الرصاصة قتلت بايدن .. قبل أن تجرح ترامب

محاولة اغتيال ترامب حلقة خطيرة في الصراع السياسي الأمريكي

 

الثورة /تقرير / إبراهيم الوادعي

تعكس محاولة اغتيال المرشح الجمهوري والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حالة الانقسام الداخلي الحاد الذي بلغته الإدارة الأمريكية والذي تمعق أكثر خلال السنوات التي أعقبت اقالة ترامب بمزاعم تزوير انتخابي امن بها مناصروه.
الكرملين وبتلميح اقوى من التصريح أشار بأصبع المسؤولية عن الحادثة إلى الإدارة الأمريكية الديمقراطية في محاولة الاغتيال لترامب باعتبارها الطريق الذي تفضل الإدارة الأمريكية عادة سلوكه عند انسداد الحلول وخاصة في القضايا الدولية بحسب دميتري بسيكوف، الناطق باسم الكرملين.
والموقف الروسي لا ينفصل عن الكباش الداخلي الأمريكي حيث يتهم ممثلون جمهوريون ، الديمقراطيين بالوقوف وراء محاولة الاغتيال الفاشلة لترامب ومحاولة اغتيال أخرى لمرشح جمهوري لمجلس الشيوخ قبل أسبوعين.
وبعد دقائق من محاولة الاغتيال غصت منصات وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسية في الولايات المتحدة بمنشورات اتهم بعضها صراحة الرئيس بايدن بانه من امر بإطلاق النار على التجمع الانتخابي لترامب.
وتناقلت بشكل كبير رواية شاهد عيان لقناة BBC News أنه شخصيا شاهد رجلا يحمل سلاحا ناريا على سطح أحد المنازل المجاورة، وأنه بحث عن عناصر الشرطة وأبلغهم بوجود الشخص المثير للشبهة، إلا أن رجال الشرطة لم يعيروا أي اهتمام لتحذيره، ولم يتخذوا أي إجراء.
وقال الشاهد لـ بي بي سي : لماذا لم يبعدوا ترامب عن المنصة؟ كنت واقفا وأشير للشرطة إلى الرجل الذي يحمل البندقية لمدة دقيقتين أو ثلاث دقائق. رجال الخدمة السرية نظروا إلينا من السطح، قمت بالتأشير لهم إلى السطح حيث المسلح، وفي اللحظة التالية سُمعت خمس طلقات”.
شبكة “سي أن أن” القريبة من الحزب الديمقراطي، أوردت هي الأخرى معلومات مربكة عن مطلق النار وقالت بأن القناص الذي حاول اغتيال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مقرب من مجوعة ديمقراطية وتبرع بمبلغ 15 دولارا للديمقراطيين، رغم تسجيله كعضو في الحزب الجمهوري، وحدد مكتب التحقيقات الفيدرالي، هوية مطلق النار على ترامب بأنه “توماس ماثيو كروكس” 20 عاما.. والذي قتل لاحقا.

