محمد القعود

في ذكراه العطرة.. البردوني.. شاهد على جرائم العصر

 

وها نحن نستقبل ذكراه العطرة، نتزود من طيب أزاهيره وفوح ياسمين أيامه البهيجة ومواكبه الشعرية والخالدة عبر الزمن..
البردوني العظيم سيبقى بإبداعه العظيم وفكره المنير ورؤاه الثاقبة والعميقة ومواقفه الصلبة والشجاعة واشراقته المهيبة والبهية.
البردوني العظيم الاستثنائي والمتفرد سيبقى هامة وقامة وقمة وروعة ودهشة ماجدة وخالدة ومائزة.
وسيذهب أصحاب المواقف الهشة والإبداع السفري المنتهي الصلاحية، غلمان السلطان والهيلمان والقصور والبلاطات العفنة وأجهزة الطغاة والبغاة والحكام الاراجيز، والأقزام وأصحاب القامات الدخانية والكارتونية.. سيذهبون تحفّهم لعنات الضمير والأرض والإنسان، إلى عهدة النسيان.
سيبقى البردوني العظيم كتاب الإبداع الإنساني الخالد وسيظل ملحمة مبهرة يتلوها الزمان والأجيال.
إبداع البردوني العظيم ثروة إنسانية لاتقدر بثمن. وهو ملكٌ للإنسانية جمعاء.
ولذلك نقول لكل وجوه القبح والرداءة وباعة الإوهام ومروجي الظلام والخرافات البائسة: أنتم أمام حضرة صاحب الجلالة والفخامة البردوني عليه السلام، مجرد غبار عابر وكومة قش ونشارة خشب تتبدد وتتناثر وتتلاشى وتضيع في ضربة وطنين أجنحة ذبابة.
أنتم إلى نسيان عقيم وعتيم، والبردوني دوما في توهج وألقٍ وشموخ وتوهج وإشراق واخضرار وحياة.
هذا اليمن وهذا البردوني.. سليل الإبداع والمجد والحضارة.
وللشاعر الكبير الراحل عبدالله البردوني تجلياته ورؤاه الشعرية والفكرية الثاقبة والكاشفة والمستقرئة للكثير من الحقائق والوقائع والخبايا والاستنتاجات المذهلة التي تدل على عبقرية هذا الشاعر الأديب والمفكر، وعلى عمق رؤاه واستنتاجاته المبنية على خلفية ثقافية كبيرة وعلى فكر نيِّر وخلاَّق..
ومن يقرأ ويسترجع العديد من قصائد الشاعر الكبير، يجدها تكشف الواقع الراهن، وعلى الرغم من أن القصائد تلك كتبت ونشرت قبل أكثر من أربعين سنة، ولكنها ناطقة وكاشفة للكثير من الوقائع التي نعيشها اليوم ونكتوي بنارها، وما أشارت إليه في السابق تلك القصائد من مؤامرات قائمة وقادمة وحروب وعدوان وكوارث، ونوايا خبيثة تسعى إلى الاستحواذ على المقدرات والمستقبل وطمس ملامح الهوية الوطنية وحرية واستقلال القرار الوطني، وعلى هوية الأرض والإنسان.
وها نحن نلمس بكل ألم ما نبه إليه البردوني من صنوف الظلم والعدوان والسطو على الأرض والإنسان الذي يمارسه الكيان الصهيوني وأهدافه الخبيثة، وذلك من قصيدته “يوم المعاد “وحتى قصيدته “قتلة وثوارا” .والتي هي قصيدة تحكي ما يدور اليوم في ارض غزة الباسلة.

