فشلت المؤامرة.. الطوفان مستمر..!

طه العامري..

 

 

يتميز الصهاينة وخاصة أولئك الذين يقتدون بكبيرهم (هرتزل) الذي جمعهم مستغلا أموال (روتشيلد) وأسس لهم (الوكالة اليهودية، والصندوق اليهودي) والذي يكرس فكرة أن (القوة فوق الحق)، أقول يتميز هؤلاء بميزتي الكذب والخداع، ميزتان هما عند الصهاينة مثل الماء والهواء، وهذا ما يمكن استنتاجه من مواقف القادة الصهاينة وخاصة خلال عام الطوفان.
لكن قبل المضي في تناول المواقف الصهيونية، علينا التوقف أمام (معركة طوفان الأقصى) التي من الغباء النظر إليها كحدث عابر أو مفعل مقاوم، فرضته تداعيات الأحداث والظروف القاهرة التي يعيشها الشعب العربي في فلسطين، بل هي أكبر من هذا الفهم وأبعد في تبعاتها وأهدافها الاستراتيجية، وهي معركة فاصلة بين ما كان وما هو كائن وما سيكون، وهي معركة لها ما بعدها ولن تكون المنطقة بكل تداعياتها بعد الطوفان كما كانت قبله، لا من حيث الوعي السياسي ولا من حيث القناعات الفكرية، وسوف تلقي بتداعياتها ليس على مستوى الوعي الجمعي العربي وحسب، بل وعلى وعي وتفكير ورؤى القيادات السياسية العربية بمن فيها تلك القيادات التي ارتهنت إلى صف العدو وربطت مصيرها بمصير العدو ومن يقف خلفه..!
فمعركة طوفان الأقصى لا شك أوجدت وسوف توجد رؤية جمعية عربية وقناعات في وجدان وقناعات الإنسان العربي بعيدا عن تلك التي حاولت أن تزرعها في قناعته ووجدانه  النظم العربية سواءً قبل المعركة أو أثنائها، أو ما سوف تسوق له من مفردات بعد المعركة، التي أحدثت شرخا في أوساط هذه الجماهير في أوساط الأنظمة الحاكمة ناهيكم عما أحدثته المعركة من مفاهيم ورؤى وقناعات داخل منظومات المؤسسات العسكرية والأمنية التابعة للأنظمة العربية والتي حتما ستظهر تأثيراتها على المستقبل المنظور، الصمت الذي تميزت به الجماهير العربية خلال المعركة، ليس هو ما يعبر عن حقيقتها، لكن لهذا الصمت دوافعه السياسية والأمنية والاقتصادية، لكنه يراكم حالة احتقان سيأتي أوانه ذات يوم، لأن طوفان الأقصى بصمود أبطالها ومشاهدها وحجم التضحيات التي دفعها الشعب العربي في فلسطين ولبنان واليمن والعراق وصولا إلى العمق الإسلامي للأمة وهي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هذا الطوفان هو بمثابة (تلقيح للوعي) ستجني الأمة ثمرته ذات يوم.
أعود للخداع والأكاذيب الصهيونية التي يعبِّر عنها رئيس وزراء الكيان الإرهابي (نتنياهو) الذي يدرك أن ما حدث في أكتوبر 2023م، لم يكن مجرد عمل مقاوم ولا فعل (إرهابي)، كما يحاول تصويره هو وحلفاؤه وخاصة أمريكا والمنظومة الاستعمارية الغربية، لكنه وجميع حلفائه يدركون جيدا أن ما حدث كان زلزالاً يعبَّر عن قرب لحظة الانهيار الوجودي للكيان وأن الصراع بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل وصل لدرجة من الخطورة أسقطت كل ممكنات الردع الوجودي للكيان وأسقطت كل أساطيره، لدرجة أن أبطال الحدث سيطروا لأكثر من ( خمس ساعات) على مستوطنات غلاف غزة وعلى مراكز أمنية وعسكرية، قبل أن يفوق الكيان وقادته من الصدمة التي أفقدتهم قدرتهم على الحركة والتفكير، ليتهافت إليهم في صباح اليوم التالي كل قادة أمريكا والعالم ويحتشدون خلفهم لينطلقوا في معركة انتقامية تجسد حالة الضعف والهوان وهشاشة الترابط الاجتماعي، حدث هذا بعد قرابة عقدين من تسويق ثقافة (السوبر باور)، وأن الصهيوني هو الوحيد صاحب التفوق والعلوم والمعرفة والديمقراطي الحر والمثالي الذي يعيش مطوقاً بشعوب من الأغبياء والجهلة والمتخلفين الذين يمتلكون الثروة ولكنهم لا يعرفون كيف يديرونها لأنهم عبارة عن مجموعة من (الرعاع المتخلفين)..!
