مفكرون عالميون يؤكدون الحق في رفع الظلم عن الفلسطينيين والعودة إلى أراضيهم

أصبحت القضية الأولى في اهتمامات أحرار العالم:

 

الثورة / خليل المعلمي

يقول الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد:
وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ
فَذَرني وَخُلقي إِنَّني لَكَ شاكِرٌ وَلَو حَلَّ بَيتي نائِياً عِندَ ضَرغَدِ
إذا كان الخذلان قد أصاب الفلسطينيين من ذوي القربى خلال العقود الماضية وخلال العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة، فإن الإرادة الإلهية تهيئ لهم من يناصرهم ويتحدث باسمهم، ويخرج في مظاهرات من أجل وقف الحرب والتنديد بالكيان الصهوني، وتقام من أجلهم الفعاليات والأنشطة المختلفة، وتنتشر التصريحات والمقابلات الصحفية للكثير من المفكرين والسياسيين من بلاد الغرب والشرق، ذلك أنهم على حق في مقاومة المحتلين، وهم على حق في ثباتهم على أرضهم، وما يقوم به الصهاينة من عدوان مستمر لأكثر من سبعة أشهر من قتل وهدم وتشريد يعتبر عاراً في جبين الإنسانية، وهي تكشف ادعاءات الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا والدول الأوروبية.
نستعرض في خلال الأسطر التالية ما تم تداوله عن الجهود التي قدمها عدد من المفكرين الغربيين من مختلف العالم:
غارودي.. مواقف ثابتة
أشهر غارودي إسلامه في العام 1982م، وكتب “وعود الإسلام” و”الإسلام يسكن مستقبلنا”. عرف الجمهور العربي والإسلامي غارودي لأول مرة بهذه المناسبة، وقد أطلق مواقفه من القضية الفلسطينية مُبكراً، لكن ما أعقب غزو لبنان من أحداث، قاده إلى مرحلة أكثر جذرية، فأصدر بياناً بعد مجازر صبرا وشاتيلا عام 1982 نشره في جريدة “لوموند” الفرنسية بعنوان “معنى العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان”.
وكان هذا البيان بداية صدام غارودي مع المنظمات الصهيونية التي شنت حملة ضده في فرنسا والعالم. فتحوّل بعد هذا الموقف من ضيف دائم على الإعلام إلى شخصية قاطعتها الصحف اليومية الفرنسية.
وقد واجه “غارودي” العديد من المصاعب، ففي العام 1998م دانته محكمة فرنسية بتهمة التشكيك في محرقة اليهود في كتابه “الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل”، حيث شكّك في الأرقام الشائعة حول إبادة يهود أوروبا في غرف الغاز على أيدي النازيين.
لم يفتح الكتاب في فرنسا نقاشاً أكاديمياً وعلمياً، بل فتح حملة إعلامية شرِسة ضدّ ما عُدّ مُعاداةً للسامية، لينتهي به المطاف في أروقة العدالة الفرنسية، فصدر بحقه حُكم بالحبس لمدة عام مع وقف التنفيذ، ورد غارودي على ذلك بكتابه “الإرهاب الغربي” الذي نشره عام 2004م في الجزائر، بعد أن رفضت دور النشر الفرنسية نشره خشية العقوبة أو التشهير.
رحل روجيه غارودي عام 2012 عن عُمر 99 سنة، تاركاً مؤلفاته كشواهِد عن الحدود الحقيقية لليبرالية الغربية والفرنسية بالأخصّ.
إدغار موران.. صوت صريح
في زمن بقاء إسرائيل موضوع تساؤل في عقد الثمانين من احتلالها للأراضي الفلسطينية، وفي غمرة العدوان الإسرائيلي على كل الحقوق الفلسطينية الدينية والمدنية والسياسية، وفي ظل دولة ولدت من صراع تفكيك الاستعمار، أسيرة أطروحاتها ولم تعد قادرة على التخلص منها، كالسلام بالقوة والتطبيع مع دول الأطراف العربية ما عدا فلسطين، يعد عالم الاجتماع الفرنسي “إدغار موران”، صوتا قادما من أعماق ثقافة تاريخية منفتحة على كل ما هو إنساني في الثقافات الأخرى، لفك شيفرة ذاكرة خصبة في صراع وجودي في أرض فلسطين التاريخية.
يعتبر إدغار موران، آخر المفكرين والفلاسفة المثقفين العالميين الأحياء في هذا القرن، الذين يخوضون معركة الأفكار والمعرفة، فهو ينظر إلى دور المثقف المعاصر بالإضافة إلى نشاطه ككاتب أو فيلسوف أو أديب، يتوجّه إلى الرأي العام، كحامل لرؤية إنسانية تغوص في المشاكل الجوهرية والشاملة والمرتبطة بالمصير الإنساني وبالسياسة والعدالة والقانون، للدفاع عن النزاهة الثقافية، وكذلك يلعب دورا أساسيا في الكتابة والتفكير بالمستقبل الآتي، في سياق إعلامي وعالم أكثر تخصصا، لتوحيد معايير الفكر في قضايا عالم سائر نحو الهاوية، وأن يكتب المثقف عن الظلم والمظلومية التي لحقت بشعوب معينة في هذا العالم.
لقد كان طلائعيا في اتخاذ مواقف صريحة من معظم القضايا المطروحة عالميا، ساعيا إلى تفكيك سيرورتها وفهم تناقضات كينونتها، عاش تجربة المقاومة في شبابه، غادر الحزب الشيوعي اعتراضا على فظائع الستالينية، وأيّد بقوة وبلا هوادة استقلال الجزائر، وكان من القلائل الذين ناصروا القضية الفلسطينية وتعاطفوا معها وكتبوا عنها.
