في عادة الحملات العسكرية، يمتلك الجندي المهاجم معنويات أعلى من المدافع، نظراً للروح التعرضية، والتفوق النفسي والمعنوي الذي يكتسبه المهاجم، والنيران الكثيفة المصاحبة له، إلا أنه من الملاحظ في فيديو القسام، أن المقاتلين المدافعين يمتلكون معنويات أسطورية، تتفوق على معنويات الغزاة بأضعاف، نبعت غالباً من العقيدة القتالية التي يمتلكونها وراكموها من مرور الوقت، وهذه هي اللبنة الأساسية التي ساهمت في بناء هذا النجاح العملياتي.
يدافع عن منطقة الزنة ما قوامه سرية مقاتلين، ويهاجمها ما قوامه تشكيل لواء مختلط من مكونات الفرقة 98 (لواء كوماندوز بشكل أساسي، ولواء جفعاتي مشاة، واللواء السابع المدرع بشكل مساند)، هذا الفارق الكبير في القوة يحتاج إلى مقاتلين أشداء يملكون من الجلد والجسارة والعقيدة ما يعوضون به عن فارق العدة والعتاد والنار والتقنية، وقد نجح مقاتلو المقاومة في تعويض ذلك بالفعل.
بداية من قائد الكمين بخطبته العصماء الذي لا يُشق له في الخطابة غبار، مرتدياً كوفية العيّاش وعماد عقل وأبو عبيدة، ومن ورائه بندقية التافور، التي من الواضح أنهم غنموها من الكمين، كل حرف وكل إشارة تحمل دلائل كبيرة عن العمق الفكري والوعي السياسي الذي يمتلكه هؤلاء القادة، والذي يجعلنا نكون صورة أكثر عمقاً عن طبيعة جيش القسام.
أيضاً، رسائل المقاتل السياسية وحديثه عن نتنياهو تظهر قوة المقاتلين وإدراكهم ووعيهم وأنهم ليسوا مجرد مقاتلين يجيدون إطلاق النار، بل هم جنرالات عسكرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
ويمكن قراءة ذلك بشكل أدق من خلال متابعة المصطلحات ولغة التخاطب بين قادة الكمين في المشهد الثاني الذي يشرح عملية التخطيط للكمين٫ والذي يدلل على فهم عسكري عميق، وعلم أكاديمي رصين يتحلى به هؤلاء الرجال، الأمر الذي يشي بحجم الإعداد والتدريب العالي الذي خاضوه تحضيراً لهذه الحرب.
أما عن طبيعة قادة المجموعات المشرفين على الكمين، فهم يمتلكون دراية ميدانية ومهارة عالية ويبدو أنهم عايشوا الميدان بالحملة البرية جيداً واكتسبوا معرفة جديدة بمسارات وتحركات القوات الغازية وفهموا تكتيكات عدوهم جيداً في عملية التقدم والانسحاب ومسالك الاقتراب.
هذه العملية تمثل نقطة انكسار مهمة في العملية العسكرية على خانيونس، وهي تدق ناقوس خطر كبير عند العدو وتطرح تساؤلات متعددة حول جدوى العملية البرية برمتها، فإذا كانت المقاومة قادرة على فعل عسكري يشبه في تنظيمه وقوته عملية طوفان الأقصى بعد 6 أشهر، فماذا كانت تفعل 8 ألوية في خانيوس كل هذا الوقت؟ .
*كاتب فلسطيني