يكتبها اليوم / د.سامي عطا

فوز ترامب وسعادة العقول البائسة ..!

 

يساري أتحفنا بسعادته حين فاز ترامب واعتبرها ديمقراطية بلا رتوش، وأخوانية توقعت فوز “الرفيقة” هارس، لكن يا فرحة ما تمت، فأرسلت تهنئتها إلى ترامب فور إعلان فوزه، ويبدو أن جيل الربيع العبري لا يقرأون، ويصدرون أحكاماً وآراء عاطفية تُبنى تحت وقع الانبهار بالغرب.
في حين إن ديمقراطية أمريكا بحسب المفكر المصري الراحل سمير أمين ” ديمقراطية السقف الواطي ” (انظر كتابه الفيروس الليبرالي)، حيث يقوم الصندوق الانتخابي على تنظيم التنافس على السلطة بين حزبين يمثلان مصالح الأثرياء ولا خيار ثالث، ومن سخريات الفلسفة السياسية الأمريكية أنها تطرح مبدأ التعدد والتنوع في كل شيء، حتى بلغت الإقرار بالجنس البشري الثالث ” شرعت المثلية”، أما بنية نظامها السياسي فإنه ما برح يقوم على منطق الخيارين (إما … أو)، إما جمهوري أو ديمقراطي ولا ثالث لهما.
ويمكن الجزم أن الديمقراطية الأمريكية اليوم بلغت قاعها الأوطى من الواطي، فلقد أضحت ديمقراطية التنافس فيها ظاهري شكلاني، ولا خيار أمام الناخب الأمريكي سوى الاختيار بين متنافسين صهيونيين لا يختلفان في طبائع الشر المتأصلة فيهما إلاّ بدرجة القساوة، أحداهما شديد القساوة والآخر ناعم القساوة.
ومن المؤسف أن العقل السياسي العربي الرسمي بات في معظمه ينتظر حلولاً للمشاكل والأزمات بالنظر إلى ما ستفرزه الانتخابات الأمريكية من نتائج، فهذا العقل رفع أمريكا إلى مصاف إله التغيير المنتظر.
وبعض حسني النية، ظنوا أن الحلول ستأتي مع صعود ترامب، لأنه يرفع شعار أمريكا أولاً، واعتقدوا أن ذلك يعني انكفاء ترامب على معالجة أوضاع أمريكا الداخلية، وهذا قصور في فهم سياسة أمريكا الخارجية الثابتة على أسس وضع مداميكها وزير خارجيتها الراحل هنري كيسنجر، حيث تتلخص في جوهر عبارته الشهيرة الذي يقول فيها ” ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تحل أي مشكلة بالعالم، لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط المشكلة وأن تحرّك هذه الخيوط حسب المصلحة القومية الأمريكية “، كما لخصت جريدة هارفارد كريمسون سياسة كيسنجر الخارجية وأضحت أحد ثوابتها ” تعرف السياسة الخارجية لهنري كيسنجر، قبل كل شيء، بالازدراء المطلق للحياة البشرية والسعي المطلق لتحقيق المصالح الأمريكية”، واضافت ” مقابل كل جريمة من جرائم كيسنجر تمر دون عقاب ومقابل كل جزء من المديح الذي يتلقاه، يتجسد بشكل أكبر الاعتقاد بأن الولايات المتحدة يمكنها أن تفعل ما تشاء مع بقية العالم”.
وعليه يمكن الجزم أن سياسة أمريكا الخارجية لن تتغير لا في عهد ترامب ولا في عهد غيره من الرؤساء الأمريكيين المقبلين، وما يختلف فيه ترامب عن سواه هو أنه يدير سياسة أمريكا الخارجية بعقلية تاجر المزادات مع قدر عالٍ من الابتزاز لكي يحقق من خلالها مصالح أمريكا أولاً.
كيف نفهم عقلية ترامب السياسية؟
– من الضرورة عند قراءة ترامب سياسياً الأخذ بعين الاعتبار منطق تعامله التجاري مع كل القضايا على قاعدة الربح والخسارة.
– أمريكا بالنسبة له شركة تجارية ينبغي أن تحقق أرباحاً، لكي تستمر في الريادة.
– وخوض الحروب الخارجية التي ترهق كاهل الاقتصاد الأمريكي لا ضرورة لها.
– وإذا تطلب من أمريكا أن تحمي حلفاء لها أو تخوض حرباً خارجية لصالحهم، فإنه ينبغي على هؤلاء الحلفاء أن يسهموا في تمويلها.
وعند كل مشكلة تطرأ يطرحها ترامب في بورصة المزادات للمعنيين بها، ومن يدفع أفضل سعر، شريطة أن لا تتعارض مطالبه مع مصالح أمريكا، فإنه حينها يبحث في تفاصيل المطلب ويقوم بتنفيذه بعد أن يحسب حساب الفائدة والخسارة فيه، أى أنه يفكر بعقلية المستثمر المقاول طالما هناك من سيدفع الأتعاب والفائدة.
ومن المؤسف أن العقل السياسي العربي، إلاّ مِن? رحم ربي، بات بائساً، عاطلاً، عاجزاً عن إنتاج الحلول وينتظر أن تأتيه من العم سام.
وهذا العقل البائس أحد تجليات خروج العرب من التاريخ الذي نبه لهذا المآل الدكتور فوزي منصور قبل أكثر من ثلاثة عقود في كتابه المشهور ” خروج العرب من التاريخ “.
وفي هذا الزمن الرديء، لم نعد أمة مستهلكة للسلع وسوقاً استهلاكية للماديات، بل أضحينا أمة مستهلكة حتى للقيم الفكرية والروحية ونستوردها، ونعتقد أنها حلول للأزمات والمشاكل التي تواجهنا، حتى صرنا نستورد قيم الآخر الثقافية، ويتعامل العقل البائس مع كل شيء في الحياة بذهنية الشمبانزي ” التقليد والمحاكاة”.
وعلى الرغم من قتامة وضع العقل السياسي العربي السائد الذي جاء من رحم ثقافة الحياة واللهو اليزيدية، فإن التعويل على العقل السياسي المقاوم الذي برز جلياً اليوم وهو امتداد لثقافة الإمام الحسين بن علي – رضوان الله عليه – وهذا العقل لا يعول إلاّ على الله وعلى إرادة مجاهديه المؤمنين الذين يخوضون معركة كربلائية وبروحية استبسال وشجاعة حسينية لا تقبل الضيم.
ويمكن القول إن الحسين – رضوان الله عليه – حاضراً في معركة اليوم في مأساته، كما أن روح إقدامه وشجاعته حاضرة في أنفاس كل المجاهدين على أرض المعركة.

قد يعجبك ايضا