تقول الأسطورة إن شمشون بن منوح اليهودي، قد أثار غضب ملك الفلسطينيين، نظرا لانتهاكه قانون حظر دخول اليهود إلى غزة، وجرأته في طلب يد دليلة (ابنة غزة المقدسة) للزواج، فأصدر الملك أمرا بالقبض عليه ومعاقبته، وحين كان الجنود يلاحقونه، لم يفكر شمشون سوى في الهرب، محاولا عدم الاشتباك معهم، لكنهم – ذات مرة – أدركوه وحاصروه، إلى جوار صخرة ملساء شاهقة، يستحيل تسلقها، وعندما أحاط به الجنود، لم يجد بدا من المواجهة، لكنه لا يحمل سلاحا، فتلفت حوله بحثا عن عصا أو حجر، يدافع بها عن نفسه، فرأى فك حمار مغروسا في منتصف الصخرة، فقفز إليه وانتزعه بقوة، وبدأ يضرب به الجنود الفلسطينيين، مسقطا في كل ضربة العشرات، ولم تغرب شمس ذلك اليوم، إلا وقد أردى المئات منهم قتلى، بينما فر البقية إلى الملك، حاملين خبر هزيمتهم النكراء، أمام شخص يهودي وضيع أعزل، وصمهم بعار الموت بضربة فك حمار – وليس بسيف أو عصا أو ما شابه – إمعانا في إذلالهم واحتقارهم.
ومرة أخرى يحضر “فك الحمار”، بوصفه مصدر الحياة، والمنقذ للبطل اليهودي شمشون، من الموت المحقق، بعد أن كاد يموت عطشا، حيث جرى الماء متدفقا، من فك الحمار، الذي كان يحمله معه، حتى أنه تفاجأ من هذه المعجزة، التي تعللها الأسطورة اليهودية، بأن نبي الله إبراهيم – عليه السلام – هو من ثبت فك الحمار هذا، في الصخرة الملساء، وهو من باركه، ليبقى طريا وقويا ومعجزا، إلى أن يأتي البطل اليهودي المخلِّص شمشون، ليكون له مصدر قوة ونسغ حياة، وبرهان ساطع على قداسة “بطل وحمار إسرائيل”.
إن تصورات العقلية اليهودية، المسكونة بحلم القوة والهيمنة، المشبعة بوهم الخرافات والأساطير، الغارقة في التحريف والانحراف والإجرام، قد انعكست على سلوكياتها الإفسادية، وخبث نفسيتها الحاقدة، وطبيعة أدوارها التآمرية الانتقامية، لينضم إليها في ذلك المسار المنحرف، طائفة المنافقين ومرضى القلوب، في كل زمان ومكان، لتمثل العلاقة الجدلية بين اليهود والمنافقين، طبيعة الترابط الوثيق والتلازم الحضوري بينهما، كما هو الحال في عصرنا الراهن، حيث برز الدور الإسرائيلي اليهودي الإجرامي، بإسناد ودعم وحماية منافقي العرب، وفي مقدمتهم قائد التطبيع محمد بن سلمان، وصنوه الصهيوني الإماراتي محمد بن زايد، وبقية قطيع التطبيع، والحكام في مصر والأردن والمغرب، الذين سخروا ثرواتهم ومقدراتهم، وإمكاناتهم العسكرية ومجالهم الجوي، لخدمة الكيان الإسرائيلي الغاصب، في عدوانه الإجرامي على قطاع غزة وجنوب لبنان، وحرب الإبادة الجماعية الوحشية الشاملة، بحق المدنيين من النازحين، وتدمير البنية التحتية والمربعات السكنية، وتحويلها إلى كومات ركام، وعمليات الاغتيالات الإجرامية، التي طالت عشرات القادة المجاهدين العظماء، في فصائل ومحور الجهاد والمقاومة.
