الانفجار الساني..هل تكبحه سياسات تنظيم الأسرة ¿

الثورة / وكالات –

تأخرت ثلاث ساعات عن صباح الدوام الرسمي كان مثار حيرة وقلق وتساؤل عن زميلهم الذي ألفوه يملأ ساعات الدوام منذ الصباح الباكر بالنشاط والحيوية والكد حتى آخر لحظة من نهاية دوام كل يوم..
الحاج صالح.. الموظف المتعاقد في إحدى المؤسسات الرسمية منذ ما يزيد عن 15 عاماٍ «دون تثبيت» وصل إلى المكتب الذي يعمل فيه كفراش ومراسل ذلك اليوم بوجه شاحب وعينين صفراويين ارهقهما التعب والهم والقلق وجسد منهك بثقل الفاقة وداء السكر الذي يعاني منه صالح منذ فترة ليست بوجيزة تحدد بعد التحاقه بالعمل بخمس سنوات .. لم يكن داء السكري هو سبب تأخير صالح وقلق الزملاء في المكتب .. ولكنها مأساة الحالة المعيشية الصعبة المكتظة بمطالب «13» ولداٍ من الذكور والإناث معظمهم لم يدع لأبيه مجالاٍ للتفاوض حول حاجيات المستلزمات الدراسية للعام الدراسي الجديد.
«أربعة أولاد ثمان بنات الثلاث الكبار منهن تخرجن من الثانوية العامة ويشتين يدرسين في الجامعة»!
منين لي وأنا مسكين الله موظف متعاقد حتى التثبيت مابش للآن وظروفي لا يعلمها إلا الله وحده والمعاش كوده يجي حق الإيجار للبيت وما حصلناه من هانا وإلا من هانا اشترينا به بْْراٍ ودقيقاٍ للجهال وأمهم تعاني قرحة في المعدة.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
أب آخر لكنه عاملاٍ في إحدى المهن الحرة «يعمل بناءٍ» ويختلف عن الحاج صالح انه ولي أمر لــ«23» فرداٍ من أبنائه عن ثلاث زوجات يعشن في ثلاث غرف حيطانها من البلك والصفيح وسقفها من «الزنك» لا تحميهم من قارس «مذبح» في ليالي صنعاء الذابحة بالصقيع الموحش..
هيفاء البنت الكبرى للمواطن سعد الذي يعمل بناءٍ وجدناها تتوسط الشارع الإسفلتي في إحدى شوارع صنعاء الرئيسية مستغلة بداية الضوء الأخضر شعوراٍ بالأمل لتنطلق إلى جانب أخوات لها يتسولن في جولة الزبيري -عصر.. قالت : «احنا بنات المرة الأولة لأبي وما معاناشي حق الغداء.. كيف تشتينا ندرس بالله عليك أبي بلا عمل راقد في البيت وما يحبناش ولا يشتينا نجلس جنبه ويعتدي علينا بالضرب في حالة طلبنا منه أي شيء نحتاجه مثلاٍ.. والحال على بقية الأبناء الــ23!!
كثير ممن يعيشون معاناة الحاج صالح والأب مسعد في اليمن بفعل كثرة الأولاد وعدم تنظيم الأسرة.. ولكن الأكثر معاناة ومرارة قلة التوعية -لا نقل انعدامها – في مجتمعنا اليمني الذي يعاني الأمية بنسبة كبيرة بين أبنائه تفشت في الحضر والريف معاٍ فضلاٍ عن غياب الخدمات أو شحتها المتعلقة بتنظيم الأسرة موزعة على المناطق اليمنية بحسب الاحتياج وانحسار التثقيف الإعلامي الصحي في زاوية معينة لم تسعفه الظروف -الإمكانات- ربما الانطلاق إلى مجاله المطلوب:
كل خمس دقائق تستقبل اليمن ستة مواليد جدد ويعني هذا أن ثمة ما يزيد عن 700 ألف نسمة يضافون سنوياٍ إلى إجمالي عدد السكان وهو عدد يضاهي عدد سكان محافظة عدن.. أي أن مليوناٍ يضافون حالياٍ إلى عدد السكان كل أقل من عامين..
فاستمرار النمو السكاني المرتفع 3.2 كما هو قائم حالياٍ يجعل التنمية مستحيلة في بلادنا وعلى مستويات عدة .. ولأن تطبيق السياسات السكانية ومتابعتها تحتاج إلى كيان مؤسسي قادر على التعامل مع الأهداف والبرامج التي تتضمنها السياسات وخطة العمل السكاني فقد خصصت وزارة الصحة قطاعاٍ خاصاٍ بقضايا السكان وتنظيم الأسرة تتبعه إدارات مختصة بالصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة والإمداد لقطاع السكان ونظراٍ للأهمية البالغة التي تحتم تطبيق السياسات السكانية رأت الحكومة أن وجود مركز خاص بالتثقيف والإعلام الصحي تابع للوزارة إلى جانب الإدارات المختصة بتنظيم الأسرة لن يحقق الأهداف المرجوة التي تتضمنها السياسات وخطة العمل السكاني لذا فقد صدر قرار جمهوري عام 1992م بإنشاء المجلس الوطني للسكان وأمانته العامة بغية تعزيز الوعي بالقضايا السكانية وتنفيذ أهداف السياسات السكانية وتعزيز عملها .. ومع ذلك فإن ما لا يزيد عن «14» عاماٍ مضت منذ صدور القرار بإنشاء المجلس الوطني للسكان إلى جانب عشرات الأعوام منذ تشكيل وتأسيس قطاع خاص بالسكان تابع لوزارة الصحة لم يكن ثمة تغييرات في مسألة تنظيم الأسرة سوى اليسير..!

