسانية المختلفة ووصولاٍ إلى الاختراعات والابتكارات العلمية المذهلة..والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة.
ويضيفون أن هناك ثقافة مجتمعية قاصرة إزاء المبدعين والموهوبين في شى المجالات وهذه الثقافة منتشرة بشكل مخيف ابتداء من الاسرة والمدرسة وانتهاء بأجهزة ومرافق الدولة المختصة وبسبب هذا الواقع اصبحت البيئة المحلية لاتمتلك أية مقومات لشجيع المواهب بل ويصبح أصحاب تلك الابداعات النوعية وكأنهم غرباء وسط اهاليهم ومجتمعاتهم فيضطرون للبحث عن فضاءات اخرى قادرة على استيعاب افكارهم وطموحاتهم وغالباٍ ماتكون الوجهة إلى دول الغرب حيث يدرك ناسها هناك الاهمية الكبرى لدعم وتشجيع هذه العقول وإتاحة كافة الامكانيات اللازمة للانطلاق بتلك الابداعات وتحويلها من مجرد أفكار وتطلعات إلى انجازات واقعية من شأنها أن تهدي البشرية الجديد والمفيد في كل مجالات الحياة.. وبالتالي العودة بعصارة ذلك الابداع في شكل انجاز علمي إلى البلد الأم الذي أنجب ذلك العبقري ولم يدرك أهميته وعجز عن توفير الامكانيات اللازمة لصقل موهبته قبل ان يغادر الى بلد الاغتراب.
التشجيع المفقود
ولعل اول ما يواجهه المبدع والموهوب سواء في المجالات الفنية أو الادبية أو العلمية غياب التشجيع وعدم توفر الاجواء المناسبة لصقل مهارته وإبداعاته ويقول عبد الكريم العداني وهو موسيقار يمني صاعد يقيم بدولة الكويت الشقيقة أن اليمن لا تتوفر فيها البيئة المشجعة والمحفزة لإيقاظ روح العطاء والابداع في داخل ذلك المبدع فيضطر إلى الاغتراب بحثاٍ عن الانطلاق وترجمة مواهبه الى انجازات على الواقع ويسرد الفنان العداني تجربتة الشخصية بالقول بأن غربته في الكويت جاءت انطلاقاٍ من حرصه على البحث عن بيئة ملائمة ومناسبة وهو ما تحقق بعد فترة وجيزة من الاغتراب حيث ان ألبوماته الانشادية سرعان ما انتشرت وذاع صيتها وأصبحت تتصدر عددا من القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية ولو توفر ذلك داخل الوطن لما فكرت في الهجرة والاغتراب.
ابتكارات علمية بعقول يمنية
> هؤلاء هم عباقرة اليمن وهذا هو فارس المخترعين خالد نشوان أول طبيب تمكن من اختراع جهاز لتوسيع الشرايين المتصلبة دون إجراء عملية أو تدخل جراحي من خلال إصدار موجات فوق صوتية … هذا هو المغترب اليمني المقيم في دولة المجر بودابست إذ كانت محطة لإنطلاقة ابتكاراته واختراعاته العلمية وقد حصل جراء هذا الإبتكار على براءة اختراع ويحمل جهازه حماية الملكة الفكرية الدولية ومن خلاله أيضاٍ حصل على عشرين جائزة دولية كبرى.
وبهذا الإختراع الفذ فإن نشوان يعتبر الأول والوحيد في الشرق الأوسط من أطلق عليه حينها فارس المخترعين الدوليين وأول من حصل على ميدالية ماريا كوري العلمية الدولية فيه شرف اليمن والعرب قاطبة.
وبهذا الصدد يقول المخترع عمرو العزعزي: هكذا نحن المخترعين في بلادنا مهضومين جداٍ لايمكننا أن نفكر أو نحلم فالواقع يبدد كل ذلك وإلا كم هي تلك الاكتشافات العلمية والأفكار المبتكره لإنشاء مشاريع تنموية عديدة ولكننا ننصدم بعدم وجود آليتها التنفيذية ومواردها التركيبية المعدومة ولايكون أمامنا بعد ذلك سوى حلين إما التوقف عن الإبداع أو البحث عن موطن آخر يدعمنا!!
سبق علمي متميز
المخترع العربي اليمني الكبير محمد بن اسماعيل الأكوع الحاصل على ميدالية المعرض الذهبية في المعرض العالمي السادس للاختراع والتجديد والذي أقيم في الدار البيضاء بعد ابتكار 31 اختراعاٍ خاصاٍ بالسيارات وجد صيته الاختراعي في دول المهجر كغيره من عمالقة الاختراع والابتكار اليمني العالمي.
وأما الطالب اليمني المهندس محمد الأرحبي- طالب قسم كمبيوتر وبرمجيات إحدى الجامعات الصينية مبتكر أول قاموس الكتروني صيني – عربي فقد صرح في حديث له:
بالطبع نحن نحتاج إلى الدعم والمساندة من مختلف الجهات والمؤسسات سواءٍ الحكومية أو الخاصة فهذه الاختراعات والابتكارات مكلفة وتحتاج إلى ميزانية كبيرة من أجل تكوين فريق عمل من أجل إدارة القاموس وتطويره مستقبلاٍ بما يخدم وطننا الذي هو في أشد الحاجة إلى ابتكارات واختراعات أبنائه في مختلف دول المهجر.
الترويج الإعلامي
المخترع والباحث الأديب سامح محمد الوظاف – رئيس لجنة مخترعي أمانة العاصمة وعضو مؤسس باتحاد المخترعين اليمنيين وصاحب أحدث اختراع «منظومة السلامة» التي يمكنها أن توفر لليمن ما نسبته 02ملياراٍ من تلك الخسائر الفادحة التي تتكبدها الحوادث المرورية وغيرها من المحركات والمولدات والبرامج الاستثمارية التي تم ابتكارها ولكنها وللأسف لم تلق الصدى الملحوظ محلياٍ.
