“كعك العيد” هو أحد أهم ما تقدمه الأسرة اليمنية خلال أيام العيد لزائريها من الأهل والأقارب والجيران والأحبة، وتعتبر صناعة الكعك من العادات اليمنية القديمة ومنه عدة أنواع، منها “الكعك العادي” و”الكعك المسكر” و”كعك بالجام والمربى” و”كعك بالتمر” و”كعك باللوز والمكسرات” وكعك بالشوكلاته” و”كعك بالحليب” وغيرها أنواع كثيرة.
الثورة / يحيى الربيعي
خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، تفضل النساء اليمنيات المسارعة إلى اختيار عدة أنواع من الكعك لتقوم بصناعته خلال هذه الأيام.. والمكونات الرئيسية للكعك هي “الدقيق الملح السمن الزبدة الخميرة الماء السكر” وتضاف إليه مواد إضافية، كل حسب نوع الكعك المرغوب، حيث يضاف التمر إذا ما أريد صناعة كعك بالتمر أو إضافة المكسرات إذا ما أريد كعك بالمكسرات أو إضافة الشوكلاته أو الحليب إذا ما أريد كعك بالشكولاته أو الحليب.. وغالبا تتم صناعة الكعك العادي أو الكعك المسكر.
ويتبقى تسخين الكعك ونضوجه، حيث تقوم بعض الأسر بتسخينه حتى يحمر في أفران الأسر الميسورة، والكثير من الأسر تقوم بإرسال الكعك إلى المخابز المجاورة في أحيائها ليتم تسخينها حتى تصبح صالحة للأكل وتقديمها للزائرين والمعيدين عليها خلال أيام العيد.
عبدالله الحيمي هو أحد العاملين في مخابز بشارع القاهرة بأمانة العاصمة، يحدثنا عن موسم تسخين الكعك في الأفران بالقول: خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان الكريم وخصوصا الثلاثة الأيام الأخيرة منه، نستقبل الكثير من الزبائن بغرض تسخين وتحمير كعك العيد الذي تتم صناعته في المنزل.
وإلى جانب ما يتحمله رب الأسرة من تكاليف شراء المواد الأساسية لصناعة الكعك من الدقيق والسمن والملح والزبدة والخميرة والسكر وغيرها، تضاف إلى ذلك دفع ثمن تسخينها في الفرن والذي يبلغ 200 ريال للصحن الواحد.
وفي حديث سريع مع الأخ أيوب ناشر –صاحب بقالة- كان يصطحب معه عددا من صحون الكعك التي تم عملها في المنزل وجاهزة لإدخالها للفرن.. يقول: إنه حضر إلى المخبز كي يتمكن من تسخين صحون الكعك، كما جرت العادة، حيث يقوم الأهل بإعداد الكعك كل عام قبل العيد بأيام لكي يتم استقبال الضيوف المسلمين.
وعن حلويات العيد يقول ناشر: هذا العام، نظرا لارتفاع أسعار الزبيب والحلويات والمكسرات والمكونات الأخرى، قمنا بزيادة كمية الكعك وخففنا الكثير من من تلك الحلويات والمكسرات كحل معقول لتغطية ما لم نتمكن من شرائه بنفس الكمية التي كنا نشتريها كل عام، بسبب ضعف الدخل، فنحن من ذوي الدخل المحدود.
أما الأخ عبدالله الشميري –موظف بالأشغال- فيقول: إن ارتفاع الأسعار والأحداث التي تمر بها البلاد من العدوان والحصار وانقطاع الرواتب، أثرت كثيرا على مصادر دخول الأسر.. حتى أننا لم نقم بالإعداد الجيد والمناسب لهذا العيد خلاف كل عيد.. حيث كنا نقوم بشراء أنواع كثيرة من الحلويات والمكسرات والبسكويت والعصائر.. أما الآن فقد عملنا على توفير بعض المكسرات والتركيز على صناعة الكعك.. لأننا نستطيع عمله في المنزل ولا يكلفنا الكثير.
المعمول والكليجة
وهناك العديد من البيوت في الدول العربية تجد أن آخر عشرة أيام من شهر رمضان فرصة لصناعة كعك العيد، لما له من بهجة خاصة ولكي تعيش هذه الأسر الأجواء السعيدة في العيد، فتقوم بعمل الكعك في المنزل وسط الأطفال.
وإذا نظرنا إلى تسمية كعك العيد، فهناك من يرى أن لفظ “كعك” قادم من اللغة القبطية القديمة، بينما هناك من يرى أنها كلمة فارسية الأصل، ومع اختلاف سبب التسمية وجدنا أنفسنا أمام اختلاف في طريقة تحضيره وتسميته بين الدول العربية.