نسبــــة متدنيــــة!!
ü حتى نهاية العام 2006م قدرت نسبة الاستخدام لوسائل تنظيم الأسرة في اليمن بــ( 13) منها 2.7 في الحضر و9.2 في الريف حسبما أكدته أروى الربيع- وكيل وزارة الصحة العامة والسكان لقطاع السكان وذكرت في ورشة عمل عقدت في بداية نوفمبر 2006م.. حول مسودة الاستراتيجية الوطنية للصحة الإنجابية أن الحكومة بدأت تعمل بصورة منظمة لضمان تقديم الصحة الإنجابية في جميع المستشفيات والمراكز الصحية في عموم المحافظات..
غير أن النسبة التي كانت هي المؤكدة في استخدام وسائل تنظيم الأسرة (13) من بين كل حالات الأمهات من العام 2006م كانت هي النسبة نفسها في العام 2004م من إجمالي الأمهات المستخدمات للوسائل في الجمهورية والمقدرة بــ(13.4) والتي زادت نسبة بسيطة عن حجم الأمهات المستخدمات للوسائل في العام 1992م والمقدرة بــ(6.1) وفقاٍ لمؤشرات حكومية..

ضآلــــة الميزانيــــة
ü في الوقت الذي يشكل فيه التزايد المضطرد في حجم السكان سنوياٍ ارباكاٍ على الحكومة في مستوى ونوعية الخدمات الصحية للمواطن اليمني فإن حجم الإنفاق الحكومي على القطاع الصحي لا يلبي الحاجات المطلوبة في ظل شحة الإمكانات وقلت الموارد وضآلة الميزانية الممنوحة للصحة مقابل هذه الزيادة السكانية وهذا يخلق مشكلة كبيرة..
على الرغم من الزيادة في حجم الإنفاق العام لقطاع الصحة من قبل الدولة والذي وصل إلى 3.7 من إجمالي الإنفاق العام في العام 2003م وبنسبة 1.3 من إجمالي الناتج المحلي مقارنة بــ(3) من إجمالي الإنفاق العام منحت لقطاع الصحة في العام 1997م وبنسبة 1.2 من إجمالي الناتج المحلي.. ليرتفع نصيب الفرد من إجمالي إنفاق الدولة على الصحة من 608 ريالات في العام 1997م إلى (1536) ريالاٍ في العام 2003م.

اليمـــن في المقدمــــة
ü وفي الوقت الذي تتقاضى فيه الصحة ميزانية متدنية إلى جانب مشكلة الزيادة السكانية التي لم تبحث لها عن حل بعد لا تزال اليمن في مصاف الدول التي تعاني كثيراٍ من المشاكل والأمراض الصحية في جملة من التحديات يأتي ما أسلفناه على رأسها. ولأن الزيادة السكانية ليست مشكلة خلفت آثاراٍ سلبية أجهضت القطاع الصحي فحسب ولكن امتدت آثارها لتأكل الأخضر واليابس وورثت ما لا يحمد عقباه..!
إنها مشكلة ذات آثار موحشة على صحة المجتمع اليمني واقتصاده وعلمه وثقافته ومستقبله على حد سواء وهذه المشكلة جعلت من بلادنا الأولى على مستوى الدول العربية متدنية التنمية البشرية من بين أربع دول هي : (اليمن موريتانيا جيبوتي الصومال).

