بدأت الأصوات العالمية تتفق على أن الطريق إلى عودة الملاحة لوضعها الطبيعي في البحر الأحمر، يبدأ من إنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ورفع الحصار عنه وإدخال ما يحتاجه أبناؤه من غذاء ودواء، ودون ذلك، قد تتصاعد العمليات بشكل أكبر وعلى نطاقات أبعد، كما تؤكد صنعاء، وأعلنت عنه القوات المسلحة اليمنية وأكدت عليه مرارا وتكرارا، ولن تُجْدِي الممارسات والإجراءات الأمريكية على صعيد التضييق والتصعيد في الجانب الاقتصادي شيئا له قيمة في هذا الجانب، فتلك أوراق ربما كان لها أثر قبل أن تعمل صنعاء على امتلاك الأوراق المماثلة التي يغيّر تحريكها في معطيات معادلات الضغط.
ومع الضغوط الدولية – بما فيها الغربية التي باتت معلنة على غير رغبة حتى من يتبنوا طرح (الضغط) بضرورة انصياع أمريكا والكيان الصهيوني للإرادة اليمنية لصالح الشعب الفلسطيني، باعتبار الأمر إنساني بحت – مع ذلك ربما صار من الإنصاف الخوض اليوم بمطالب هي أوسع وأشمل وأضمن، خصوصا بعد أن تحدى الكيان الصهيوني الرأي العام العالمي وذهب يقتل ويدمر لتسعة أشهر في فعل إجرامي يستند إلى الحامية الأمريكية، وسيكون عليه في أبسط الأمور، الالتزام بكل أشكال التعويض للقطاع وأهله وإعادة إعمار ما دمرته آلته الحربية.
ومرور الإجرام الصهيوني ضد الفلسطينيين دون حساب، يعني على نحو أكيد تكرار جولات العدوان، وكلما بدأ الشعب الفلسطيني الأعزل يستنشق الهواء، ستعود الصواريخ والقنابل الأمريكية بالأيادي الصهيونية، تقصف فيه كل نبض، لذلك فإن الشدة والحزم في إلزامه بتحمل تبعات عدوانه يمكن أن يساهم ولو في الحدود البسيطة بدفعه للتفكير بعواقب أي فعل إجرامي قد يلجأ إليه في إطار هوايته الدموية.
البعض يراهن على تحرك العالم لفعل شيء، بدافع الوجع واستفحال تداعيات العاصفة الملاحية اليمنية التي تكونت بسبب الاعتداء على غزة، وصارت تعيق حركة سفن العالم المتواطئ مع الصهاينة، إلا أن القائم -مع ذلك- طيلة الشهور الماضية، هو أن المكابرة تدفع هذا العالم لامتصاص الآثار الاقتصادية التي تسببت بها عمليات معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، وسيظل يكابر، ليس فقط انتصارا للكيان على المقاومة، وإنما تأمينا لا بد منه لمستقبل قوى الاستكبار ومعه الغرب الذي ظل لقرون يعمل على فرض سيطرته وهيمنته على العرب والمسلمين ونهب ثرواتهم، ولذلك فإنه سيقاتل بكل ما أوتي من قوة حتى لا تقوم لهؤلاء العرب والمسلمين أي قائمة، وفي الرضوخ للتحرك اليمني فعل يصب في النتيجة التي عمل الغرب ولا يزال على (ألا يكون).
تؤكد الدراسات والبحوث والمؤشرات المالية والاقتصادية – المتأثرة سلبا بعمليات صنعاء ضد السفن التي تخترق قرار حظر التحرك لخدمة الكيان – أن المواطن الغربي بدأ يلمس ويعيش الآثار والتداعيات بصورة مباشرة متمثلة بارتفاع أسعار بعض المواد وانعدام تواجد مواد أخرى، إلا أن قادة الحقد على العرب والمسلمين يحاولون التخفيف من وطأة هذا المتغير، ومن تأثر سوق العرض للمواد على اختلافها غذائية أو تقنية، حتى لا يعطي ذلك، من ناحية، للعرب فرصة الشعور بالقدرة على كسر الداخل الغربي المتوهم دائما بالقوة والسيطرة، ولإدراكه أو لتوهماته المريضة، من ناحية أخرى، أن نهضة العرب والمسلمين يعني فناء لهم، لذلك فإن الغرب لا يخجل من التأكيد على أن المنطقة العربية والإسلامية لا بد أن تبقى مرتعا له وسوقا لكل منتجاته، ليس ذلك وحسب بل وتبقى بعيدة عن استخراج ثرواتها حتى لا تتحكم بعمليات العرض والأسعار.
اليوم.. القوة اليمنية – وقد تمردت على حالات الخنوع – تُشكل بؤرة مخيفة لمستقبل الغرب، وربما من هنا لم تتمكن مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الغربية من السير في خط قيادات المخططات ضد المنطقة، فخرجت عن غير رغبة تدق ناقوس الخطر على مستقبل الغرب، ولتُقر وتعترف بأن تداعيات العمليات اليمنية تتعاظم.