كشفت بعض وسائل الإعلام النقاب عن خبر صادم للمغاربة والمتمثل في سماح السلطة المغربية للسفن الصهيونية بالرسو في ميناء طنجة الدولي قبل استئناف رحلتها نحو إرهابها أهل غزة بأطنان من الأسلحة والمتفجرات المحملة من بلاد العم سام، والتي حولت أجسادهم الطاهرة إلى أشلاء مخلفة دمارا هائلا ينتمي إلى زمن الحرب العالمية الثانية، الشيء الذي حول المغرب رسميا إلى شريك في الحملة الإرهابية الإسرائيلية على القطاع الصامد، ولو كانت هناك عدالة دولية لكان لزاما أن يُجَرَّ المسؤولون المغاربة للمحاكم إسوة بمن يكفلون نظامهم السياسي من الصهاينة.
الواقع أن شهادتك على ظلم وقع في أي مكان دون أن تدفعه أو تعرب عن استنكارك له كأضعف الإيمان، هو فعل غير أخلاقي يحط من قدرك، فكيف إن كان نظامك الحاكم يسند هذا الظلم؟ وكيف إن كان ضحاياه ينتمون لنسيجك الثقافي العربي والإسلامي والذين كلفوا بلدك برئاسة لجنة قضيتهم وقضيتك المقدسة، لكن مسؤوليك اختاروا أن يديروا ظهرهم لها وأن يعمقوا الصلة بمن ينتهكها ومن ينتهك حرمات الشعب الذي يحرسها؟
رفض الإسبان لاستقبال السفينة الصهيونية في ميناء إحدى مدنها الساحلية وقبول المغرب لذلك أمر مخجل، إذ يظهر النظام المغربي بمظهر المرتزق الذي يقبل على نفسه لعب أي دور مهما كان قذرا، وهو ما ترفضه الأنظمة التي تحترم نفسها، ففي الوقت الذي تتصاعد فيه دعوات مقاطعة الكيان في صفوف مختلف شعوب العالم والذي باتت فيه الأنظمة الداعمة له تجتهد لتلطيف خطابها وتبييض صورتها حتى تتهرب من تحمل مسؤولية جزء من فظائعه، أبى النظام المخزني إلا أن يلصق هذا العار الأبدي به والذي لن تطويه صفحات التاريخ.
حفاظ المغرب الرسمي على علاقته مع الكيان وتعامله الاستخباراتي والعسكري المكثف معه، رغم لطمة صورة نتنياهو الأخيرة له وهو يحمل خريطة العالم العربي، يدل على أن ملف الصحراء لم يكن الدافع الأساسي للتطبيع وأنهم مستمرون فيه وبمستويات عالية، فالقوم وإن خذلهم مسؤولو الكيان يتصرفون كالعبد الذي لا يبرح الأبواب ولا يستسلم لإهانات سيده، والذين يعيشون على سراب تلبية مطامحهم السياسية عبر البوابة الإسرائيلية، كما أن تعلقهم به مرتبط في الدرجة الأولى بالتماس الحماية الخارجية من أجل شرعنة بقائهم.
الحقيقة أن النظام المخزني منسجم مع عقيدته السياسية القائمة على الولاء الخارجي وذلك منذ الحماية الفرنسية – الإسبانية له وصولا إلى الحفاظ على لوثة الفرنكفونية ثقافيا واقتصاديا إرضاء للسيد القديم مع الحرص على البقاء تحت المظلة الأمريكية دون أن ننسى تسوله الدائم للمال الخليجي. واليوم مع ترهل قوة سادة البيت الأبيض في عصر تعدد الأقطاب تعقدت خريطة النفوذ في المنطقة، وقد أضحى الحل الأسلم للعقل المخزني المحدود الذي عجز عن اجتراح أساليب دبلوماسية تحافظ على استقلاليته وتضمن مصالحه هو التبعية المطلقة للكيان الصهيوني وهذه المرة دون وساطة من أحد، حتى يحفظ وجوده ويمنع عن نفسه الشعور باليتم السياسي.
المفارقة تكمن في تنافر الموقف الرسمي والشعبي، فالمغاربة الذين هبوا للتنديد بالعدوان الصهيوني على غزة بالمئات من الفعاليات الحاشدة على مدار كل أسبوع يكافئهم نظامهم السياسي بالإمعان في خدمة الكيان الإجرامي وهو في ذروة توحشه، والذي لم يكلف نفسه عناء التخفيف من مؤازرته له ولو مؤقتا، وهم وإن توقعوا هذا المسار التنازلي من سلطتهم السياسية التي خبروا ممارساتها جيدا، فإن حجم جرأتها بتوريط بلدهم في واحدة من أبشع حروب العصر الحديث يظل أمرا صادما بالنسبة لهم.
المتأمل في مغرب ما بعد ديسمبر 2020 يلحظ أنه فقد زمام أمره وتحول إلى ألعوبة في يد الإسرائيلي، حيث بلغت وقاحته في الاعتراض على الحراك الشعبي ضده وتوبيخه المستمر للسلطة المخزنية بسببه، بعد أن امتلك حرية التصرف في كل مقدرات البلاد بطولها وعرضها والتي أمست مستباحة له، فابتدع مزارات يهودية أضفى عليها قدسية كاذبة، وتوغل في الأحياء العريقة، وأضحت المنتجعات المغربية مستراحا لأصناف من عتاة مجرميه، وحتى الثكنات العسكرية اعتاد الضباط الصهاينة على دخولها، واليوم تريح السفن الحربية في موانئ المغرب وتتزود فيها بما يلزمها من مؤن ومن وقود في أريحية تامة كأنها ترسو في أحد موانئ فلسطين المحتلة، فهل عاد هناك فرق ملموس بين ميناء طنجة وميناء حيفا؟
كاتب مغربي