“لقاء الاربعاء”

مصطفى عامر

 

من لبنان الحرب الأهلية وهوان الثمانينيات كان حزب الله الإشراقة الأولى للأمل، للعزة المفتقدة وللنصر المُبين!

أما نصر الألفين فلم يكن عاديًّا، لقد كان نصرًا في بحرٍ من الهزائم! جاء في وقتٍ كنّا نخسر فيه كلّ شيء، ونفرّط بكلّ شيء! جاء بعد مدريد وأوسلو، جاء وحكامنا يركعون «حرفيًّا» على أبواب البيت الأبيض، وبالدّور تتمّ إهانتهم علنًا! بالدور وبحسب الأقدمية! وفي وقتٍ كانت فيه مقابلة كلينتون- مجرد مقابلته- نصرًا!

أتذكر المهانة في وجوه من عادوا إلى بلدانهم دون تحقيق نصر «مقابلة كلينتون»! فقط لأن كلينتون كان مشغولًا بمعابثة مونيكا مثلًا! ممارسة اليوجا أو تعاطي الماريجوانا!

إلا أن السيد حسن، وعلى مرّ السنوات، كان السّيد حسن! لا يطلق كلامه في الهواء! رجلٌ لا يقول إلا ويفعل، ويثبت لك في كلّ وقتٍ أنّه قادرٌ على الفعل، وأنّ حديثه ليس بالهزل!

كنت أراه ولا أرى أعداءه، إنهم أصغر من أن يراهم أحداً! سِفلة القوم وأراذلهم! وقد كان عداءً واضحًا بين النقائض كلها: الكرامة والذل! الحقيقة والزيف! الرجال وأشباه الرّجال! الفضيلة كلّها في مواجهة الرذيلة كلها!

وكما أنه لم يكن في أعداء السيّد حسن شيءٌ منه، فبالمثل لن تجد في السيّد حسن خصلةً واحدةً ممّا يحملها أعداؤه! إنه واقعٌ تجاوز الأسطورة، وقيمةٌ تُجسّد النقاء كلّه، والكرامة كلها، والشّرف كلّه!

أمّا أعداؤه عبر تاريخه فمحض طابورٍ من الساقطين، لقد كانوا يسقطون حتّى قبل بدء المنازلة! من سعد حداد وانطوان لحد إلى سمير جعجع! من بشير الجميّل إلى ابن سلمان وابن زايد! من المحيط إلى الخليج كان أعداؤه الدناءة كلها والقذارة كلها، وكان- هو- السمو كلّه والطهارة كلها!

تمدّدت المقاومة لكنّه كان الشرارة، وتوالت الانتصارات بفضل الله لكنه كان البشارة، تعوسج السّيد حسن وأثمر! وامتدّ في المحور كاملًا! والمستضعفون من فلسطين والعراق واليمن أصبحوا بفضل الله قوّة، وكان السّيد حسن هو السّيد حسن! أخًا لك وبقية إخوانك عليك! إلى جوارك وقد انصرف الناس عنك! معك وقد انقلب النّاس عليك!

وفي ٢٧ مارس ٢٠١٥م، في ذلك اليوم تحديدًا ونحن غرباء بلا أخٍ نصير، كان السّيد حسن وحده- من بين النّاس- نصيرًا! بكّت صنعاء كلها يومها! لا خوفًا من حربٍ ولا ضعفا!

لكن لأنّه يكفيها فخرًا أن تتحشّد الرذائل كلّها عليها،

ويقف معها النقاء كلّه، والشّرف كلٌه، والكرامة كلها!

في تموز ٢٠٠٦، كان والدي وأخوالي، إخوتي وأنا نتحلق جميعًا حول المنار، أتذكرها كالحلم بصوت الراحل عمر الفرّا وصورة النصر متداخلةٌ في الذاكرة، أتذكر «رجال الله في لبنان» وحدهم! والعالم العربي من أقصاه إلى أقصاه خانع ذليل، أو متواطئ عميل!

وكان الخانعون يصرخون: فليذهب المغامر إلى الموت وحده!

وبالفعل! ذهب المغامر إلى الحرب وحده، انتزع لقلوبنا نصرًا وعاد إلى عرينه وحده! وكان ضباع القرية يستكثرون عليه حتّى الدّعاء!

ثابتٌ في مخيّلتي لم تهتزّ له صورة، ثابتٌ لأنه يعرف كيف يقرأ الصورة كاملةً ثمّ يتحشّد إليها بكلّه، صوته رعدٌ وسمتُهُ جبل، وأعداؤه جرذان صغيرة!

رأيته قائدًا وجنديًّا، شيخًا جليلًا وشابًّا فتيّا! بيننا وفي مقدمة الصفوف، رأيته في كلّ ثغرٍ وموقعٍ وجبل، في كلّ موقفٍ شريفٍ وفي كلّ قلبٍ نبيل!

رأيته يصلّي في القدس رأي العين!

رأيته فردّا وآلافًا وملايين،

وهو يصلّي- جميعًا- في القدس المحرّرة!

صعيدًا واحدًا وصفوف كثيرة

في كلّ قلبٍ يحمل كرامةً وطهارةً وشرفاً، رأيته!

ورأيت أعداءه وهمًا وهوامًا وغبارًا وذبابًا!

نقطةً سوداء لا يأبه بها السّطر، وفراغاتٍ لا تلتفت إليها المقالة!

ثمّ أنني، أيّها الأعزاء، كنت قد أعددت للأربعاء هذا مقالًا مختلفًا،

وأرسلته بالفعل إلى الصحيفة، لكن عدوان البارحة على لبنان، والمجزرة بحق المدنيين، بهجومٍ قذر، يتحمل مسؤوليته عدوٌّ قذر!

هو ما دعاني لسحب المقال السابق في اللحظة الأخيرة، واثقًا دائمًا بالله، باقتراب الفتح ويكأنها مؤشراته، وما ذلك على الله بعزيز!

تقبل الله الشهداء، ومنّ على الجرحى بالشفاء، وعلى المؤمنين كافّةً بالبشارة، وبالفتح القريب.

وفي صبيحة الأربعاء القادم، في الزاوية ذاتها بإذن الله.

يبقى لنا حديث..

 

 

 

قد يعجبك ايضا