“قتلة وثوار”
توحَّشُوا وأطْلِقوا
هيهات أن يتفرقوا
جاؤوا كأفواج الضحى
وكالضحى تنسَّقوا
الكمُّ كيفٌ واحدٌ
والكل فردٌ مُطَلقُ
لأنها الأرض التي
تراعدت فأبرقوا
تراكضت فجاجُها
يتلو العميقَ الأعمقُ
تفور تحت خطوكم
وفوقكم تُحلِّقُ
* * *
أضفَّةٌ هاتيك أم
نهرٌ يعي مَن يُحرِقُ؟
يشمُّ ماتطوونهُ
بقلبه ويرمقُ
أغزّةٌ تنظّروا
آياتِها وأطرِقوا
تَرمُون، لاتخشى فهل
ماتطلقون فستقُ؟
* * *
كل مخيَّمٍ على
موج اللهيب زورَقُ
وكل مرجٍ ثائرٌ
وكل صخرٍ خندقُ
وكل نبتةٍ يدٌ
وكل نجمٍ بيرقُ
التلُّ يهفو تائقاً
والسهل منه أشوَقُ
والمنحنى يعدو كما
يعدو الجواد الأبلَقُ
مواكبُ في موكبٍ
لاسبَّقٌ لا لُحَّقُ
العُزَّل العاتون مِن
أعتى الغزاة أحذَقُ
* * *
مابال مَن دَفنتمو
قاموا كأن لم يُخنَقوا
ومَن هدمتم فوقهم
بيوتهم لم يَزهَقوا
أجاء منهم مثلهم
أم الحِمام أرفقُ؟
هل شمتمُ مَن يتّقي
نيرانكم أو يَفرَقُ
فشقِّقوا رصاصكم
فيهم فلن يتشقَّقوا
لأنهم مِن ناركم
أقوى ومنكم أصعَقُ
* * *
لابأس أن تتمزَّقوا
غيظاً، فلن يتمزَّقوا
لأنهم تفجَّروا
كالسّيل كي يتدفَّقوا
وللحريق أسفروا
كي ينضجوا ويسمُقوا
* * *
قلتم ستسحقونهم
كيف أبَوا أن يُسحقوا؟
أحجارهم غير التي
إذا ارتمت تُطقطِقُ
أما ترونها على
أكفِّهم تُحملقُ
وكالأكفِّ تنتوي
وكالقلوب تخفُقُ
وكالشتاء تنهمي
وكالرَّبيع تعبُقُ
للثغها بلاغةٌ
كأهلها – ومنطقُ
تكرُّ مِن بنانهم
كما يكرُّ الفيلقُ
أهدى من القطا إلى
أهدافها وأسبَقُ
زرق النُّيوب رشقٍها
مِن المنايا أرشقُ
* * *
ماذا ترون؟ خبِّروا
(شامير) كيف أَحدقوا
كيف تلت أحجارهم
أمر الحِمى وطبَّقوا
كيف تعملق الحصى
لأنهم تعملقوا
في المستحيل أوغَلوا
بِبُعده تعلَّقوا
الضفّة الآن غدت
تلهو بمن تَفوَّقوا
لأنها فاقت بلا
دعوى، وهم تشدَّقوا
* * *
الخارقون هل درَوا
بأنهم تخرَّقوا؟
وأنّهم مِن الأُلى
يضايقون أضيَقُ
وأنهم قتلى، وإن
أخفَوا، وإن تبندقوا
* * *
قالت قطاع غزّةٍ:
أنا هنا فأخفقوا
فكذَّبوا ماشاهدوا
وصدَّقوا ما استروَقوا
وعزَّزوا كي يُفزعوا
فأيُّ بيتٍ أقلقوا؟
القوّة الأطغى على
أقوى الطغاة أوبَقُ
لأن باب السرِّ في
وجه الغرور مُغلَقُ
* * *
الثائرون ورَّدوا
وعد الحِمى وزنبَقوا
وصدَّقوا لأنَّهُ
مِن كل وعدٍ أصدَقُ
* * *
ثاروا، غضبتم، ما الذي
حققتمو وحقَّقوا؟
أرهبتمو وقاوموا
أخْمَدتمو تألَّقوا
أمطرتمو كي يَنبتوا
وأمطروا، كي تَغرقوا
جدتم لظىً لتسلبوا
هَمَوا دماً كي يُغدقوا
لكي يُروُّوا تُربةً
مِن قلبها ترقرقوا
لأنهم مِن عشقها
للموتِ عنها أعشَقُ
* * *
على اسمها تبرعموا
وباسمها تفتَّقوا
وفوقها تعنقدوا
وتحتها تعتَّقوا
وأغصنَت أجيالُهم
منها وفيها أعرقوا
مِن التواريخ أتَوا
مِن الجذور أورَقوا
منهم إليهم أقبلوا
مِن حيث غابوا أشرقوا
* * *
يامن سرقتم موطناً
لقد أبى أن تسرِقوا
قولوا لمن رمى بكم
أحجارَه أن يأرقُوا
قولوا لقد آن لهم
عليكَمُ أن يشفقوا
وأصدقوا احباركم
كيف انمحى ما لفَّقوا

قد يعجبك ايضا