ووفق الشبكة الأمريكية، فقد أظهرت السجلات العامة أنه تم تسجيل كروكس للتصويت كجمهوري، لكنه قدم تبرعا صغيرا لمجموعة متحالفة مع الديمقراطيين في عام 2021.
لطالما رأى انصار ترامب أن الملاحقات القضائية– واجه ترامب 4 تهم قضائية تتعلق بتزوير محررات تجارية لإخفاء اثر مبالغ مالية وشراء صمت ممثلة اباحية خلال انتخابات 2006م – وتلك قضايا نظر اليها انصار ترامب بمثابة محاولة اغتيال قضائي، وهم قطعا سينظرون إلى محاولة الاغتيال بمثابة خطوة في هذا الاتجاه ، بعد فشل بايدن في وضعه خلف السجون لإبعاده عن السباق الرئاسي .
الرصاصة التي لم تقتل ترامب، قتلت بايدن عمليا ، ووصوله إلى البيت الأبيض مجددا سيغدو بعد فشل محاولة ترامب أكثر صعوبة ، إن لم يكن من المستحيل.
يحظى ترامب بشعبية كبيرة لدى البسطاء والفئة الرمادية داخل أمريكا بعد أن حقق خلال فترة رئاسته خفضا كبير لمنسوب البطالة، عبر إلزام الشركات الأمريكية العودة إلى العمل من جديد وفتح مصانعها داخل أمريكا، بعد أن غادرت طويلا إلى الدول المجاورة والى الصين بحثا عن الأرباح الكبيرة بتشغيل ايد عاملة رخيصة، ومنع الهجرة ، وحتى على المستوى السياسي والنخبوي فالرجل جلب المليارات الخليجية إلى الخزائن الأمريكية في ظرف قصير، وجعل الحماية الأمريكية للممالك الخليجية مدفوعة الثمن بعد أن كانت مجانية أو شبه مجانية لعقود، ورفع مستوى المشاركة المالية الأوروبية في الناتو على حساب الحصة الأمريكية .
كما يحظى ترامب بدعم مطلق من اليمين المسيحي والذي يؤمن بإسرائيل اكثر من ايمانه بأمريكا ذاتها ، فترامب هو الرئيس الوحيد الذي حقق لإسرائيل الكثير من المطالب التي أجفلت عنها إدارات جمهورية وديمقراطية على السواء في الماضي مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيل ، والاعتراف بالجولان جزءا من ارضي الكيان ، ولذا يفهم تمني بنيامين نتنياهو أن يصل ترامب إلى سدة الحكم في الولايات لمتحدة وهو لايزال على رئاسة الحكومة الصهيونية ، وهو يعمل لذلك عبر كسب الوقت عبر التفاوض غير الجاد لإنهاء الحرب على غزة .
يكشف الملياردير الأمريكي ديفيد ساكس عن أكبر خطأين ارتكبهما جو بايدن بعد وصوله إلى البيت الأبيض وهي الملاحقة القضائية لترامب وحرب أوكرانيا ، ولاشك أن محاولة اغتيال ترامب فيما لوثبت وقوفه خلف المحاولة ، بكونه الخطأ الثالث والقاتل ، خاصة وان المحاولة أتت بعد أيام من اتهام بايدن لترامب بانه يمثل اليمين المتطرف حسب قوله، ويجب أن يخسر كما خسر اليمين في فرنسا والذي حل ثالثا بعد أن تصدر الجولة الأولى في انتخابات الجمعية الوطنية الفرنسية مطلع يوليو الحالي.
قد لا تكون هذه المحاولة ألأولى أو العملية الأولى لاغتيال رئيس أمريكي أو مرشح رئاسي في أمريكا ، يحفل التاريخ الأمريكي بنحو 13 محاولة اطلق فيها الرصاص على رؤساء ومرشحين أمريكيين نجح منها 5 عمليات كان ابرزها اغتيال الرؤساء أبراهام لنكولن وجيمس جارفيلد وويليام ماكينلي وجون اف كندي ، والمرشح الرئاسي روبرت كنيدي ، لكنها الأولى تأتي في ظل انقسام أمريكي داخلي حاد بلغ حد التخوين والصدام المسلح بين شارعي الفريقين الرئيسيين، ووسط تزايد المؤيدين للانفصال عن الولايات المتحدة ضمن الولايات ، واستفتاء حول رغبة انفصال أجرتها ولايات أمريكية كنيوهامبشير وكاليفورنيا، ألاسكا، لويزيانا، فلوريدا وتكساس التي طردت شرطة الحدود الفيدرالية من أراضيها مما كاد يدفع بمواجهة وتدخل من قبل الجيش الأمريكي.
يمثل الترامبيون اليوم تيارا قويا ليس فقط يفرض خياراته داخل الحزب الجمهوري ، بل يلقي بتأثيراته داخل أمريكا ، وهو تيار أيضا لا يخلوا من امتهان العنف وتمجيده لتصفية الحسابات مع الخصوم الذين يتهمهم بالنازية وسرقة فوزه قبل 4 سنوات ، وقد سجلت العديد من أعمال العنف خلال وبعد خسار ة ترامب الانتخابات الرئاسية ، ولعل ابرزها كان اقتحام مبنى الكابيتول في العاصمة الأمريكية واشنطن، وخلال الملاحقات القضائية تزعزعت ثقة الترامبيين في أجهزة الدولة الأمريكية الرسمية ، وتحدثوا بوضوح أنها أضحت العوبة في دي بايدن والديمقراطيين وطرفا في الصراع السياسي وذلك له مغزاه الخطير على بقاء الولايات المتحدة.
قبل نحو 10 سنوات من اليوم ونزول التظاهرات المنددة بفوز ترامب تحدثت فديريكا موغريني مسئولة العلاقات الخارجية سابقا في الاتحاد الأوربي أمام البرلمان الأوربي عقب زيارتها إلى الولايات المتحدة للوقوف على خلفية الوضع هناك عن انقسام حاد افقي وعمودي بلغ مستوى الأحقاد تعيشه الولايات المتحدة.
وختمت في معرض التنبيه للقارة الأوروبية: أمريكا التي ترونها اليوم لن تكون موجودة بعد 10 سنوات، أقله بشكلها الحالي.
وليس بعيدا يمكن القول أن النظام السياسي الذي يقمع طلابه عن التعبير عن آرائهم تجاه قضية إنسانية كفلسطين، ويعرقل أي أجراء دولي لوقف حرب الإبادة ضد قطاع جغرافي صغير هو غزة ليس بعيد عن التعامل داخله بلغة العنف البعيدة عن المبادئ الديمقراطية التي يروج لها، وثبت كذبها بجلاء خلال 8 اشهر من الإبادة الصهيونية في غزة.
ومن نافل القول أن الرجلين لا يختلفان موقفا تجاه غزة ، لكن محاولة الاغتيال لترامب تبدوا وكأنها اطلاق رصاصة على أمريكا في ظل وضعها المتأزم حد الانفجار داخليا والمهزوز خارجيا بعد العمليات اليمنية في البحر الأحمر، لن يهرع احد كما حصل عقب انتخاب ترامب للمساعدة في لجم الخلافات الداخلية او الصدام حال تطوره ، فأمريكا لم تعد الضامن الوحيد لمن البحار بعد هروبها من البحر الأحمر واهم ممرات التجارة الدولية.

قد يعجبك ايضا