لم يكن نتنياهو “شمشون العصر”، أقل حمقا وسفها وطيشا، من سلفه الأسطوري، وطالما اعتقد نتنياهو الخلاص اليهودي على يديه، حتى أنه تقمص الدور والشخصية، واستبدل “فك الحمار”، بالصواريخ والقنابل المحرمة دوليا، وبتفجيرات البيجر ووسائل الاتصال المدنية، ليقضي على مئات المدنيين، ويمسح عائلات بأكملها، من السجل المدني، بضغطة زر واحدة، كما اعتمد استراتيجية الأرض المحروقة، لتحقيق مشروع التهجير والحصار والتجويع، كما فعل سلفه، حين أحرق حقول القمح الخاصة بأهالي غزة، ورغم تفوق “شمشون العصر”، على قدوته الأسطوري، بعمليات الاغتيالات الدنيئة الوحشية، إلا أنه لم يحظ بنشوة النصر المؤقت، ولذة إرغام غزة على تزويجه من ابنتها العزيزة “دليلة”، لكن عاما كاملا من الجرائم والهزائم، لم يمنع نتنياهو “شمشون الأحمق”، من الاستمرار في تمثيل دور البطل المنتصر، المزهو بعد كل عملية إبادة جماعية أو اغتيال.
ربما عجز نتنياهو “شمشون الأقرع”، عن استيعاب عاقبة هزيمة سلفه، وانتقام غزة منه، بعد أن قصت أظافره، وسمَّلت عينيه، وسلبته بركة وقوة “فك حمار إسرائيل”، ومنحته دور “حمار طاحونة غزة”، لينعم “حمار غزة” بإجازة مفتوحة، بعد إسناد وظيفته المهينة المرهقة، إلى “حمار إسرائيل الأعمى”، وبذلك غرق البطل اليهودي عاجزا ذليلا، في رمال غزة، يجر ثقل وخزي طاحونتها طوال اليوم، نيابة عن حمارها الوطني، على أمل أن تنمو أظافره ذات يوم، لكي يستعيد قوته وينتقم، وهو ما لن يتحقق لشمشون الأحمق، الغارق في محيطات الهزائم النكراء، من غزة إلى لبنان إلى العراق إلى اليمن إلى إيران، ليس لأنه لم يملك قوة “فك الحمار”، وإنما لأنه لم يستوعب حقيقة التحولات، ورفض قبول هزائمه، واستمر في الهروب إلى الأمام، وإدارة الحرب بحمق وغباء “عقلية الحمار”، بلا أمل في نمو أدنى أظافر، ينتشل بقوتها حضوره الغارق في مستنقع الهزائم، المثقل بعار الجرائم والانتهاكات الفظيعة والإبادة الجماعية، وحتمية النهاية المخزية، كونه لا يملك رأسا صالحة لإنبات أدنى فكرة أو طريقة، يتفادى بها “لعنة غزة”، ومصيره المشؤوم، إذ لم يعد يملك خيار “شمشون الأسطوري”، ولم يعد بإمكانه هدم معبد غزة على رؤوس أعدائه الفلسطينيين وهو معهم، لأن ساحة المعبد قد اتسعت، وأصبحت فوق طاقته، وأكبر من أن يُسقط سقفها حلفاؤه، كما أن الفلسطينيين قد خرجوا من المعبد، ولم يعد جوار “شمشون الأحمق”، مبتور الأظافر مسلوب القوة، غير حلفائه الغربيين وعملائه العرب، ولذلك عليه أن يعي حقيقة موقفه المزري، وحالته الميؤوس منها، إذ لم تعد قائمة خياراته متاحة، وليس أمامه إلا أن يعترف أنه أصبح بين حمارين أحلاهما مرُّ؛ وعليه أن ينوب عنهما معا بالتساوي، بين تداعيات اعتراف “حمار إسرائيل المهزوم” بالسقوط، وما يجب على “حمار غزة” من الاستسلام وإيقاف الحرب والموافقة على شروط حماس والمحور، وفي حال أراد المضي مع الأسطورة إلى النهاية في سياق الانتقام الأحمق، فعليه أن يحفظ عبارة الختام جيدا، في صيغتها الجديدة، وطبيعة الانتقام المختلفة، التي تطال الأصدقاء دون الأعداء، في خيار صفري أكثر بؤسا وفشلا، ليقول:- “عليَّ وعلى حلفائي”، إذ لم يعد بجواره سواهم، ناهيك عن أن معظمهم قد سقطوا اقتصاديا وعسكريا في قبضة الإسناد اليمني، ومثلث السيطرة البحرية سلفا.