فلسطين وقرار محكمة العدل الدولية

طاهر محمد الجنيد

 

 

جاء قرار محكمة العدل الدولية الصادر (19 يوليو 2024م) مؤكداً على حقوق الشعب الفلسطيني في حريته واستقلاله وتقرير مصيره، وأكد بطلان كل الإجراءات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الصهيوني من الاستيلاء على الأراضي بالقوة، فالقرار (242) (أكد على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب، ودعا إلى انسحاب القوات الإسرائيلية المسلحة من الأراضي المحتلة في السنوات الأخيرة)، وأيضا بطلان كل الإجراءات الهادفة إلى تغيير الأوضاع الديمغرافية والسكانية فيها من (بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي، ودعم الاستيلاء عليها بواسطة المستوطنين) ونقل السكان وكذلك جميع الإجراءات التشريعية والإدارية، حيث أشار القرار إلى : انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، واحتلالها الطويل واستيطانها للأراضي المحتلة وضمها منذ عام 1967م وكذلك اتخاذها تدابير لتغيير التركيبة الديمغرافية لمدينة القدس واعتمادها تشريعات وتدابير للفصل والتمييز العنصري.
حينما صدر قرار مجلس الأمن رقم (242) الذي إدان احتلال الصهاينة الأراضي العربية المخصصة لدولة فلسطين بموجب قرار التقسيم الصادر من الأمم المتحدة، اثار الصهاينة والمتصهينون ضجة كبيرة حوله، لأنه نص على (انسحاب إسرائيل من أراضي عربية محتلة) ولم ينص على انسحابها من الأراضي العربية المحتلة وصدق الناس ذلك وأنه لو كان نص على الانسحاب من الأراضي العربية لما ترددت إسرائيل في الانسحاب واستمرت قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بإدانة احتلال إسرائيل للأراضي والاستيلاء عليها بالقوة، وسيطرت على الضفة الغربية وقطاع غزة وسارعت في بناء المستوطنات، وحولت غالبية الشعب الفلسطيني إلى لاجئين في المنافي، وفي الداخل محاصرين بالمستوطنات والجدر في مخالفة صريحة وواضحة للقانون الدولي الذي بموجبه وجدت إسرائيل وسمح لها أن تستوي على أرض فلسطين بالقوة والإجرام والظلم والطغيان، وهنا تؤكد المحكمة (أن وجود حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير لا يمكن أن يخضع لشروط من جانب السلطة القائمة بالاحتلال نظرا لطابعه كحق غير قابل للتصرف، وأن انتهاك إسرائيل لحظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة ولحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير لها تأثير مباشر على شرعية استمرار ووجود إسرائيل وهذه الشرعية تتعلق بمجمل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967م.
القرارات الدولية، والصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارات محكمة العدل الدولية تتحدث عن انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة ومنح دولة فلسطين حق تقرير المصير، وأن تواجد القوات الإسرائيلية بغير حق، لأنها دولة احتلال يجب مقاومتها والتصدي لها، السلطة الفلسطينية ذهبت للتفاوض مع اليهود للحصول على الحكم الذاتي تحت هيمنة وتحكم الصهاينة بكل شيء حتى أنهم يستطيعون منع الحماية الأمنية للسلطة الفلسطينية من مغادرة منازلهم ومقار أعمالهم.
وبينما يستند الفلسطينيون إلى القانون الدولي وأن القرار (242) يعني الانسحاب الكامل وغير المنقوض والمشروط من سائر الأراضي المحتلة عام 1967م يستند الكيان الصهيوني إلى القوة العسكرية والدعم اللا محدود من الحلف الصليبي. بالإضافة إلى التلاعب بالألفاظ، وهي منهجية المكر والخداع اليهودي منذ الأزل، ولذلك يفسرون الانسحاب بالجزئي الذي لا يشمل الكل، لأن القرار خلا من “ال” التعريفية، فنص على انسحاب قوات إسرائيلية مسلحة من أرض احتلت في الصراع الأخير. وحتى في الاتفاقات الثنائية بين سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني يستخدمون مصطلحات تخدم أهدافهم: فيستبدلون كلمة الانسحاب: (التي تعني المغادرة من المكان والجر على الأرض، يستبدلون ذلك بمصطلح إعادة الانتشار : وعاد: إليه وله وعليه بعد الانصراف عنه، وانتشر الشيء: انبسط وتفرق، كما جاء في القاموس الوجيز. فاليهود يوزعون قوات الأمن والجيش على المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية وتعيد احتلالها متى شاءت، ومفهوم الحكم الذاتي: مفهوم شخصي لا يتعلق بالأرض المخصصة لإقامة دولة فلسطينية على أساس قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وإنما يخدم وجود الكيان الصهيوني كسلطة احتلال، لاستمرار سيطرتها وممارسة الفصل العنصري على أصوله.
ومن العجيب أن الاحتلال الصهيوني وضع حكماً ذاتياً بصورة عجيبة، وحتى تسمية سلطة لأنظمة الحكم الذاتي، فالسلطة الفلسطينية لها السيطرة على المواطنين الفلسطينيين الذين تحددهم سلطات الاحتلال باستثناء الفلسطينيين الذين يعيشون في كافة الأراضي الفلسطينية كالقدس وغيرها من المناطق التي تخضع للاحتلال، وحتى سلطة الحكم الذاتي في الضفة وغزة قسمت سلطات الاحتلال كما يوضح د. خيري مريكب في كتابه “تطورات القضية الفلسطينية” حيث قسمت إلى (ثلاث مناطق (أ) تظم المدن الفلسطينية دون القدس وهي مجموعة من الجزر يصعب حصرها وتقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية وتمثل 10 % من الأراضي الفلسطينية وتم حصر 98 % من سكان الشعب الفلسطيني في المنطقة (ب) وهي أغلب القرى الفلسطينية ومعسكرات اللاجئين، السيطرة المدنية للفلسطينيين والأمنية لإسرائيل ومساحتها 26 % من الضفة، وهي جزر مبعثرة لا يجمع بينها أي تواصل جغرافي بواسطة الطرق الالتفافية والمستوطنات، أما المنطقة (ج) فهي خاصة بالحدود والمستوطنات والقدس، وشبكة الطرقات والمناطق العسكرية والاستراتيجية ومساحتها 64 % وتمثل منطقة الحكم الذاتي فقط 280كم من 670كم مساحة الأراضي المحتلة بكثافة سكانية هي 900.000 شخص لكل كم في منطقتين بعيدتين بأكثر من 100كم، صـ335، 336.
هذه هي مجمل مفاوضات السلطة الفلسطينية وحقيقة المكر والخداع اليهودي الذي يمارس الاحتلال والاستعمار بأقذر أنواعه وأشكاله من استقلال واستعباد وتمييز عنصري، حيث حول السلطة الفلسطينية إلى شرطي يعمل على حماية الاحتلال وممارسة البطش والتنكيل لكل من يشكل تهديدا على منظومة الأمن الصهيونية بالإضافة إلى تقديم المطلوبين أمنيا وفقا للجنة المشتركة التي تجمع الأجهزة الأمنية الصهيونية وسلطة الحكم الذاتي، ولا غرابة إذا شاهدنا وزير الداخلية والأمن الفلسطيني ينحني أمام وزير الأمن الإسرائيلي ويبلغه بأخذ احتياطاته لأن هناك مقاومين قد تسللوا إلى القدس للقيام بعمل فدائي، لكن الصهاينة لم يأخذوا استعداداتهم مما أدى إلى قتل بعض خنازير الصهاينة.

قد يعجبك ايضا