ففي دول الخليج وبلاد الشام يطلق عليه “المعمول”، وفي العراق يسمى “الكليجة”، ولا يوجد فرق بين دولة وأخرى في طريقة التحضير سوى أنه يتم استخدام السميد في المعمول، ولا يتم استخدامه في الكليجة، ويتم حشوه بالتمر أو المكسرات أو الفستق أو عين الجمل، لكن الأشهر هو التمر، وهناك من يقوم بوضع السكر عليه أو تقديمه بدون أي إضافات عليه.
في بعض المحافظات اليمنية ودولة البحرين، يتم عمل الكعك بدون استخدام الحليب أو السمن، ولذلك يكون على شكل معجنات، ويسمى في اليمن بالسبابة أو الصحن، أما في البحرين فيسمى “بالخنفروش”، مع إضافة الزعفران عليه.
ومع مرور الوقت تم اكتشاف “ابنة جديدة” للكعك أو الكحك، كما يسميه البعض، وهي “الغُرَيِّبة”، والتي يتم استخدامها في مناطق كثيرة بالسعودية وبلاد الشام وفي مصر ودول المغرب العربي.
وتُشبه الغريّبة الكعك، سواء في طريقة التحضير أو الخَبز، إلا أنه تتم إضافة “الفانيليا” التي تعطي مذاقاً خاصاً وشكلاً مختلفاً، ويتم تزيينها بالفستق أو اللوز أثناء تحضيرها.
نبذة تاريخية
الجدير بالذكر أن تاريخ الكعك يرجع في التاريخ الإسلامي، حسب أرجح الروايات- إلى سلالة تولونيد ، حيث تمت صناعته من قِبل الخبازين في عبوات يُطلق عليها كل واشكر “كلوا وقولوا شكرًا”.
وبرز الكعك بعد ذلك بين الإخشيديين وأصبح سريعًا من أهم مظاهر عيد الفطر الذي يأتي عقب شهر رمضان بشكل مباشر.
ومما يروى انه ذات مرة قام أبو بكر بن علي المدرعي الوزير في البلاط الإخشيدي بحشو الكعك بالدينار الذهبي وفي عام 1124هـ قام الخليفة الفاطمي بتخصيص عشرين ألف دينارً فقط من أجل خبز الكعك في وقت العيد.
كانت المصانع قد اعتادت على التحضير لتلك المناسبة اعتبارًا من منتصف رجب الشهر الذي يسبق شهر رمضان وتبعًا لبعض الروايات كان الخليفة يوزع الكعك بنفسه.
وقبل ذلك أيضًا كانت مائدة الخليفة الفاطمي تحمل ستين نوعًا مختلفًا من الكعك والغُريبة، وقد تم إنشاء أول مخبز خاص لصنع الكعك يُطلق عليها دار الفطرة، إذ كانت قطعة الكعك في حجم رغيف الخبز.
وفي القرنين الرابع عشر والخامس عشر كانت الصناديق الخيرية تهتم بخبز الكعك من أجل توزيعه على الموظفين والعاملين.
كانت العبوات المحشوة بالكعك تحمل عبارة “كل حنيان” أي “كل جيد” أو “كل واشكر مولاك” أو “كل واشكر حاكمك” أو “بالشكر تدوم النعم” أي “كن شاكرًا وستستمر النعم”، وهناك بعض من هذه العبوات لا تزال محفوظة في متحف الفن الإسلامي في القاهرة.
أيضًا إذا تطرقنا للحديث عن المنشأ الأصلي لكعك العيد، ففي مصر لفظ “كعك” يتم استخدامه باعتباره لغة عربية فصحى، بينما في اللهجة العامية المصرية يسمى بـ”الكحك” للتسهيل، ويتم استخدام الطحين والسمن البلدي والسكر في تحضيره، وله نوعان إما أن يكون محشوا بالملبن أو المكسرات، أو لا يوجد به حشو، وفي كلتا الحالتين يتم تفضيل وضع السكر المطحون عليه.
وفي العصر الحديث، لعب أهل الشام الذين هاجروا إلى مصر خلال القرنين التاسع عشر والعشرين واستقروا بها، دورًا مهما في تطوير صناعة الحلويات في مصر ومنها كعك العيد والبسكويت أيضًا، حيث ظهرت تقنيات جديدة للصنعة أضافت إليه شكلاً متطورًا، لا سيما مع استخدام الماكينات الحديثة لتحل محل المنقاش الشعبي الذي كانت النسوة ينقشن به الكعك في بيوتهن قبل الذهاب لتسويته في الأفران القريبة منهن.