غطرسة ونرجسية صهيونية مغلفة بأساطير توراتية كاذبة ومفاهيم دينية مزيفة.. جاءت طوفان الأقصى لتسقط كل هذه المفاهيم، فاستغل القادة الصهاينة التعاطف الاستعماري معهم كعادتهم ورعاية أمريكا وتخاذل النظام العربي الرسمي الذي يتوهم انه سيكون بعيدا عن تداعيات المعركة وأنها معركة المقاومة وحصيلة _مغامراتها _ ومن يساندها، أو أنها (سلوك إيراني يحاول العبث بأمن المنطقة)، وهذا هو الغباء بأبشع صوره، يعيد تكراره النظام الرسمي العربي تماما، كما تعامل مع خديعة بريطانيا ذات يوم وخداع ومكر أمريكا المتجدد دائما..!
في سياق رد الفعل، ذهب نتنياهو في خداع شعبه والكذب عليه قبل أن يخدع العالم والكذب عليه، متخذا من التوحش والإجرام وارتكاب المجازر، مستغلا التفوق الجوي، معلنا عن أهداف يسعى إليها، ولكن للأسف لم يحقق أيا من أهدافه، ولكنه بلا شك ارتكب من المجازر ما لم يسبقه إليها أي من طغاة التاريخ حتى (هتلر وهولاكو) يخجلان من جرائم ( نتنياهو)، الذي ارتكب مجازر وقتل آلاف من أبناء فلسطين ولبنان وسوريا واليمن والعراق وإيران، لكنه لم ينجز انتصارا يذكر ولم يحقق أيا من أهدافه المعلنة، لكنه يكذب ويخدع شعبه الذي لا يختلف عنه بنرجسيته وتوحشه حين يبشرهم بأنه سوف يحقق لهم الأمان الاستراتيجي وسوف يقضي على ( الأشرار) وسيغير خارطة الشرق، بما تأمر به أساطيره الزائفة، مانحا لجرائمه صبغة  (تلمودية) واصفا نفسه بـ (النبي يوشع) منقذ بني إسرائيل..!
وهو حين يرتكب كل هذه الجرائم وبتوحش ويضرب غزة والضفة ولبنان واليمن وسوريا والعراق ويهدد بضرب إيران ويقتل الآلاف من الأبرياء من النساء والأطفال ويستهدف أهدافاً مدنية لا علاقة لها بالحرب والمقاومة، لكنه يفعل ما يفعل لكي يضمن غضب شعبه حين يصحو على الهزيمة والفشل، ولكي يبرر الخسائر التي ستلحق بكيانه ومستوطنيه بأن المعركة كانت كبيرة وانه استهدف (إسماعيل هنية، وحسن نصر الله) وقادة كثر كانوا يشكلون خطرا على أمن الكيان وعلى مستوطنيه، لكن يبقى تحرير الأسرى في غزة هم عنوان انتصار نتنياهو وعنوان كرامة كيانه ومستوطنيه، والأمر الآخر متعلق بعودة سكان شمال فلسطين المحتلة.. أهداف سوف يؤدي الفشل فيها من قبل نتنياهو إلى فقدانه كل هذا الرضا الذي حققه باستهداف (هنية ونصر الله) وخاصة (نصر الله) الذي كان يرعب الصهاينة قادة ومستوطنين ومحل مصداقية لديهم أيضا، ويمكن القول إن النصر الوحيد الذي قد يتباهى به نتنياهو هو استهداف (أمين عام حزب الله)، لكن هل في استهداف الشهيد حسن نصر الله، فعل يقلل من أداء المقاومة الإسلامية اللبنانية؟.
قطعا لا، لذا فإن مواصلة المقاومة الإسلامية في لبنان لرسالتها هي الفعل الذي سيحبط كل مخططات نتنياهو وينتزع عن وجهه قناع الزيف، ليظهر أمام مستوطنيه مهزوما وفاشلا، وهذا ما سوف تكشف عنه تداعيات قادم الأيام.

قد يعجبك ايضا