الثورة / هاشم الاهنومي
شهر رمضان نعمة عظيمة على الإنسان ومنحة إلهية ربانية، شهر كرّمه الله على سائر الشهور وضاعف فيه الأجور وأنزل فيه القرآن، وفرض الله صيامه على سائر الشهور، ليتزود الناس بالتقوى، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) صدق الله العظيم من سورة البقرة- آية (183)، فيا ترى من هم الأخسرون أعمالا في هذا الشهر الكريم ومن الرابحون.. (الثورة) التقت بالعلامة زيد علي النعمي للحديث حول هذا الموضوع:
في بداية الحديث أوضح العلامة زيد النعمي أن نعم الله وفضله على الإنسان عظيمة وكبيرة جدا ومن أجلّ النعم بعد نعمة الخلق والعقل والهدى نعمة المواسم والخيرات والشهور، التي جعلها الله تعالى لتبارك للمؤمن وتضاعف له ثواب صالح الأعمال التي دعانا لها ورغبنا في التزود منها، ومن تلك المواسم المباركة شهر الرحمة والغفران رمضان، شهر المتاجرة مع الله بالقربات لنيل أكثر الأرباح والأجور، متاجرة في جميع ما يمكن الإنسان أن يقدمه من أنواع الطاقات ليفوز برضوان الله ومرافقة أوليائه في جنات النعيم.
ويقول العلامة النعمي إن الله أمرنا بالصوم وجعل لنا فرصاً وغنائم عظيمة في موسم الصيام، معللا الحكمة من الصيام في محكم كتابه في آخر آية الصيام في قوله سبحانه (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فعندما يلتزم الإنسان بالصيام ويترك الطعام والشراب وهو من الحلال، يتضح للصائم أنه بإمكانه الالتزام بالصيام رغم حاجة الجسم إلى شراب وطعام، فلا شك أنه مع العزم وضبط النفس، يستطيع أن يترك المحرمات كلها من باب أولى.
الرابحون والخاسرون في رمضان
وفي اللقاء أوضح العلامة زيد النعمي أن هذا الشهر الكريم فيه رابحون وخاسرون، فالخاسرون هم الذين يتبعون الشيطان وأولياءه وخطواتهم في طريق الشر والباطل التي قد يفعلها الصائم الخاسر ويدمن عليها وتصبح كعادة يمارسها مع رفاقه الخاسرين فيرى من الصعب مفارقتها والإقلاع عنها ومن تلك التصرفات السيئة ضياع الوقت ومتابعة المسلسلات والأفلام الساذجة والكذب والنفاق والحسد وزرع الفتن وعدم تلاوة القرآن وترك الصلاة جماعة، فبذلك خسر وفقد الرحمة والمغفرة في شهر الشهور، فيصبح من الصعب الإقلاع عنها إلا إذا عزم الخاسر في رمضان على التوبة واستعان بالله في النجاح في تركها كتركه للشراب والطعام اللذين هما أكبر من ذلك، فالنفس كالطفل إن تتركه شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم.
وبين العلامة النعمي أن الرابحين في شهر رمضان هم الملتزمون والحريصون على الاستفادة من نيل بركات وعظمة الشهر الكريم من المغفرة والرحمة والعتق من النار، فهم التزموا بتوجيهات الله وحظيوا بتوفيقه في ضبط النفس وأحسنوا ونصروا المستضعفين وحافظوا على حواسهم وفروجهم من كل ما حرم الله في هذا الشهر من أجل رضا الله وحبا بالفوز بالجنة وربح تجارة وموسم أعظم الشهور.
الساكتون والمتخاذلون عن قول الحق
وفي إطار الحديث أشار العلامة زيد النعمي إلى أن هناك أناساً ظهر بُعدهم عن دين الإسلام رغم مكانتهم العالية أمام الكثير، فعندما سكتوا عن قول الحق وتركوا واجب النهي عن المنكر وحادوا عن نصرة إخوانهم رغبة في متاع الحياة الدنيا أو خوفا وهلعا من سلاطين السوء وكل ذلك لا يعفيهم يوم العرض على الله وذلك هو الخسران المبين وكذلك من قدس مصالحه الدنيوية وتغاضى عن ظلم الظالمين ولم يكن من زمرة الذين قاموا بواجب جهادهم.
ويقول العلامة النعمي: إذا ما عرفت أن هناك أناساً كنت تعتقد أنهم الأقرب إلى الله لكثرة التلاوة والعبادة ولكنهم لم ينصروا المسلمين في غزة، رغم ما نزل بهم من المآس والظلم الفظيع، ورغم ذلك لم ينصرهم، فهم من الخاسرين في رمضان وفي يوم الحساب.
الأخسرون في الليالي المباركة
وفي اللقاء أوضح العلامة النعمي أن من يمارسون العبادة والقربات ولكنهم لم يعلنوا مواقفهم من الكيان الصهيوني الذي يرتكب المجازر وكل المحرمات بحق إخواننا في غزة وفلسطين ولا يقم بنصرتهم لا بلسانه ولا بيده ولا بما أمكنه من المال فهو الأحق بقوله تعالى ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) سورة الكهف، فالذي قال لهم “كُتب عليكم الصيام” قال كُتب عليكم القتال، والخاسرون الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، والأخسرون في هذه الأيام المباركة هم الذين لازالت أنفسهم لم تتزك ولم تستفد من هذا التمرين الإلهي والمنحة الإلهية.
وأكد العلامة النعمي أن اعظم خسارة في رمضان في من عرف الحق والمحقين وعرف الهدى وسمعه ثم أعرض عنه ولم يستفد من نعمة الصيام ولم يرع المحاضرات التي يلقيها السيد العلم /عبدالملك بدرالدين الحوثي، فيهدي ويقتدي ويزداد تعظيما لله وخوفا منه ورغبه في رضوانه وشوقا إلى لقائه، وأما من طمع في الفوز مع الفائزين ولم يقم بما أوجبه الله عليه ولم يقلع عن السيئات وتثاقل عن القربات رغم الاثمان المضاعفة عليها في هذه الأيام الفضيلة، فقد خسر الثواب وبعد عن الصواب وعرَّض نفسه للعقاب ومن البعيد أن يرغب في التقوى في غير رمضان .
علماء الحرمين من الخاسرين
وختم العلامة زيد النعمي حديثه بالقول: من أخسر الناس في هذا الشهر الكريم الذين عرفوا الحق وكانوا من ضمن المحقين ولم ينهضوا بما أوكلت إليهم من المسؤوليات أمام الله وأمام السيد العلم وأمام يمن الإيمان والحكمة، وأن الأخسرين أعمالا في شهر رمضان هم أولئك العلماء الذين يمثلون حملة الدين وأهل الفتوى من بلاد المسلمين وورثة بهم الاتباع، الخاسرون كعلماء الحرمين في زمننا هذا، فهم لم يبينوا للناس ما أمر الله به من جهاد الظالمين ونصرة المستضعفين وقد أخذ الله عليهم في القرآن الكريم وقالَ (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) من سورة آل عمران- آية (187)، وقال تعالى (اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) من سورة التوبة- آية (9) الله العظيم، فبئس للظالمين بدلا وويل لهم من عذاب الله فهم من الاخسرين حقا.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل رضوانه ومغفرته وأن يعتق رقابنا من النار وأن ينصر إخواننا في فلسطين ويجمع كلمة المسلمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.