ذهبت غالبية الأنظمة العربية والإسلامي فيما يخص الإجرام الصهيوني الأمريكي على الأشقاء في ارض غزة وفلسطين، إلى تأييد حرب الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وإدانة المقاومة الفلسطينية وأبرزها حركة حماس، وهي ذاتها المواقف -لو لم تكن حماس- لأن المهم أن لا تنتصر القضية الفلسطينية، بل أن يستمر الاحتلال ويسيطر ويقضي على كل شيء، والسبب في كل ذلك راجع إلى أن هذه الأنظمة بمختلف مسمياتها يعتمد وجودها مع المنظومة الاستعمارية الجديدية بقيادة أمريكا والمتحالفين معها، والتي يمثل الكيان الصهيوني أحد مكوناتها على الإطلاق.
فالتخادم الواضح بين أدوات السيطرة الممثلة بالأنظمة العميلة، والتحالف الصليبي الصهيوني، هو الذي صنع الأسطورة الصهيونية، ودمر الجيوش في كل مواجهة، وضمن لها التفوق والانتصار حتى قبل بدء المواجهة، في المجال العسكري، وهو الذي دمر الاقتصاد والتكامل والتوحد وزرع بذور الخلاف والشقاق بين الكيانات القطرية بعضها ضد بعض، وهي خطة يتم تنفيذها بعناية، أعدها “كامبل بترمان” 1905م وتمت مناقشتها حتى إقرارها عام 1907م، ومن أهم بنودها زرع الكيان الصهيوني على ارض فلسطين، والاستئثار بثروات الوطن العربي والإسلامي وجعل الكيانات القطرية هي الأساس.
لقد كشفت الأحداث على مدى الأيام الماضية أن غالبية الأنظمة العربية تدعم الإجرام الصهيوني الأمريكي، سراً وعلانية، وقبل ذلك دول الاستعمار القديم والحديث، وأن غزة لا يدعمها سوى القليل سراً أو جهراً، لكن اليمن تدعمها وتقف معها سراً وجهراً في السراء والضراء.
الإجرام بكل أشكاله وصوره يتصاعد، والشهداء يتزايد أعدادهم كل يوم، غالبيتهم أطفال ونساء وشيوخ وعجائز، وكلما انتهت مذبحة جاءت أعظم منها، يشاهد العالم ويتحرك الأحرار ويصمت العملاء والخونة، وكلما اتجهت الإرادة الأممية لإصدار قرار بوقف الإجرام يكون الفيتو الأمريكي بالمرصاد، ويؤيد ويدعم بالأسلحة، ويسكت الأنظمة العميلة، ويدعوها لمزيد من البذل لصالح المشروع الإجرامي ضد الأبرياء والمستضعفين في ارض الرباط.
لم يترك المجرمون الصهاينة جريمة من جرائم الإبادة، والجرائم ضد الإنسانية، التي تضمنتها كل الوثائق والمعاهدات الدولية، إلا وارتكبوها وأضافوا إلى ذلك المسؤولية الفردية، والجماعية من أصغر جندي في الميدان إلى رئيس الوزراء، وكل المسؤولين فرادى وجماعات، وهي ذاتها توجهات السياسة الأمريكية، في فلسطين والعراض وأفغانستان وكل بلدان العالمين العربي والإسلامي.
إن أهم شيء يمكن الحديث عنه في معركة طوفان الأقصى هو أنها عرَّت معظم الأنظمة وكشفت حقيقتها أمام الرأي العام المحلي والعالمي، بعد أن كانت تدَّعي أنها مع دعم نضال الشعب الفلسطيني حتى تحريره من الاحتلال الصهيوني، ليتضح جلياً أن غزة تملك قرارها وأن تلك الأنظمة لا تملك أي شيء، بل إنها خاضعة وذليلة لمن أوجدها، ومن أوصلها إلى مراكز القيادة والسيطرة في بلدانها لخدمة أهدافه وتوجهاته.
