رغم السيطرة الصهيونية على وسائل الإعلام العالمية وتجنيدها لخدمة أهدافها ومصالحها، وهو ما كشفته حربها الإجرامية على غزة، إلا أن هناك بعض الإعلاميين الذين هالهم الإجرام وغيّروا وجهات نظرهم بغير الاتجاه الصهيوني، منهم من استقال بسبب الإملاءات والأوامر التي تهدف إلى تغيير الحقائق لصالح الكيان الصهيوني، ومنهم من أقيل.
موريس مورغان الصحفي الإنجليزي المشهور بدأ مشواره في التضليل ودعم جرائم الإبادة، ثم استفاق من غيبوبته، لكنه لم يعد إلى رشده وكامل وعيه، الصحفي الأمريكي المشهور كريس هادجز- مدير مكتب صحيفة نيويورك تايمز في الشرق الأوسط، والحائز على جائزة بوليتزر للصحافة، دمعت عليناه وهو يصف جرائم الإبادة الجماعية في غزة، وأكد أن إسرائيل تهدف من تلك الجرائم (ضد الإنسانية) وجرائم الإبادة والحصار والتجويع وتهجير الفلسطينيين قسريا إلى سيناء، وفقا لوثيقة سرية مسربة لوزارة المخابرات الصهيونية بتاريخ 13 أكتوبر 2013م وذلك بهدف تحقيق حلم إسرائيل الكبرى، وهؤلاء أكثر إجراما من الفاشيين لا يرحمون أحداً، وهدفهم إخلاء غزة من سكانها.
لقد أثبتت الحرب الإجرامية المسلطة على غزة أن هناك صحوة ضمير لدى بعض النخب السياسية والإعلاميين والشعوب، وأثبتت أن هناك من ماتت ضمائرهم وإنسانيتهم، فذهبوا لتأييد الإجرام والدفاع عنه بكل وقاحة وجرأة، المفكر اليهودي اليساري نعومي شومسكي وجه دعوة للمثقفين والمفكرين –لعدم الانسياق كالقطيع لدعم سلطة الدولة الخاصة- التي تريد أن تحكم العالم من خلال السيطرة على المال والثروات والسلطة وهي دعوة شجاعة لمواجهة اللوبي الصهيوني الأمريكي، فأمريكا -وفقا لوجهة نظره- غزت العراق بعمل عدواني صارخ- لا يستند إلى الشرعية الدولية بل بناء على قرارات أمريكا وحدها، ويشكل حالة نموذجية تنتظرها محكمة نوفبرج للجرائم الدولية، كجرائم حرب وجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية، ولكن الإعلام لا يتحدث عنها على أنها جريمة غزو ويدعمها مع اعتراف الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما بأن ذلك كان خطأ استراتيجياً فادحاً ولن تفلت أمريكا من العقاب.
ومن هنا نجد أن أمريكا لا تستطيع ولن تسمح بإدانة جرائم الإبادة، والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الصهاينة في غزة، لأنها ارتكبت أبشع منها في العراق وغيرها من البلدان كفيتنام وأفغانستان، ومثل ذلك بريطانيا برغم- أن هناك جدلا في مجلة التايمز اللندنية في اتجاه تأييد الاعتراف بجرائم الإبادة الجماعية للإمبراطورية الاستعمارية البريطانية التي ارتكبها جيشها قبل مئات السنين، وهذا المبرر لعدم معارضتها لجرائم الكيان الصهيوني على أرض غزة وفلسطين، وهي أيضا من أعطت وسلمت فلسطين لليهود بناء على وعد بلفور وقسمت الوطن العربي بينها وبين بقية الدول الأوروبية فرنسا وإيطاليا وروسيا وألمانيا وغيرها من الدول الاستعمارية التي مارست أبشع الجرائم في حق الشعوب المتخلفة أو النامية مجازاً وهي التي وضعت الحدود بناء على ما يحقق استراتيجيتها ويؤمن مصالحها على المدى القريب والمتوسط والبعيد، واستعانت بالعملاء والخونة في تثبيت الفرقة والشتات بين أبناء الأمة الواحدة والملة الواحدة، مما جعل كل محاولة لتجاوز الافتراق إلى التوحد والالتحام تحارب ولكن بواسطة السلطات والهيئات الرسمية، وبينما تتضافر جهود التوحد لدى دول الاتحاد الأوروبي بثقافاته المختلفة وأديانه المتعددة، ولغاته المتنوعة، وتاريخه المتشظي في الاحتراب والانقسام، نجد السعي الحثيث في سياسات الغرب وعملائه في الوطن العربي والأمة الإسلامية يعملون على تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم، فالسودان إلى جنوب- شمال، والعراق أيضا، وسوريا ولبنان واليمن والسعودية وكلها معرضة للانقسام ولكن وفقا للزمن الذي يضعه المستعمر الجديد، وما يتفق مع مصالحه، وما يسعى إليه.