مشاكل صحية (وفيات الأمهات)
ü رغم التحسن البسيط لمؤشرات الصحة الإنجابية والصحة العامة في اليمن خلال عقد التسعينات من القرن الماضي إلا أن اليمن لا تزال في مصاف الدول التي تعاني كثيراٍ من المشاكل الصحية المؤثرة على حياة السكان خاصة صحة الأمهات والأطفال وتشير البيانات: إلى أن معدل وفيات الأمهات بلغ (351) لكل (100ألف) حالة ولادة عام 2000م ويعود ذلك إلى أسباب عدة منها الزواج والحمل المبكرين وسوء التغذية وتدني الخدمات الصحية وإصابة الأمهات الحوامل بمرض الانيميا بالإضافة إلى القصور في تغطية الخدمات الصحية وتدني مستوى نوعيتها..
ووفقاٍ للإحصاءات فإن انتشار وسائل منع الحمل التقليدية خلال عقد التسعينات من القرن الماضي كان بطيئاٍ حيث تشير البيانات أن معدل الاستخدام كان 10 عام 1992م وارتفع إلى 21 عام 1997م أما استخدام وسائل منع الحمل الحديثة فقد ارتفع معدله من 6.1 عام 1992م إلى 10 عام 1997م فيما يتوقع وصول نسبة الاستخدام في العام 2015م الي 19.5 وتظهر البيانات ايضاٍ أن الوسائل الأكثر استخداماٍ هي الأقراص عن طريق الفم (3.8) في العام 97م واللولب 3.0 والرضاعة الطبيعية 8.0..
ولا تزال حالياٍ الولادات التي تتم تحت إشراف طبي متدنية ففي عام 1992م شكلت تلك الولادات حوالي 16 من إجمالي الولادات لكنها ارتفعت قليلاٍ في العام 1997م لتصل إلى 22 لذا فإن الغالبية العظمى ما تزال تتم في المنازل وبالوسائل التقليدية.. فقد بلغت عدد الولادات التي تتم في المنازل خلال العام 2006م: 77.2 فيما وصلت نسبة عدد الأطفال الذين لقوا رضاعة طبيعية شاملة 10.2 بحسب استراتيجية وضع الصحة الإنجابية في الوقت الذي تقدر »نسبة الولادات التي تتم تحت إشراف الكوادر المؤهلة بــ(31) – 20 منها تتم في المرافق الصحية وان ما نسبته 45 من الولادات تلاقي رعاية صحية أثناء الحمل..
وتظهر البيانات أن 67 من وفيات الأمهات ترجع إلى النزيف ثم تعفن الحمل يلي ذلك مرض الكبد وهو الأكثر حدوثاٍ ثم مرض القلب وهذا يدل على أن التأخر في البحث عن الرعاية وعدم توفر إمكانية الوصول إلى الخدمات تمثل أسبابا رئيسية لوفيات الأمهات..
ومن خلال اتجاهات المؤشرات الخاصة بصحة الأمهات خلال الفترة الماضية يتضح أن اليمن بحاجة إلى موارد إضافية (مالية-بشرية) حتى تفي بتحقيق أهداف التنمية البشرية عام 2015م.

تحديــات خفـض وفيــات الأمهــات
ü إن الجهود نحو تخفيض معدل وفيات الأمهات إضافة إلى تسهيل تقديم خدمات الصحة الإنجابية يمكن أن تؤدي إلى تحسين الوضع الصحي إذا ما تم التخفيف والحد من التحديات التالية: تدني المستوى الصحي حيث تواجه المرأة اليمنية خطر الوفاة لأسباب متعلقة بالحمل إضافة إلى السلوك الإنجابي غير السليم للمرأة وكذا تدني الاستثمارات المالية للرعاية الصحية الأولية حيث يعتبر تمويل القطاع الصحي غير كافُ..
إضافة إلى شحة التسهيلات الخاصة بخدمات رعاية الصحة الإنجابية ويتمثل ذلك في ضعف أنظمة الطوارئ التوليدية وعدم توفر التجهيزات الطبية المناسبة والمطلوبة للمراكز الصحية الإنجابية ايضاٍ افتقار معظم المؤسسات الصحية في اليمن للموارد البشرية المؤهلة خاصة في مجال رعاية الصحة الأولية والصحة الإنجابية كما أن انتشار الأمراض المعدية وفي مقدمتها الملاريا والدرن والتيفود يسهم في رفع وفيات الأمهات في اليمن. إلى ذلك فإن ضعف القدرة المؤسسية الإدارية والتخطيطية وتدني الأجور للكوادر الصحية تسهم في خفض المعنويات الحافزة على العمل..

