لا أدري هل هو مثير للسخرية أم الشفقة أن يتم ككل عام اجترار البعض لذات الأسطوانة المعادية للاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف.؟!
ولا أدري لماذا بقية الاحتفالات بالتواريخ المختلفة لا تحظى بنفس أو حتى جزء من هذا الاهتمام بالإساءة إلى المحتفلين بالمولد النبوي؟، رغم أن بعضها – كعيد رأس السنة الميلادية – يشهد تحضيرات مبكرة من أشجار الزينة وبرامج حفلات صاخبة، وهدايا بابا نويل.
لو أن هناك – على الأقل – منطق موضوعياً يستند إليه من يسوّقون لإنكار الاحتفال بالمولد النبوي، لفتح ذاك، مجالا للنقاش والمحاججة، إنما ما هو حاصل ذات الكلام يُقال، وذات النقد والهجوم مع غياب تام للحُجة المقنعة، ليظهر من ذلك أن الغاية هي صرف الناس عن هذا الارتباط بالرسول وحسب، أما من يتبنونه فإنهم هُم أنفسهم لا يتغيرون، ويتناقصون ولا يزيدون.
السياسة ورفض الآخر تبدو هنا منطلق كل هذا الرفض، ومصطلح البدعة ثبت في القرآن أنها لا تنطبق على إحياء مناسبة دينية كهذه، وإذا كان الحداثيون لا يعلمون بالقرآن ولا يفقهونه، فليتهم على الأقل يقيسون الأمر من مفهوم البدعة، هذا على افتراض أنهم ينتقدون من باب الغيرة على الدين، فهل خوف الوقوع في شبهة البدعة يفترض علينا رفض كل استحداث يمكن أن يضيف ويمكن أن يعزز ويقوي وينمي ويطور؟
أليس رفض البدعة يأتي حين تستحدث شيئاً في الدين وفي سلوك العبادة، وحين تشق على الناس وتفرّق وتهدم وتعبث بمعتقدات أو حياة المجتمع؟ من ينظر إلى المدن والأحياء اليمنية اليوم وهي التي لا تزال تعيش حالة الحصار لن يرى غير مشاهد مبتسمة بالجمال ولن يجد من رد فعل تجاه ذلك إلا الابتسام بإعجاب، والصلاة على النبي وعلى الآل الكرام، فهل هذا بدعة؟
ومن يرى ما ولّده هذا الاهتمام الشعبي من اهتمام بمظاهر الفرح بالمناسبة من توحّد للمشاعر سيتذكر أنه وكما آخى رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته بين القبائل وقد جاءهم وهم في تناحر واقتتال، فإنه اليوم يوحدهم على كلمة سواء وهم يصلون عليه ذات الصلاة ويقبلون عليه مجددين العهد والولاء.
للأسف لم أجد في ما صادفته عيني في مواقع التواصل من حديث الرافضين لإحياء المناسبة ما يستحق التأييد، وإنما منه ما يكرر نفس كلام كل عام من جهة، ومن جهة أخرى ما يدور حول نقاط محددة تتركز على ما يظهر لهم أنه مظاهر بذخ، ولو أنهم تأملوا قليلا في هذه الجزئية لوجدوا أن شريط إضاءة وقطعة قماش لا تكلف صاحب المحل أكثر من خمسة آلاف ريال فاين المشكلة؟ ولو أنهم تأملوا أكثر لوجدوا أن مظاهر الاحتفاء بالمناسبة لا تقتصر على هذه الأمور الشكلية، فهناك الكثير من أعمال الإحسان التي تنشط في مثل هذه المناسبات لتُعين المحتاجين على قضاء حاجاتهم، امتثالا لما دعانا إليه الرسول الكريم من تراحم وتكافل، ويكفي الإشارة إلى تدشين الهيئة العامة للزكاة مشاريع الإحسان بأكثر من 10 مليارات ريال، ومثلها هيئة الأوقاف التي دشنت مشروع وتعاونوا على البر والتقوى بكُلفة عشرة مليارات ريال أيضا.
وأين المشكلة وأين البدعة إذا كان في إحياء المناسبة ما يُحيي في نفوس المسلمين مكانتهم على العالمين، فيمدهم بالقوة والاعتزاز، ويُحي فيهم مشاعر النخوة والغيرة التي قتلتها المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية، أو ليس موقف الكثير البارد تجاه ما يحدث في غزة تعبير عن نجاح هذه المؤامرة؟ ثم أليس من يقف مع الفلسطينيين اليوم هُم هؤلاء الذين يحبون رسول الله ويحيون ذكرى مولده؟، وعليه.. إلا يستحق حال الأمة العودة إلى رسول الله وأن تستمد منه القوة وتحصّن نفسها من مكر الماكرين والمنافقين؟!.
بعيدا عن هذا وقريبا من تفاصيل مشهد اليوم، فإن اليوم سيكون استثنائيا بلا شك، وسيظهر الشعب اليمني بكل ألق مُعززا مكانته كرائد للأمة في إحياء مبادئ الدين وفي الدفاع عن قضايا الأمة، ومؤكدا الثبات على الموقف في معركة العزة والكرامة واستعادة مكانة الأمة التي أرادها الله سبحانه لها (كنتم خير أمة أخرجت للناس).