لقد عاش المفكر والفيلسوف إدغار موران تجربة الإقصاء، هذا المفهوم الذي استخلصه من تجربة عن وفاة والدته، لقد تعرض إلى الإبعاد من طرف الأسرة حينما لم تكشف السبب في وفاة والدته، وهو في عمر العاشرة، فتركته يبحث عن الحقيقة لوحده، ولذلك يرفض إدغار موران كل ما له علاقة بالإقصاء، فكما تعرض للإهانة من طرف أسرته تعرضت القضية الفلسطينية للإهانة من طرف الأسرة الدولية التي ترفض معاقبة الكيان، وفي هذا السياق ينظر للقضية الفلسطينية على أنها قضية سياسية وليست دينية، وأنه يتم توظيف الدين فيها لأهداف سياسية، فالكيان الصهيوني الذي يستولي على مدينة القدس، يحرم الملايين من المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين من حقهم فيها. حتى وصلت بها المغالاة إلى اعتبار الأعياد الوطنية أعيادا دينية، ويجعل من القصة الدينية بشخصياتها أساس صراع سياستها مع الفلسطينيين قائلة: «إن الله يريد ذلك، إن الله وهبنا ذلك».
كما تأثر كثيرا بالظاهرة السيكولوجية المرتبطة باحتقار الشعوب، حينما انتقد الصهيونية باعتبارها منافية لليهودية الحقيقية وتلطيخاً لها، لتجريدها وطن الفلسطينيين وسرقة تاريخية لذاكرتهم.
إن المحرقة وإهانتها الإنسانية في حق كل سكان أوروبا بمن فيهم اليهود، والغجر والقاصرون. لم تكن درسا أخلاقيا لهم، بل حملوا كل تبعاتها إلى أرض فلسطين. لقد خاض المعارك الفكرية بلا تردد وعاش حمى الصراعات السياسية للنزاع العربي الإسرائيلي، حتى أوصلته إلى المحاكم في بعض الأحيان بتهمة القذف العرقي، ولاسيما حين كان يجابه المتطرفين اليهود والصهاينة في فرنسا نفسها، وأن يتم التعتيم على كتابه «العالم الحديث والقضية اليهودية» (2006) من كبريات الصحف والمجلات في فرنسا، بسبب مواقفه.
الدعوة لفك الحصار عن غزة
يعتبر الناشط والمفكر الأمريكي “نعوم تشومسكي” أحد المناهضين للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وقال: إن الحرب الإسرائيلية على غزة قلبت الموازين وأسهمت بشكل كبير في تغيير الصورة في العالم حول طبيعة ما يجري على الأرض، وهو ما عزز مفاهيم التضامن وحركات الدعم للشعب الفلسطيني، الذي تتعزز قوته يوما بعد يوم.
وظل يدعو خلال السنوات الماضية إلى فك الحصار عن قطاع غزة، وقبل عدة سنوات ترأس وفداً يضم عشرة مفكرين من أمريكا وفرنسا وبريطانيا وكندا لزيارة غزة، وفور وصوله دعا الكيان الإسرائيلي إلى فك الحصار الذي يفرضه على القطاع منذ سنوات، وقال في تصريح للتلفزيون الفلسطيني إن الرحلة كانت مضنية، “ولكننا وصلنا، وقد تمكنت من رؤية أشياء كنت آمل رؤيتها”.
وأكد المفكر العالمي الأميركي ” تشومسكي” أن التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية وصل إلى مستوى كبير مقارنة بما كان عليه في السابق، مشيرا إلى أن الدعم الدولي بدأ يتعاظم بقوة رغم كل التضييق والتهديد.
مواجهة الإبادة الجماعية
أما الفيلسوفة الأمريكية “جوديث بتلر” فقد قالت: إنه يجب أن نأخذ تعبير “إبادة جماعية” على محمل الجد لأنه يصف ما يحدث بالفعل، فالهجمات الإسرائيلية لا تستهدف المقاتلين فقط، وإنما تستهدف أيضا السكان والمدنيين في غزة، وهم يتعرضون للقصف والتهجير.
وتُعد بتلر واحدة من عشرات الكتاب والفنانين اليهود الأمريكيين الذين وقّعوا رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن يدعون فيها إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وهي أيضاً عضو في المجلس الاستشاري لمنظمة الصوت اليهودي من أجل السلام.
وأشارت بتلر في مقابلةٍ أجرتها قبل أيام مع منصة “ديموكراسي ناو”، إلى وجود “خطط توضع من أجل نقلهم (سكان غزة) من منازلهم ومسح غزة بأكملها”.
وأوضحت أن “هناك جماعات قانونية مثل مركز الحقوق الدستورية الذي نشر دراسة من 40 صفحة يشير فيها إلى الأسباب التي تؤكد صحة وصف ما يحدث للفلسطينيين الآن بالإبادة الجماعية”.
وأضافت أن “مراكز أخرى تدرس القانون تُظهر أن الإبادة الجماعية لا تبدو دائماً مثل تلك التي قام بها النظام النازي، بل يمكنها أن تكون أيضاً تهديداً منهجياً للحياة والصحة والقدرة على الاستمرار”.
وتُعدّ بتلر واحدة من أهم الفلاسفة المعاصرين المنخرطين في القضايا العالمية الراهنة، خصوصاً لدورها التأسيسي في دراسات الفكر النسوي وإسهاماتها في الفلسفة الأخلاقية وفلسفة ما بعد البنيوية عموماً.

قد يعجبك ايضا