بعد نصف عام من العدوان على غزة، والذي فرض حقائق وشواهد واضحة للعيان معززة بتقارير أمريكية وغربية وحتى إسرائيلية، تؤكد فشل العدو الإسرائيلي في تحقيق أهدافه المعلنة في غزة، بالرغم من التدمير الشامل الذي طال القطاع والأعداد الكبيرة من الشهداء والجرحى، كذلك تؤكد هذه الحقائق فشل الولايات المتحدة في حماية أمن التجارة الصهيونية في البحرين الأحمر والعربي بالرغم من تشكيلها تحالفًا دوليًا لتنفيذ هذه المهمة.
الغليان والتوتر والتصعيد في الشرق الأوسط، مرده الدعم الأمريكي غير المحدود لكيان العدو الذي أضحى “فوق القوانين الدولية والإنسانية”، لكن هذا الدعم، وإن نجح في الشق السياسي بهيمنة واشنطن على مجلس الأمن وقراراته، إلا أنه فشل في المواجهة العسكرية المباشرة، يتجلى ذلك في منسوب القلق الأمريكي من تصاعد وتيرة الاشتباك بين طهران “وتل أبيب” وجرّ المنطقة إلى حرب إقليمية.
وقبل خوض الولايات المتحدة مغامرة جديدة لمواجهة إيران في جبهة مفتوحة على كل الاحتمالات، عليها مراجعة الحسابات لنتائجها المخزية في البحر الأحمر وذلك استنادًا لارتباك وانفراط عقد تحالفها البحري بمغادرة دول وتعثر فرقاطات أخرى.
موقع “مارين شيبين” المتخصص في الأمن البحري قال إن وزارة الدفاع البلجيكية أجّلت نشر الفرقاطة “لويز ماري” في البحر الأحمر بسبب فشلها في التصدي لهجوم بطائرة مسيّرة، موضحًا أن صاروخًا مضادًا للطائرات علق في أنبوب الإطلاق في أثناء التدريب، ومشيرًا إلى أن الدفاعات الأخرى فشلت في إسقاط الطائرة الأمر الذي فرض على الفرقاطة البلجيكية البقاء في البحر الأبيض المتوسط وتأجيل مهمتها إلى أجل غير مسمى.
الصحيفة الفرنسية “لوفيغارو”؛ نقلت قبل أيام قصة انسحاب الفرقاطة البحرية الفرنسية “فريم ألزاس” من المياه الساخنة للبحر الأحمر وخليج عدن، بعد أن استنفدت جميع المعدات القتالية، وتنقل “لوفيغارو” عن قائد قائد الفرقاطة الفرنسية قوله: إن “مستوى التهديد والعنف في المنطقة كان مفاجئًا للبحرية الفرنسية لاستخدام من اسهاهم “الحوثيين” الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية بدقة متناهية، وعلى نحو مفاجئ ولافت، واتقانهم أسلوبهم الذي يصبح أكثر دقة كلما أطلقوا النار أكثر، وهذا الأمر كان مفاجئا بالنسبة للبحرية الفرنسية”؛ وفقًا لتأكيد القائد الفرنسي.
الأمر ينسحب على الدنمارك؛ حيث سارعت الدولة الأوروبية إلى سحب فرقاطتها “إيفر هويتفيلدت” من البحر الأحمر، خلال الأسابيع الماضية، بعد أن أظهرت عيوبًا دفاعية وتسببت بإقالة رئيس الأركان الدنماركي، وبريطانيا هي الأخرى، وبعد تعرض سفينتها الحربية “دايموند” لضربات يمنية دقيقة ومؤثرة، قررت سحب السفينة للصيانة واستبدالها بسفينة أخرى مع التركيز على إعادة إمدادها بالذخيرة قبل العودة إلى البحر الأحمر.
هذا كان حال السفن والبوارج الحربية المجهزة بأحدث تقنيات المواجهة والتصدي للصواريخ أو الطائرات المسيّرة، فكيف سيكون حال السفن التجارية في مسرح عمليات ممتد من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر؟ النتيجة يعكسها غرق إحدى السفن البريطانية في خليج عدن.
أمريكا التي عانت كثيرًا في إقناع الدول، سواء الغربية أو العربية، بالمشاركة في تحالفها البحري المزعوم، مطالبة اليوم بقراءة المشهد مليًّا قبل التورط في معركة جديدة خدمة لمصلحة كيان العدو ضد الجمهورية الإسلامية في إيران؛ لأن الوضع مختلف تمامًا، إن من حيث القدرات أو الأهمية لمضيق هرمز، والعاجز عن حماية سفنه وسفن العدو الإسرائيلي في البحر الأحمر قطعًا سيفشل في أي جغرافية أخرى.