البردوني.. فيلسوف الشعر والأدب

عبدالفتاح البنوس

 

 

25عاما مضت على رحيل فيلسوف الشعر والأدب والثقافة، شاعر اليمن الكبير الأستاذ الراحل عبدالله البردوني، كان عملاقا من عمالقة الشعر العربي بإمتياز، وكان منارة للألق والإبداع الشعري الذي كان سمة طاغية على معلقاته وفرائده الشعرية التي تشكل حالة نادرة في فضاء الشعر والأدب، عاش الأستاذ عبدالله البردوني حياة صعبة ومريرة، رغم المكانة التي كان يحتلها في الوسط الثقافي والأدبي محليا وعربيا، ولم ينل الدعم والتشجيع الرسمي من قبل النظام السابق ؛ لأنه لم يسقط في مستنقع النفاق والمديح والتمجيد والتطبيل له، والثناء عليه، وتقديم قرابين الولاء والطاعة له، و لم يسبح بحمد الحاكم ويقدسه كما صنع ويصنع شعراء ( الملوك والأمراء والسلاطين )، ولم ينظم في ( فخامته ) القصائد العصماء، ولم يتغنى بمنجزاته ( العملاقة ) وأعماله ( الخارقة للعادة )، رغم صعوبة ومرارة الظروف التي عاشها، وهو ما أكسبه احترام السواد الأعظم من اليمنيين.
لقد ظل شاعرنا الكبير عبدالله البردوني محترما لقلمه وإسمه ومكانته ولشعره البالستي المجنح العابر للحدود، الذي ينفح من أبياته عبق الحرية والعزة والكرامة والشموخ والإباء والعنفوان، فقد عُرف عنه أنه كان يمثل ضمير الشعب الحي، والمعبر الصادق عن لسان حاله، لم ينافق أو يداهن أو يجامل أو يدلس، كان حزبه الوطن، وكان سلاحه الشعر، وكانت ثروته هي شعره و مؤلفاته التي قام بطباعتها بصورة شخصية عقب حصوله على جائزة العويس في الشعر، والتي سخرها لطباعة أعماله الشعرية والأدبية، والتي حرص على أن تكون قيمتها محدودة جدا، كي تكون سهلة الشراء و الإقتناء من قبل مختلف شرائح المجتمع، والذي كان ينشد لهم الرفعة والسمو والتقدم في شتى مجالات الحياة.
واليوم وبعد 25عاما على رحيل هذه الشخصية الفريدة، أجدها فرصة لأن أضع على طاولة وزير الثقافة والسياحة الأستاذ علي قاسم حسين اليافعي ونائبه الأستاذ عبدالله حسن الوشلي، أهمية وضرورة العمل على ترميم منزل الأستاذ البردوني الذي ولد ونشأ فيه بمسقط رأسه بقرية البردون بمديرية الحدا محافظة ذمار، وكذا ترميم وصيانة منزله بالعاصمة صنعاء بما يليق ومكانة شاعرنا الكبير، كونهما من أبرز الأماكن التي تخطر على بال كل محبيه ومعجبيه من داخل الوطن وخارجه لزيارتها، بالإضافة إلى ضريحه بمقبرة خزيمة والذي طاله الضرر جراء قصف طائرات العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي عليها في سياق عدوانه الهمجي على يمن الإيمان والتاريخ والحضارة والأصالة، والذي يمثل شاعرنا الكبير امتدادا له وعنوانا بارزا من عناوينه، والذي يمثل مصدر فخر واعتزاز لكل اليمنيين.
فمن الطبيعي جدا عقب إستقرار الأوضاع في البلاد، وعودة الرحلات الجوية لمختلف شركات الطيران عبر مطار صنعاء الدولي من مختلف دول العالم، أن تكون اليمن وجهة نشطة للزائرين لها من السياح والأدباء والمفكرين والسياسيين، وخصوصا بعد أن أثبتت اليوم أنها باتت رقما صعبا في المنطقة والعالم، وصار الكثير يمنون أنفسهم بزيارتها، والإطلاع على معالمها وآثارها، والتعرف عن قرب على شعبها الذي أذهل العالم بصموده وثباته ومواقفه، وبطولاته الأسطورية، التي باتت مضربا للمثل، وبدون شك فإن شاعرنا الكبير الراحل عبدالله البردوني سيكون مقصدا لزيارة الكثير من الأدباء والشعراء والمهتمين بالشأن الأدبي والثقافي، وهذا أقل ما يمكن القيام به وفاءً لهذه الشخصية الفريدة، والذي يمثل علامة فارقة في تاريخ الشعر والأدب العربي.
وأتطلع أيضا في سياق الإهتمام الرسمي إلى أن تكون هنالك جائزة رسمية سنوية تحمل إسم شاعر اليمن الكبير الراحل عبدالله البردوني، تمنح للمبدعين في مجال الشعر والأدب، تكريما لهذه الشخصية الوطنية الإستثنائية التي أثرت المكتبة الأدبية والثقافية العربية بالكثير من الأعمال الشعرية والأدبية التي تمثل إضافة نوعية للشعر والأدب العربي، الذي كان شاعرنا الراحل أحد أبرز فرسانه وعمالقته، مع التأكيد على ضرورة مواصلة الجهود الحكومية المشكورة في جانب طباعة الأعمال الشعرية للفقيد الراحل، والعمل على طباعة أعماله الشعرية الكاملة لضمان حفظ هذا الإرث الشعري والأدبي الزاخر بالألق والإبداع والتميز المنقطع النظير.

قد يعجبك ايضا