حـلــــــــول
ü ينبغي تفعيل كل السياسات والبرامج التي تم اعتمادها من قبل الحكومة اليمنية في إصلاح القطاع الصحي وبقية القطاعات الأخرى وهي: استراتيجية الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة والسياسة السكانية وبرنامج العمل السكاني وخطط وإصلاح القطاع الصحي وتنفيذ السياسات الاستراتيجية للتخفيف من الفقر.

أولويات المساعدة التنموية
ü الشراكة التنموية يجب أن تكون إسهاماتها في تحقيق تلك الأهداف من خلال زيادة الاستثمارات المالية لتحسين نوعية خدمات الصحة الإنجابية وزيادة المصادر المالية الحكومية بهدف تسهيل تحقيق الأهداف الدولية التنسيق والتكافل لمدخلات الصحة الإنجابية ايضاٍ التنسيق والتكامل لمدخلات الصحة الإنجابية بما يعزز نوعية خدمات الصحة الإنجابية توسيع وتعميم خدمات الأمومة الآمنة في إطار خدمات الصحة الإنجابية في المرافق الصحية بكافة مستوياتها وكذا رفع القدرة الإدارية للكوادر على مستوى المحافظات والمرافق الصحية بالإضافة إلى تدريب وتوفير المعدات اللازمة لتنظيم الأسرة وتوفير خيارات متعددة من وسائل منع الحمل.

وفيـــات الأطفـــــال
ü تشير البيانات الإحصائية إلى أن الخدمات الصحية تغطي حوالي (50 – 60) من السكان وان تأثيرها لم يصل بعد إلى المستوى المطلوب وتشير الإحصاءات إلى »معدل وفيات حديثي الولادة 37 لكل ألف مولود حي وان نسبة المواليد (صفر -6 أشهر) الذين يرضعون رضاعة طبيعية خالصة :20 من المواليد الأحياء.
وتشير نتائج المسح الديموغرافي عام 1997م إلى أن وصول معدل الوفيات الأطفال أقل من خمس سنوات إلى 105 حالات وفاة لكل ألف مولود حي عام 1997م.. في الريف 112 حالة وفاة وفي الحضر 89 حالة وفاة مقارنة بحوالي 122 حالة وفاة لكل ألف مولود حي عام 1999م وفي ضوء هذا التقدم البطيء فإن اليمن ليس بمقدورها تخفيض معدل وفيات الأطفال أقل من خمس سنوات بمعدل 3/2 في عام 2015م(10).

مشاكــل اجتماعيــــة
ü الانفجار السكاني في ظل محدودية الدخل في المجتمع اليمني أهم عامل مؤثر بقوة على اتساع رقعة البطالة وتفشي الفقر ليطال نسب كبيرة من أفراد المجتمع اليمني وبالتالي ارتفاع نسبة الجريمة بفعل معدل النمو المتزايد القائم على الزيادة السكانية وهذا بالتأكيد يوفر بفعل البطالة مباشرة الزيادة القتل وأعمال السلب والنهب وعامل مشجع للفساد والجرائم المخلفة بالشرف..