ولذلك فإن حصار الأشقاء في ارض غزة ومنع وصول الأدوية والأغذية وكل مقومات العيش والصمود، هو من أجل تحطيم الإرادة لدى المقاومة والمساندة والمساعدة على تحقيق أهداف الحلف الصهيوني الصليبي الجديد، الذي يسعى لإبادة الأشقاء في أرض غزة أو تهجيرهم، حتى يتسنى له توطين قطعان المستوطنين الذين يتم استقدامهم من الدول الأخرى.
الكيان الصهيوني يمارس اليوم إجرامه ولا يخشى الأنظمة أو الشعوب، لأن من يقودون تلك الأنظمة هم يدينون بالولاء له، أما الشعوب فقد تم تدجينها بواسطتهم، وتقييد تحركاتها وتوجيهها إلى أهداف وغايات أخرى، تتناسب مع توجهات الحلف السابق.
إذا انتصرت المقاومة على أرض فلسطين، فإن الشعوب ستتحرك لإسقاط تلك الأنظمة العميلة والخائنة التي تعمل جاهدة على دعم اليهود بكل ما تملك، ولا استغرب أبدا إجابة المفكر العربي الراحل عبدالوهاب المسيري -رحمة الله- حينما سُئل عن النتائج التي تترتب على انتصار المقاومة على الكيان الصهيوني؟ حيث قال: إن الشعوب العربية والإسلامية ستتجه إلى محاكمة كل الأنظمة العميلة والخائنة.. وهذه هي الحقيقة التي أكدت عليها معركة طوفان الأقصى.
خلال السنوات السابقة من عمر الاحتلال وجدنا الهالة التي صنعها العملاء والخونة والحلف الصهيوني الصليبي، سواء لأمريكا أو لإسرائيل أو غيرهما من الدول، حيث عم تحطيم الجيوش العربية في النكسة والنكبة وتدمير المفاعل النووي العراقي، وشن الغارات على أقطار عدة واغتيال الكثير من الشخصيات السياسية والاجتماعية وغيرها، وتدمير البلدان العربية والإسلامية، وقبل ذلك تحطيم الإرادة والمقاومة لدى الشعوب والأنظمة، ما جعلها فريسة سهلة، بينما التاريخ يقول إن الشعوب لا تهزم إذا امتلكت إرادتها وحريتها، فقد استطاع الفيتناميون هزيمة أمريكا واستطاع الأفغان هزيمة الاتحاد السوفيتي وهكذا تصنع الإرادات النهايات العظيمة.
وحتى يفهم البعض حقيقة ما يراد من الحرب على غزة بتلك البشاعة والإجرام، يكفي أن نورد ما صرحت به السفيرة الأمريكية في القاهرة آن باترسون بأن عودة اليهود من الشتات ومن كافة بلدان العالم إلى الأرض الموعودة من النيل إلى الفرات، صارت وشيكة، وليس ذلك فحسب، بل إنها تحمّل المعتدى عليهم المسؤولية في ما يحدث لهم من إبادة، لأن هذه الحرب ستكون “هرماجدون” ستشارك فيها أمريكا وبريطانيا وحلف الناتو وكافة الدول المحبة للسلام لأجل إعادة الحقوق لأصحابها.
ولن تقف السفيرة بوقاحتها عند ذلك الحد، بل تتهم العرب والمسلمين بأن (طبيعتهم عنيفة ويميلون إلى الهمجية والإرهاب ويغارون من اليهود لأنهم أكثر تحضرا وتقدما وثراءً منهم والصراع سيكون من أجل البقاء والبقاء سيكون للأقوى)، إن هذه الأكاذيب التي تسوق لتبرير إجرام اليهود ضد الإنسانية بشكل عام وضد الأشقاء في أرض فلسطين، لم تعد تلقى رواجا، لأن هناك من أصبح يعي ويفهم المشكلة الفلسطينية بحقائقها لا بالأكاذيب حتى أن ما بين ثمانين إلى تسعين في المائة من الجيل الأمريكي الجديد، يرون أن الحل يكمن في استعادة دولة فلسطين وزوال الكيان الصهيوني المحتل.