ليقول لنا الوظاف: كثيرة هي تلك العقول اليمنية المبتكرة والمخترعة والأديبة ولكنها وللأسف بعد أن اجتهدت وثابرت وابتكرت مختلف الاختراعات هنا في اليمن لم يتطرق إليها أحد ويقدم لها يد العون والمساندة والدعم فما إن لبثت للهجرة والاغتراب وعرضت في دول المهجر اختراعاتها وابتكاراتها توجت بعظيم ماصنعت وأصبحت البنان تشير إليها بكل فخر واعتزاز وتشكلت أمامها بيئة خصبة للإبداع والإنتاج والتشجيع والحماس وشرفت اليمن في مختلف المحافل العربية والدولية.
وأوضح الوظاف: المشكلة أن العقول النيرة والمبتكرة في بلادنا تفتقد إلى روح التشجيع من المجتمع والدولة ككل وللأسف فإن المسؤولين الكبار والمعنيين بهذا الجانب «بدلاٍ من كونهم محلاٍ لدعم وتنمية هذه العقول يكونون سبباٍ في اندثارها وموتها أو رحيلها إلى موطن آخر من خلال إحباطهم وصدمهم بعدم توفير الإمكانيات أو زيادة تكلفتها وعدم الإهتمام الجاد بإنتاجاتهم الفكرية والعلمية مما يصاب المبتكر أو المخترع باليأس من واقعه ومجتمعه.
وأضاف الوظاف: وإن كانت تلك العقول قد فقدت ذلك الدعم المادي والمعنوي ممن حولها فأين هو دور وسائل الاعلام بمختلف أنواعها وتفرعاتها في تسليط الضوء عليها ومناقشة أفكارها ومشاريعها التنموية ومن ثم الترويج لها داخلياٍ وخارجياٍ وأنوه بضرورة إنشاء محطة أو قناة تلفزيونية تعنى بهذا الجانب وتحتضن في طيها مختلف الابتكارات والإبداعات لاتهميشها كما هو حاصل اليوم.
هل تنتهي هجرة العقول
حول هجرة العقول اليمنية المستمر توضح الدكتور والكاتبة – سعاد سالم السبع الاكاديمية بجامعة صنعاء إنه من المؤسف والمحزن حقاٍ إن العناصر المؤهلة والنشطة والعقول النيرة والمبدعة من مختلف التخصصات هي التي تغارد الوطن بعد أن أعدت لتنميته وكثير منهم لايزالون أيضاٍ في الوطن يبحثون عن فرص قريبة للهجرة حتى المتخرجين الجدد لم تعد لديهم تلك الفرحة بالعودة إلى الوطن فكلهم يفكرون بالهجرة ويتحينون الفرصة والأسباب للمنادرة.
وأضافت السبع: ومن المؤسف أيضاٍ أن الوطن تكبد تكاليف باهظة لتأهيلهم على أمل أن يتولوا إدارة عجلة التنمية في بلادهم لكن ذلك لم يحدث فبمجرد أن يتولوا مهامهم التي أعدوا من أجلها حتى يبدأوا البحث عن العمل خارج اليمن ومع أهمية تلاقح الخبرات بين البلدان العربية ومع افتخارنا بما يحققه اليمنييون من نجاح في الخارج إلا أننا لسنا في وضع يسمح بتصدير الخبرات والكفاءات فبلادنا أولى بها من غيرها والتي للأسف قد تطول وتترك فراغاٍ تنموياٍ كبيراٍ يتم شغله إما بقدرات أجنبية توازي تكاليفها أكثر ما تعطيه للتنمية في اليمن أو يتم ترقيع أماكنهم ببدائل محلية أقل قدرة من المغادرين!!
الواقع والإحباط
وتورد الدكتورة السبع عدداٍ من العوامل الكثيرة الطاردة للمفكرين والمبدعين والباحثين اليمنيين ومن أبرزها وأهمها الشعور بالإحباط الذي تعاني منه الكوادر اليمنية المؤهلة فهم يعودون إلى اليمن بعد تأهيلهم في الخارج وكلهم طموح ولديهم رغبة قوية في الإبداع وتطبيق ما تعلموه في خدمة وطنهم ثم يصطدمون بعدها بواقع فوضوي عشوائي غير قابل لتطبيق التفكير العلمي ولايعينهم على تحقيق ذلك الطموح لامن حيث الإمكانات ولامن حيث الإدارة ولا من حيث بيئة العمل ولذلك يشعرون بأن بقاءهم في ذلك الوضع معناه تحطيم قدراتهم وضياع أوقاتهم التي يصرفونها في كل شيء إلا العمل العلمي والإبداعي.
وتضيف: ولهذا فهم يفكرون في كيفية الخلاص من الشعور بهذا الإحباط وليس أمامهم إلا الهجرة حلاٍ مناسباٍ لتوفير بيئة مناسبة للتفكير والإبداع والعمل فضلاٍ عن تحقيق الذات وتوفير متطلباتهم المادية ومع هذا فإن المهاجرين يعانون من الغربة فمهما كان العيش رغداٍ خارج الوطن فهو بالنسبة لهم ممزوج بغصة فراق الوطن.
وختمت السبع حديثها: نحن بحاجة إلى استراتيجية وطنية مبنية على تجارب الدول المتقدمة لاستقطاب العلماء والباحثين المتميزين ومهما كلف هذا الاستقطاب من أموال فهو استثمار في محله ومضمونة نتائجه وسيعود على الوطن بملايين الدولارات.