مشاكــل اقتصاديــــة
ü إن استمرار النمو السكاني المرتفع 3.2 كما هو قائم حالياٍ يجعل التنمية مستحيلة.. ضغوط كبيرة تشكلها الزيادة السكانية على الموارد الاقتصادية المتاحة.. تأتي على إيجابيات برامج التنمية فلا تجعل أثرها واضحاٍ في رفع مستوى المعيشة.. هذا الانفجار السكاني الذي تعاني منه اليمن يسهم في تفاقم العديد من المشكلات كتزايد ضغوط الطلب على الاحتياجات والخدمات الأساسية وخاصة التعليم والصحة والسكن والغذاء.. يسهم ايضاٍ في تزايد ضغوط العرض في سوق العمل.. وارتفاع نسبة الإعالة والبطالة والفقر.. الانفجار السكاني يعوق إحداث تغيير ملموس في نوعية الحياة للسكان.. فماذا بوسع اليمن الجديد استجابة التحدي¿
– في تلبية احتياجات الأجيال الحالية وتحسين نوعية حياتها دون الإضرار في المقدرة على تلبية احتياجات الأجيال المقبلة.. تتجلى تحديات السكان والتنمية المستديمة التي يواجهها المجتمع اليمني كغيره من المجتمعات النامية.. ذلك أن العلاقة مترابطة بين السكان والنمو الاقتصادي والبيئة.. فإبطاء النمو السكاني يتناسب معدله بالتدريج مع مقتضيات التنمية المستديمة وبما يحقق اهداف السياسة الوطنية للسكان ويقتضي ذلك اتخاذ إجراءات شتى تضمنها برنامج العمل السكاني.

التنميــة البشريـــة
ü السكان يمكن أن يكونوا عامل قوة عندما يكون معدل النمو الاقتصادي أكبر من معدل النمو السكاني والعكس صحيح يصبح السكان عامل ضعف عندما يكون معدل النمو الاقتصادي أقل من معدل النمو السكاني.. يتوازى مع عملية إبطاء النمو السكاني بالضرورة تسارع في النمو الاقتصادي..
إن ارتفاع عدد السكان بوتيرة عالية يؤثر على قدرات وإمكانات الموارد الطبيعية في تلبية احتياجات السكان ونتيجة للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية للسكان التي لا تأخذ بالاعتبارات البيئية فإن الظروف البيئية في الجمهورية اليمنية تشهد تدهوراٍ ملحوظاٍ في مختلف جوانبها وصورها..
شحة المياه في بعض المناطق.. تدهور موارد التربة.. واتساع رقعة التصحر.. واختفاء الكثير من أصناف النباتات والحيوانات..
قرى آمنة مطمئنة.. تنتشر على الساحة اليمنية غير أن التركز السكاني يأخذ مداه في المرتفعات ويقل بصورة مخلة في الانتشار السكاني على السواحل.. وإزاء هذا التركز السكاني تبرز ايضاٍ ظاهرة التشتت السكاني..
تجمعات سكانية صغيرة الحجم.. متناثرة في توزيعها.. ثمة ما يزيد عن 106 آلاف تجمع سكاني لا يتجاوز متوسط حجم التجمع السكاني 150 نسمة.
وهناك 50 من إجمالي السكان يعيشون في أربع محافظات.. والهجرة من الريف إلى الحضر تتدفق بكثافة إلى المدن الرئيسية الكبرى.. أمانة العاصمة مدينة صنعاء وصلت نسبة سكانها إلى 28 من إجمالي سكان الحضر.. هذا الوضع يترتب عليه مشكلات أمام جهود التنمية..
لما كان التعليم يشكل عنصراٍ حاسماٍ في تقدم أي مجتمع فانه من منظور السياسة السكانية بما يمكن الأفراد من اكتساب المعارف يساعد على خفض معدلات الخصوبة والتقليل من الإصابة بالأمراض.. كما أن التعليم يساعد في رفع مستوى القوى العاملة.. ايضاٍ يساعد التعليم في تمكين المرأة اقتصادياٍ واجتماعياٍ مثلما يساعد في تأخير سن الزواج.. وعندما يكون تعليم الأم في مستوى أفضل فإن ذلك يسهم في رفاه الأسرة..(11)