وإذا كان الهامش الديمقراطي ومساحة الحرية المشروطة في الغرب قد سمحت بتوجيه النقد للسياسات الإجرامية وأيضا بالمظاهرات، فإن مساحة الاستبداد والاستعباد في الدول العربية قد حولت المجرمين والقتلة إلى حمائم سلام، والمعتدى عليهم إلى شياطين وإرهابيين يجب إبادتهم إما بالأسلحة المحرمة دوليا أو بالحصار والتجويع، وأما الشعوب فالسجون مقر للعلماء والمثقفين وصناع الرأي العام، حتى الدعاء على الظالمين والمجرمين جريمة تستوجب العقاب، والمساءلة والاتهام، فما بالك بالمواطن العادي.
جرائم الإبادة تتوالى واحدة بعد أخرى، وكلما أدان العالم واحدة، تبعتها ثانية، ومع ذلك فإن الإعلام المتصهين يبرر ذلك ويبارك المزيد ويحمل الضحية والمعتدى عليه المسؤولية، ويطالب بإطلاق سراح أسرى الحرب لدى المقاومة مع أن الكيان الصهيوني يحتجز الشعب الفلسطيني كرهينة ويحتجز في سجونه الآلاف من أبطال فلسطين بالاشتباه، بل بلغة الرحمة من قبل عضو حكومة الصهاينة بن غفير – حينما سئل عن الأسرى- هل لديهم غذاء كما تفعل المقاومة “رعاية المحتجزين”؟ فصرح بالحرف الواحد- الأسرى الفلسطينيون يجب قتلهم بطلق في الرأس “قانون إعدام الأسرى”، وحتى تمرير قانون الإعدام سوف نعطيهم القليل للعيش لا أكثر من ذلك، هذه التصريحات وغيرها من تصريحات الحاخامات ورئيس الكيان ورئيس الوزراء في وجهة نظر القطيع المتصهين لا تشكل إرهابا ولا تستحق الإدانة والشجب والاستنكار، لأنها صادرة عن من يجب لهم الطاعة والولاء، أما من يناصر المستضعفين على أرض غزة وفلسطين دولا، أو أفرادا فهم مدانون ويجب معاقبتهم، ولو كان ذلك على حساب الدين والمبادئ والأخلاق والقيم.
يقولون إن الصهاينة استطاعوا مواصلة الحرب وهم المعتادون على الحروب الخاطفة، والسبب في ذلك أن هناك جيشاً من المرتزقة يمارس جرائم الإبادة ومن خلفه دعم دولي رهيب وعربي عجيب، ولولا ذلك لانهار،- ولكن البطولة هي الصمود الأسطوري للمقاومة المحاصرة من الإجرام الصهيوني الصليبي، والصهيونية العربية، وجيش الخونة والعملاء العرب، صنعوا أسلحتهم بأنفسهم وواجهوا العدو من مسافة صفر وأدناها وسطروا ملاحم في مبادئ الثبات والشجاعة والتحدي ستظل تذكر كالأساطير والبطولات النادرة للفئة المؤمنة التي بشر بها خاتم الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا محمد بن عبدالله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويصدق فيهم قول الله سبحانه ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ”.