بدأ جيش الاحتلال في حربه الشعواء ضد سكان قطاع غزة منذ عام تقريبًا، وخلال هذه الفترة، شهدت الحرب جولات مختلفة تسببت في أضرار داخل أراضي الاحتلال إلى جانب الأراضي الفلسطينية، وفي حين تركز غالبية البيانات على الأضرار المدنية أو البشرية، فإن قطاع التقنية في إسرائيل تكبد خسائر أكثر مما يبدو للوهلة الأولى.
وتنوعت هذه الخسائر بين خسائر بشرية لمؤسسي الشركات التقنية الرائدة الإسرائيلية وحتى صفقات ومكاتب شركات عالمية أغلقت أبوابها، وأخيرًا كاد أن يتسبب هجوم إيران الأخير في تدمير مصانع السيليكون لدى الكيان الصهيوني، فهل تقضي هذه الحرب على حلم «سيليكون فالي الإسرائيلية»؟.
المشروع الأكبر للاحتلال منذ عام 1967م
في يونيو 2020م، خرجت بلدية القدس التابعة للاحتلال الإسرائيلي بمشروع جديد سمته «وادي السيليكون» أسوة بمثيله في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو المشروع الذي وصفته البلدية بأنه الأضخم من نوعه للاحتلال.
ويجسد هذا المشروع إحدى الخطط غير المعلنة التي تحاول حكومة الاحتلال دعمها وتنفيذها على أراضي بيت المقدس، وهي بناء مدينة تقنية تجذب كبرى الشركات العالمية للاستثمار فيها وبناء المصانع ومكاتب المنطقة فيها مباشرةً، وهذا للاستفادة من الموقع المميز لدولة الاحتلال الذي يربط بين جميع الطرق الاقتصادية في العالم.
لا يمكن القول إن هذه المساعي قد باءت بالفشل، إذ يمتلك الكيان الصهيوني بمفرده عددًا ضخمًا من الشركات التقنية الناشئة في مختلف القطاعات، بدءًا من الأمن السيبراني والاختراقات وحتى شركات الخرائط والتحليلات فضلًا عن شركات الذكاء الاصطناعي.
ويقدر بأن الشركات التقنية لدى الكيان المغتصب قد تمكنت من جمع مليارات الدولارات في الأعوام الماضية فضلًا عن هذا العام، وذلك دون النظر إلى الشركات التقنية التي تملك مكاتب في الكيان المغتصب مثل «غوغل» و»أمازون» و»مايكروسوفت» و»إنتل»، فضلًا عن مجموعة كبيرة من المصانع الموجودة في الأراضي المحتلة مثل مصنع «إنتل» ومصنع «سامسونغ».
وتقدم هذه المصانع والشركات بيئة نمو مثالية للشركات الإسرائيلية التقنية الناشئة إلى جانب تدريب الكوادر في القطاعات التقنية المختلفة، مما يتيح لهم لاحقًا تأسيس شركات ناجحة مستقبلًا.
خسائر بشرية جمة
تسببت الحرب على غزة في وفاة الكثير من رواد الأعمال التقنيين الإسرائيليين، سواءً كان عبر الهجمات المباشرة من حماس أو عبر الاستدعاء للعمل في جيش الاحتلال، ومن ضمنهم كان أفيناتان أور الذي كان يبلغ من العمر 30 ربيعًا وكان يعمل في «إنفيديا»، وذلك إلى جانب دانييل والدمان التي تعد ابنة شريك «إنفيديا» الأكبر في إسرائيل.
وتستمر القائمة لتضم آدم بسموت مؤسس شركة «سايت بت» (Sight bit) التي تعمل على تسهيل دور خفر السواحل لإنقاذ الغرقى والتنبؤ بالطوفان وإيتمار بن حمو المسؤول عن تطوير شركة “ريفيري” (Rivery) للخدمات السحابية وجوزيف “سيفي” جينيس مؤسس شركة “فاير فلاي” (Fire Fly) التي تعمل في إدارة الأصول السحابية للشركات والتي تقدر قيمتها بأكثر من 23 مليون دولار.
وتؤثر هذه الخسائر بشكل مباشر على اقتصاد الكيان الإسرائيلي الذي أصبح يعتمد في السنوات الماضية على الشركات التقنية بشكل كبير، إذ شكلت الشركات التقنية أكثر من 20 % من إجمالي الناتج المحلي للكيان في عام 2023م وشكلت 48 % من إجمالي الصادرات الصهيونية في عام 2022م مع وجود أكثر من 400 ألف موظف عامل فيه وأكثر من 850 شركة استثمارية تعمل في القطاع التقني الإسرائيلي قبل بداية الحرب على غزة وفق تقرير “المركز العربي في واشنطن”.
خسائر تقدر بالمليارات دون انفجارات
نقل موقع “ميدل إيست مونيتور” (Middle East Monitor) تقريرًا حول شركات الكيان الصهيوني التي أغلقت أبوابها في عام الحرب على غزة، وبحسب التقرير، فقد أغلقت أكثر من 40 ألف شركة أبوابها، مع كون غالبيتها شركات إسرائيلية صغيرة، وأشار التقرير أيضًا إلى أكثر القطاعات تضررًا بعمليات الإغلاق كان قطاع الإنشاءات يليه القطاع التقني.
لم تقتصر خسائر القطاع التقني في الكيان المغتصب على الشركات التي أغلقت أبوابها فقط وتسببت في تشرد مئات الآلاف، بل امتدت إلى الشركات العالمية التي تركت مكاتبها في إسرائيل، وربما كان أبرزها “غوغل” فضلا عن “علي بابا” و”إلكترونيك آرتس” لتطوير الألعاب (Electronic Arts) و”دروب بوكس” (Drop Box) و”فورد”.
كما خسرت شركة “ويز” (Wiz) للأمن السيبراني الإسرائيلية استثمارًا كبيرًا من “غوغل”، ورغم أن الشركة قدمت العديد من الأسباب لرفض هذا الاستثمار، فإن أحد الأسباب غير المعلن عنها كان عدم استقرار المنطقة والحرب على غزة، وهو ما يشير له تقرير الصحيفة الإسرائيلية الذي أشار إلى انخفاض الاستثمارات عقب حرب غزة.
ومن الجدير بالذكر أن قذائف حماس قد وصلت إلى منطقة حرزاليا التي تعد مركزًا للاستثمارات التقنية الإسرائيلية والتي تضم مجموعة من كبرى المصانع التقنية فضلًا عن كونها قريبة من تل أبيب، إذ تبعد عنها مسافة 10 كيلومترات فقط.
هل تؤثر هذه الخسائر في مسار الحرب؟
يمتلك الكيان ا لصهيوني دعمًا ماليًا كبيرًا من مختلف الشركات حول العالم، كما أنه يتمتع بدعم عيني متمثل في الأسلحة وغيرها من المواد التي تصل إليه، لذا يمكنه تحمل الحرب لفترة طويلة من الناحية العسكرية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد ملاحظة كل هذه الخسائر الاقتصادية، هل يمكن أن يتحمل اقتصاد الكيان المغتصب كل هذه الخسائر المتمثلة في مليارات الدولارات؟ وإن كان الدعم الوارد إلى “تل أبيب” موجهًا بأكمله للجيش، فكيف يمكن للاقتصاد الداخلي أن يستمر دون وجوده؟