تعزز المستجدات والأخبار القادمة من المواجهات الدائرة على الحدود الشمالية لفلسطين من حقيقة مفادها ” أن حزب الله لا يتعافى فقط، بل يستعيد زمام المبادرة”، وبأن الكيان الصهيوني يتكبد الأثمان الباهظة والمؤلمة سواءً من خلال توسع مديات المُسيّرات والصواريخ ونوعياتها، والنتائج في الخسائر البشرية والمادية التي يحصيها الكيان، أو من خلال التكريس المتصاعد لمعادلة التهجير وفقدان قطعان المستوطنين ما تبقى من أمن أو حلم بالعودة في ظل هذه المعطيات.
الأهم في هذه المعارك أنها في بُعدها الميداني باتت مضبوطة من قبل حزب الله برتم حرب استنزاف متدرّجة مدروسة، كان آخر شواهدها الحية الضربة القاسية لمعسكر لواء جولاني في حيفا المحتلة، وفي بعدها التحليلي تهشيم للصورة النمطية التي أراد مراكمتها جيش الاحتلال كثقافة لاستقطاب المزيد من القطعان خلال عقود طويلة من الاحتلال، بكون الأرض الفلسطينية لا تزال ملاذاً آمناً للمشروع الاستيطاني ونزلائه، وبكون الدولة اليهودية المنشودة لا تزال مفتوحة حدودها على التهام المزيد من الأرض العربية.
ووفق الآية الكريمة ” وَلَا تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا “، فإن النزوح وويلات الحرب لم تعد حصراً على الفلسطيني واللبناني – مع فارق الرجاء الإلهي والأحقية في البقاء – إلا أن الألم بات تشاركيا إلى حد كبير، يرافقه مسار النزف في عديد وعتاد الاحتلال في المواجهة البرية، ومعها يزداد نجاح المقاومة الإسلامية في لبنان في تجريع الإسرائيلي من الكأس المُرّة ذاتها، وبإمكانها توسيع دائرة المستوطنات المخلاة، طالما استمرت الحرب، وأبعد من ذلك ستشكل تهديدا كبيرا على “إسرائيل” كوجود طارئ يعجل باجتثاثه من المنطقة.
والشاهد أننا نواجه كياناً وظيفياً وليس دولة، ومجرد فرع أو جزء لا يتجزأ من أصله -القوى الاستعمارية الغربية- التي انجرت إلى هذا الصراع لحظة شعورها بالخطر المحدق الذي ينتظر مولودها غير الشرعي في المنطقة.. على هذا المفهوم نشأت الثقافة القرآنية في اليمن، ونجحت في توصيف الصراع منذ مطلع الألفية الجديدة، واليوم ها هو اليمن يمسك بأحد خيوط المشنقة المرتقبة للفرع وأصوله ويحكم قبضته على الخناق البحري، وقد عطل ميناء إيلات وساهم في تدهور الاقتصاد الإسرائيلي، وهزم الهيمنة الأمريكية في البحار والمحيطات، ولا يزال يبحث في توجيه المزيد من الضربات المؤلمة لإسرائيل.. لدرجة أن وصف مركز غربي ما يفعله اليمن ” تحدياً كبيراً لإسرائيل والقوى الغربية، بعد أن نجحت قواته في فرض إرادتها على الساحة الدولية”، وما لم تأخذ دوائر القرار في الغرب نصائح هذا المركز الداعية إلى الضغط على إسرائيل لإنهاء العدوان على غزة، كشرط لتخفيف التهديد الذي تشكله صنعاء على الملاحة الدولية، فإن المعركة مستمرة، وهي معركة مختلفة بمفاعيلها البشرية والمنهجية والمادية، لا تقارنوها بمسارات الصراع السابقة البائسة، اخرجوا من دوامة اليأس وكونوا مطمئنين.