الثورة / وكالات
يواجه سكان محافظتي غزة وشمال القطاع كابوسا “مميتا”، مع تفاقم أزمة المجاعة التي تهدد حياتهم بسبب استمرار الحرب المدمرة لشهرها التاسع، وما رافقها من تشديد للحصار ومنع أو تقنين إدخال المواد الغذائية المحدودة أصلا.
وتتفاقم الأوضاع الإنسانية في هاتين المحافظتين بفعل النقص الحاد في المواد الغذائية والخدمات الأساسية وما تزامن معها من تدمير المنازل والممتلكات والبنى التحتية، حيث يقول الفلسطينيون إنهم يخوضون يوميا “معارك للبقاء”.
وبعد مرور 9 أشهر، دخلت ملامح المجاعة إلى كل بيت ومأوى للنازحين سواء كان خيمة أو مدرسة أو مستشفى أو مركز، حيث أصبحت شبحًا يطارد آلاف الأسر المكلومة الذين يتألمون تحت وطأة الحرب والتشرد.
ويوم الأربعاء الماضي، قال القيادي في حركة “حماس” عزت الرشق في بيان، إن المجاعة في قطاع غزة قتلت 40 طفلا، فيما يواجه 3500 طفل خطر الموت بسبب سوء التغذية ونقص المكملات الغذائية والتطعيمات بسبب الحصار الإسرائيلي.
9 من كل 10 أطفال يعانون نقص غذاء
في محافظتي غزة والشمال، يظهر على الفلسطينيين خاصة الأطفال منهم آثار الجوع الذي ينهش أجسادهم.
يتجول هؤلاء يوميا في الشوارع بـ”أجساد نحيلة ووجوه شاحبة وباهتة وعيون بارزة”، بحثا عن ما يسد رمقهم.
وفي 7 يونيو الجاري قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” إن 9 من بين كل 10 أطفال في غزة يعانون من نقص خطير في الغذاء، وأن سوء التغذية يزيد من الخطر على الحياة في القطاع.
وأفادت في تقرير، بأن “الوضع في غزة يظهر أن الأسر غير قادرة على تلبية الاحتياجات الغذائية لأطفالها، الأمر الذي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الأطفال”.
كما دعت الحكومات إلى “اتخاذ خطوات ملموسة لمنع نقص الغذاء لدى الأطفال”.
ويعتمد أهالي شمال القطاع ومدينة غزة على الأعشاب البرية لإطعام عائلاتهم، وبعض المعلبات التي ادخروها في وقت سابق والتي نفدت عند الكثير منهم.
وتفتقر غالبية مناطق قطاع غزة، خاصة الشمالية وبشكل كامل لـ”الخضار والفواكه واللحوم”، ما يفاقم مخاطر وتداعيات سوء التغذية.
وقد سُجلت خلال الأشهر الأخيرة في شمال غزة ومدينة غزة وفيات عديدة بسبب نقص الغذاء بينهم أطفال.
نصف السكان يواجهون الموت والمجاعة
وفي 12 يونيو الجاري، توقع مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أن نصف سكان قطاع غزةيواجهون الموت والمجاعة بحلول منتصف يوليو المقبل.
بدوره، قال إسماعيل الثوابتة، مدير المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع، إن “غزة تتجه نحو مجاعة بشكل متسارع، والاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية يقودان مؤامرة لمنع وصول المساعدات والبضائع إلى شعبنا الذي يعاني آثار الحرب”.
وأضاف ان 3500 طفل خطر الموت بسبب سوء التغذية وانعدام المكملات الغذائية والتطعيمات، التي أصبحت ضمن البضائع الممنوعة من دخول قطاع غزة”.
وتابع قائلاً: “يصر الاحتلال والإدارة الأمريكية على دفع 2.4 مليون مدني في قطاع غزة نحو نفق المجاعة، وتكريس سياسة التجويع بحق الأطفال والمرضى، ومنع إدخال الغذاء والدواء في أسلوب خطير وغير إنساني ويأتي ضمن حرب الإبادة الجماعية التي ينفذانها ضد المدنيين في القطاع”.
ولفت إلى أن “جريمة منع إدخال المساعدات والغذاء كأداة للضغط السياسي من قبل الاحتلال والإدارة الأمريكية، أسهمت في تفاقم المعاناة في جميع محافظات القطاع بشكل ملحوظ”.
تجويع غير مسبوق
من جانبه، قال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده،: “ما نشهده الآن هو عودة للتجويع بصورة غير مسبوقة، مع انعدام قدرة السكان على التكيف”.
وأضاف: “تشير تقديراتنا إلى أن الرجال والنساء البالغين فقدوا في المتوسط ما بين 10 إلى 15 كيلوغرامًا من أوزانهم”.
وتابع: “هناك غياب لجهود دولية لإدخال المساعدات الإنسانية أو حتى لإثارة هذه الجريمة، ربما كان ذلك استسلاما للسياسات الإسرائيلية، والاعتقاد أن تصريحات الإدارة الأمريكية جادة فيما يتعلق بإدخال المساعدات عبر الميناء العائم”.
ولفت إلى أن “الميناء العائم على سواحل غزة غرضه بشكل أساسي دعائي ولم يقدم سوى فرصة لإسرائيل للاستمرار في فرض التجويع وإحباط كل الجهود الدولية الصادقة لإنهاء هذه الجريمة”.
ومنذ افتتاحه في 17 مايو الماضي، نقلت القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” لأكثر من مرة وبشكل مؤقت، الرصيف العائم إلى ميناء أسدود الإسرائيلي لأسباب قالت إنها ترجع لـ”ارتفاع أمواج البحر”؛ حيث كان آخرها يوم الجمعة الماضي.
وتقول أوساط فلسطينية إن الغرض من إنشاء هذا الرصيف هو “مصالح سياسية خفية لإسرائيل وواشنطن”، على خلاف ما يتم تصويره من جانب الطرفين كـ”خطوة إنسانية”.
ومنذ بداية الحرب، أغلقت إسرائيل معابر قطاع غزة ومنعت دخول البضائع، بينما سمحت بدخول كميات قليلة ومحدودة جدا من المساعدات الإنسانية منذ نوفمبر الماضي، عبر معبر رفح البري الحدودي مع مصر، قبل أن تسيطر على الجانب الفلسطيني منه في 7 مايو الفائت.
ومنذ سيطرة إسرائيل على الجانب الفلسطيني من المعبر، ترفض القاهرة التنسيق مع تل أبيب بشأنه، لعدم “شرعنة” احتلاله.
وخلال الأسبوع الماضي، دخلت أعداد محددة من الشاحنات التجارية إلى جنوب قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، فيما لم تصل إلى شمال القطاع.
ومع ذلك، شهدت هذه السلع ارتفاعًا كبيرًا في أسعارها، مما جعل سكان القطاع غير قادرين على شرائها بسبب نقص السيولة في ظل فقدان وظائفهم، بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 9 أشهر.