كثيرة هي التساؤلات المرتبطة بالعوائد والمكاسب التي حققتها أنظمة الارتهان والتبعية لأمريكا والغرب الاستعماري، عربية كانت أو إسلامية، وما هي الامتيازات التي جنتها شعوب هذه الأنظمة لقاء ارتهان أنظمتها للأنظمة الإمبريالية الغربية وللولايات المتحدة الأمريكية تحديدا..؟!
إذ أن هذه الأنظمة تعيش ظروفا اقتصادية منهكة، وتعيش حالة تمزق اجتماعي مريع، مجردة من سيادتها وقرارها الوطني، فيها نسبة الفقر والتخلف تنمو وتزدهر والبطالة ونقص في الخدمات وتدهور في قيمة عملاتها عاما بعد عام، فإذا استثنينا منها الأنظمة النفطية، سنجد أن ترف هذه الأنظمة يغطي إلى حد ما التشوهات الاجتماعية التي تعاني منها، رغم أن هذه الأنظمة تفتقر، رغم ثرواتها، لسيادتها وقرارها الوطني وعاجزة عن السيطرة الفعلية على ثرواتها التي تدار من قبل الشركات والبنوك الأمريكية والغربية، فيما أسواق هذه الدول تحولت إلى (بازارات) مفتوحة للمنتجات الأمريكية – الغربية- الصهيونية..!
أنظمة رغم امتلاكها الثروة إلا أنها عاجزة عن إدارتها لمصلحتها ومصلحة شعوبها التي تعتمد 100٪ على العمالة الوافدة، حيث نجد أن نسبة سكان دولة مثل الإمارات هناك مواطن واحد يقابله 50 وافدا وأن دولة إذا افترضنا أن عدد سكانها يصل إلى المليون، فإن عدد العمالة الوافدة فيها يتجاوز العشرة الملايين وهؤلاء هم الذين ينظرون لأنفسهم ومعهم حق بأنهم من عمَّروا هذه الدولة وبالتالي أصبح لهم الحق في الانتماء إليها كمواطنين وليسوا كخدم وهذا مارق تواجهه ( دولة الإمارات)، وتقف بعض المنظمات الحقوقية الأمريكية والغربية وراء هذه الظاهرة رغم تحالفها مع نظام هذا البلد، الذي ذهب إلى حد (التطبيع مع الصهاينة) وإقامة المعابد والارتقاء بعلاقته مع الكيان الصهيوني لمرحلة لم يقدم عليها أي نظام عربي (طبع مع الكيان) وفي المقدمة مصر والأردن..!
الأمر الآخر المثير للانتباه ما يتعلق بدولة عربية محورية بحجم ومكانة مصر، كبرى الدول العربية، وماذا حققت من مكاسب وعوائد جراء إبرامها اتفاقية سلام مع العدو وانحرافها عن مسارها القومي وتخليها عن أمنها القومي وعن نفوذها الجيوسياسي ودبلوماسيتها الناعمة التي كانت مصدر فخر وإلهام لمصر حتى عام 1974م..!
إن مصر حين كانت ذات قرار وسيادة وموقف، كانت تعيش ويعيش مواطنوها حياة اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية أفضل بكثير من مصر اليوم التي لم تحصد من ارتباطها بأمريكا غير المزيد من الويلات والأزمات التي أوصلتها لمرحلة عجزت فيها عن توفير الكهرباء والمياه النقيه لمواطنيها، ناهيكم عن بقية المنغصات الحياتية من أزمات السكن وأزمات رغيف العيش، وأزمات العمل وتنامي نسبة البطالة بين مواطنيها وانعدام الفرص أمام الشباب، فيما ديونها تتراكم وأصبحت العمولة على ديونها تتجاوز الديون بعشرات الأضعاف، مصر التي كانت سيدة امتها أصبحت مكبلة بأغلال التبعية المجانية لأمريكا والصهاينة والاستعمار الغربي وأصبحت عاجزة عن امتلاك قرارها أو أن تعبر عن إرادة ورغبات الشعب العربي في مصر الذي يعاني مرارة الارتهان وتبعية الانجرار الأعمى للقوى الاستعمارية التي ما تلبث أن تؤكد أن أعظم إنجازاتها يتمثل في استلاب القرار السيادي العربي المصري..!
مصر ذات المائة مليون نسمة تعيش أسيرة لرغبات نظام كنظام (عيال زايد)، محققة بمواقفها نبوءة الأمير السعودي الوليد بن طلال الذي قال ذات يوم (سأجعل مصر ترقص العرضة الخليجية)..!
لم يكن أحد ليلوم مصر أو أي نظام عربي أو إسلامي (طبع مع الصهاينة، وارتهن لواشنطن) وتمكن من توفير مقومات الحياة الكريمة لمواطنيه وتجاوز الأزمات والمنغصات الاجتماعية بكل صورها ومظاهرها، إن تحقق هذا لن يستطيع أحد أن يلومه، لكن أن تفقد كل مقوماتك السيادية وتعيش أنت وشعبك أزمات مركبة وتعجز كنظام عن توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة لمواطنيك وأزمات مركبة تلاحقك بدءاً من انعدام الأمن الغذائي، مرورا بالبطالة المتنامية وانهيار التعليم والصحة والخدمات الأساسية غائبة وعملتك في حالة انهيار متواصل ونفوذك الجيوسياسي لم يتجاوز حدود جغرافيتك، فما الجدوى إذاً من هذا الارتهان والتبعية المجانية..؟!
