المشهد برسم المقاومة

يكتبها اليوم / وديع العبسي

 

 

حتى وإن واصل الكيان الصهيوني، جرائمه في غزة واستهدافه لرموز المقاومة، فإن ذلك لن يغير من حقيقة أن هذه الأفعال لا تنم عن قوة بقدر ما تؤكد – وحسب النزعة الفاشية لهذا الكيان ومعه أمريكا – أن تصعيد اللجوء إليها في هذا الوقت يكاد يكون بمثابة المحاولات الأخيرة في الوقت الضائع، القصد منها هزيمة نفسية الفلسطينيين ومعهم العرب والمسلمون، للتسليم بأن كل هذا الشر لن يكون بالمقدور مجابهته أو إيقافه.
ولن يكون للتاريخ رغم كل ذلك وبأي حال، أن يتجاوز هذه المرحلة الحساسة التي تشهد ثورة على الصيغ التقليدية لمعادلات المواجهة، وتمردا حادا على العجوز أمريكا، وتبعا لذلك تآكلا لافتا لتفاصيل المشهد العالمي المرتهن لمنطق ما يُعرف بـ«القوة المطلقة».
ولئن كانت السنوات الماضية قد شهدت دورا بارزا لليمن في رسم المشهد الجديد بصموده أمام نيران سبع عشرة دولة، وبقدرته على تغيير معادلات المواجهة والردع خلال العدوان على الشعب اليمني، إلا أن معركة «طوفان الأقصى» لا شك أنها صارت تمثل اليوم البداية لتحولات أكثر عمقا وأكثر تمكينا للشعوب المستضعفة من فرض شروطها ورؤيتها للمشهد القادم، ويعكس ذلك، مواجهة قوى الاستعلاء والغطرسة بزعامة أمريكا وإسرائيل بهذا الزخم، وهو ما لم يشهده العالم من قبل.
وها هي أمريكا تكاد تغيب عن المنطقة بفعلها المؤثر وإملاءاتها السلطوية، وإن كانت لا تزال تحتفظ ببعض القواعد العسكرية إلا أن وجود هذه القواعد صار شكليا وبمثابة الفزاعة، بعد أن تم تعطيلها عن القيام بأي فعل يمكن أن يعيد لها هيبتها المسفوحة على شواطئ المياه العربية، كما أن الموقف العربي بدأ يشهد فرزا واضحا وعمليا لجهة بروز جبهة المقاومة والأصوات الحرة بلا مواربة وبلا ارتهان لحسابات المنظومة العربية التي لا تغادر ثقافة عدم مخالفة أمريكا والكيان الصهيوني ولو «خلسا جلدك».
واليمن – وفق التقارير الأمريكية ذاتها – غيّر في مفهوم المواجهة البحرية، بملحمة الجرأة والشجاعة التي سطرتها قواته المسلحة في المواجهة مع الكيان حتى أصبح جزءاً من المعركة لا مشاركا وحسب، وطبَع بصمته بمنع تحرك القطع الأمريكية في البحر الأحمر الذي كان مرتعا له حتى وقت قريب، حين كان المخطط الأمريكي في ذروة نشوته وهو يسير في اتجاه إحكام السيطرة على الحركة الملاحية فيه وتمكين العدو الإسرائيلي من وضع محددات مستقبل العرب والمسلمين، حيث لا استقلالية في الرأي وفي الحركة، ولا قدرة على استثمار مقدراتهم على النحو الذي يخدمهم ويخدم المنطقة.
معركة طوفان الأقصى بما قادت إليه، ودماء الشهداء الزكية ومعاناة الشعب الفلسطيني الأبي طيلة العشرة الأشهر الماضية، إنما تؤسس لمرحلة جديدة تتلاشى فيها ثقافة الخنوع والاستسلام للإرادة الأمريكية، وتبدأ فيها حقبة فرض الاحترام والتعامل بنديّة كاملة حيث لا يمكن فيها للغطرسة والغرور فرض إرادة الغرب وفي مقدمتهم أمريكا على دول المنطقة، وشواهد هذا يعكسه تحرك دول المقاومة بكل ثقة وإيمان، وهي التي صارت الحامل الأساس لقضية الدفاع عن الكرامة والعزة العربية.
ووفق ما آلت إليه الأحداث بعد جرائم الكيان الصهيوني بدعم أمريكي في اليمن وإيران ولبنان، فضلا عن تواصل المجازر في غزة وآخرها مجزرة «مُصلى التابعين» أمس، لم يعد لهما إلا الخيال أنه بمقدورهما الحفاظ على سطوتهما للتدخل في رسم المشهد القادم للمنطقة، فالريشة والقلم، والعزيمة والعقيدة الثابتة، صارت بيد أبناء المنطقة بقيادة دول المحور.
والمتأمل للأحداث سيجد أنها – رغم ما تمثله من تحد ومعاناة جديدة – إلا أنها تحولت بفعل الإرادة والثبات على الموقف إلى فرص أكيدة لتثبيت المعادلة الحديثة، وإذا كان العدو الأمريكي والعدو الإسرائيلي قد بدءا المعركة فإن خاتمتها اليوم بيد محور المقاومة وكل الأصوات الحرة في كل العالم، حتى تكتيك التأخير للرد المحسوم على عدوان الكيان الصهيوني في ايران ولبنان واليمن، هو بذاته جزء من الرد، فالمتابع لما يعيشه الكيان اليوم، وللتقارير الأمريكية والدولية التي تُعري حالة القلق التي تلبست البيت الأبيض وحكومة الكيان الصهيوني سيدرك أن تكتيك التأخير كان جزءاً من الرد.

قد يعجبك ايضا