بعد حرب أكتوبر بدأ السادات يبشر بالجنة الموعودة التي سيدخلها الشعب العربي في مصر، معلنا (أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب) وأن النعيم قادم، رافعا شعار (افتحوا الأحزمة)، الشعار الذي أصبح لاحقا ولايزال محل تندر فناني الكوميديا المصرية..!
إن دويلات مثل (قطر والإمارات) أصبح نفوذها الجيوسياسي أكثر امتدادا على خارطة العالم من نفوذ دولة بحجم ومكانة وتاريخ مصر التي أصبح نفوذها يمتد من (قصر الاتحادية إلى معبر رفح)..!
مقابل ماذا..؟ لا شيء إلا التبعية والارتهان، وامتهان كرامة وطن وشعب ودور كان وتاريخ..!
مصر اليوم تتوسل مقومات الحياة وترهن قرارها السيادي وتفتح أراضيها لأباطرة الاستثمار الطفيلي وعملتها تتدهور وديونها تتراكم، محملة الدولة والشعب والاقتصاد أرباحاً خيالية، فيما نبوءة (السادات) لم تتحقق، بل تحققت نبوءة (بيجين وكيسنجر)..!
الأمر ذاته ينطبق على النظام الأردني وإن كان هذا النظام قد وجد ليؤدي دورا وظيفيا ولا علاقة له بما يجري في محيطه الجغرافي، فإن النظام الخليجي بدوره يهدر ثرواته لصالح الشركات الأمريكية -الغربية مقابل إغراق أسواقه بالمنتجات الاستهلاكية الترفية التي أوجدت شعوباً استهلاكية مجردة من هويتها ومن انتمائها، تعيش في مربع الملذات العابرة، ترى أن الحياة في الأكل والشرب والابتذال السلوكي والرفاهية العبثية المهينة لقيم وأخلاقيات وعقيدة هذه الشعوب، التي لم تعد ترى الكرامة إلا في توفير ممكنات الابتذال ومقوماته، بمعنى، أدق شعوب أصبحت ممسوخة تعيش في دائرة اللا وعي واللا هوية..!
مع أن بإمكان هذه الأنظمة المرفهة أن تستغل ثرواتها لبناء اقتصاد وطني وقومي وإسلامي وأن تصبح منافسة ومؤهلة لخوض معركة المستقبل بقدرات فعلية وليس بقدرات مصطنعة أو باستئيجار أدوات التقدم..!
إن دولة مثل دولة (آل سعود) كان يمكنها أن تكون قائدة للأمتين العربية والإسلامية بحكم ما لديها من مقومات، أبرزها احتضانها للمشاعر المقدسة وامتلاكها الثروة الوطنية وتلك عوامل تمكنها من الانفتاح لمحيطها العربي -الإسلامي بوعي عميق بدورها وأهمية تعزيز وترسيخ قيم وأخلاقيات الدين الإسلامي، بدلا من أن تجعل من نفسها عصا يتكىء عليها أعداء العروبة والإسلام..!
إن أكبر جرائم النظام السعودي التي أفقدته كل قدراته ونفوذه الجيوسياسي والاستراتيجي، ليس في تخليه عن فلسطين والمقاومة، وليس في تآمره على هذه القضية وأصحابها، وليس في تأمره على الثورة الإسلامية في إيران، التي كانت مساندة له وليست عليه، ولا في تآمره على العراق وسوريا ولبنان والمقاومة، بل إن أكبر جرائم هذا النظام إضافة لكل ما سبق من جرائمه، هي في عدوانه على اليمن التي هي بمثابة العمق الاستراتيجي لدول وأنظمة الخليج وليس (حديقة خلفية) كما حاول وأراد النظام السعودي أن يفرضه على اليمن من خلال أدواته في الداخل ومن خلال عدوانه الذي أفقده القدرة أمام كل التطلعات التي يتطلع إليها نظام آل سعود ولن يحققها بعد اليوم، لأن اليمن مؤهلة، رغم كل ما تعانيه اليوم، لأن تتجاوز هذا النظام وتحصره داخل نطاقها الجغرافي.
وللعلم كان ولا يزال النظام السعودي يرفض فكرة وجود دولة يمنية قوية مستقلة، لأن وجود دولة يمنية قوية مستقلة وذات سيادة، يعني ببساطة تحجيم إن لم يكن نهاية لنظام آل سعود، ثم إن أخطاء هذا النظام التراكمية أصبحت عائقا أمام كل محاولاته في إثبات حضوره وإن إعلاميا على المسرحين الإقليمي والقومي والدولي، لأن استهدافه لليمن وإيغاله في هذا الاستهداف، وصولا إلى شن العدوان عليه، فعل أفقده القدرة على السيطرة على محيطه الخليجي، بعد أن أصبحت كل من قطر والإمارات تخوضان منافسة جيوسياسية ضده، استغلالا لثرواتهما وعلاقتهما مع أمريكا والكيان الصهيوني والغرب، لدرجة أن أصبح التطبيع مع الكيان الصهيوني والتخلي عن قيم وخصوصيات وطنية دينية وثقافية وقضايا قومية، مسرحا للتنافس بين هذه المكونات وأصبحت غاية النظام السعودي هي استقرار العرش من صراعات داخلية ومن تداعيات جيوسياسية تعصف بالمنطقة والعالم، جعلت سفينة الصهاينة بمثابة الملاذ الآمن لهذه الأنظمة مع أن هناك من (خرقها ليغرق أهلها)، الذين بدورهم يجدون في علاقتهم مع هذه المكونات ملاذاً ينجيهم من مصير محتوم ماثل في الأفق منذ أكتوبر من العام الماضي، فيما المسرح الأوكراني يترتب على نتائجه القريبة مصير هذه الأنظمة والعالم.