تدهـور صحي واعتــذار مسئولــين!
ü 6.2 مولود معدل الخصوبة الكلية لكل امرأة يمنية فكلما اتجهنا نحو الريف تقل كمية استخدام وسائل منع الحمل.. وفي الوقت الذي تصل نسبة الطلب غير الملبي لوسائل تنظيم الأسرة 51 من المتزوجات في سن الإنجاب (15 -49) (12) يقدر استخدام وسائل منع الحمل الحديثة بنسبة 13 فقط!! ومعظم هذه النسبة يجري استخدامها في المدينة في الوقت الذي يشكو الريف من إهمال لا يقل عن الإهمال الكلي غير أن الريف الأكثر ضرراٍ بفعل البطالة والفقر والأمية ومعدل الخصوبة المرتفع..
بدورنا.. تواصلنا مع المعنيين في وزارة الصحة العامة ولأسباب خاصة الدكتورة أروى الربيع – وكيل وزارة الصحة لقطاع السكان اعتذرت.. وأرشدتنا إلى المختصين.. سميرة طاهر – مدير إدارة تنظيم الأسرة حالياٍ هي في إجازة في عدن تواصلنا بها ولكنها اعتذرت هي الأخرى!! ولأسباب أن ولدها أصيب بجرح نازف والحاجة تستدعي تضميده للضرورة على أن نتصل بها بعد ساعة من الاتصال الأول.. حاولنا ولكن دون رد..!
وبعد مفاوضات عدة اقتنع احمد المشرعي – رئيس دائرة الإمداد لقطاع السكان أفادتنا بما لديه من معلومات وفي إطار تخصصه فقط..!!
المشرعي أفادنا بكشف رسمي عن إدارته بالمنصرف من وسائل تنظيم الأسرة خلال عام 2006م والموضح في الكشف أن إجمالي المنصرف في العام 2005م هو أكثر بنسب متفاوتة وكبيرة في بعض الاحايين عن إجمالي ما تم صرفه خلال العام 2006م من وسائل تنظيم الأسرة : «ميكرو جنون ميكرونور وحقن منع الحمل ولوالب ورفال ذكري وتحاميل مهبلية وغرسات».
وهذا التراجع في إجمالي ما تم صرفه في 2006م عن العام الذي سبقه يؤكد أن نسبة الاستخدام الضئيلة جداٍ عن حجم الطلب تشير بقوة إلى أسباب كثيرة تقف وراء ذلك أولها توفير الخدمة..

الــوزارة وتوفــير الخدمـة
ü يقول مدير إدارة الإمداد لقطاع السكان التابع لوزارة الصحة: نغطي كل الاحتياجات بحسب الطلب وبدون استثناء حتى سقطرى نتعامل معها كمحافظة.. فعلى مستوى المراكز لدينا 23 مركزاٍ موزعاٍ على كل محافظة وعلى مستوى المراكز الصحية لدينا بحدود ألفي مركز صحي 1500 مركز منها فقط يقدم خدمة تنظيم الأسرة.
ويضيف : المعوقات التي تقف أمامنا وتحول دونما تنفيذ ما نستهدفه هو أن الكادر النسائي غير متوافر في بعض المراكز الصحية ولعلك تعلم بالنسبة لليمن فإن الوعي مازال متدنياٍ.. فإذا لم تتواجد المرأة لتقديم الخدمة في المرفق الصحي فإن الإقبال سيكون ضعيفاٍ بالتأكيد..
ويؤكد المشرعي : وسيلة تنظيم الأسرة تحتاج إلى تقديم المشورة للمستفيدات حول المساوئ والعيوب وكيفية الاستخدام السليم حيث يتم الكشف الطبي قبل استخدام الوسيلة بشكل عام..
قائلاٍ : نغطي المرافق الصحية بنسبة 80 والمستشفيات 100 لكن المشكلة هي في الوحدات الصحية الموجودة في الأرياف.. فالوحدات الصحية المتواجدة في المناطق النائية لا تتوافر فيها كوادر نسائية طبية لتقديم الخدمات.. وهذه المناطق النائية أو البعيدة لا تستطيع أن تنتقل إليها المرأة باستثناء إذا كانت المرأة تنتمي للمنطقة نفسها..

مشاكـــل في المديريــات
ü ويضيف: قمنا بتدريب بعض الطالبات كمرشدات صحيات في نفس المديريات.. لكن الذي حصل أن معظم أن لم نقل كل المديريات التي استهدفنا فيها تدريب مرشدات صحيات انه لا يوجد نساء حاصلات حتى على مؤهل التعليم الأساسي.. والشيء الثاني انه لدينا مشكلة التوظيف بحيث استطعنا تدريب بعض المرشدات غير أن الوزارة لم توفر لهن درجات وظيفة بعد تخرجهن من الدورات التدريبية الصحية.

الوعــي والصحـة الإنجابيـــة!
ü ولأننا في مجتمع يشكو أمية كبيرة وجهل لا يستهان به فالمسألة ستكون إذا توعية محضة.. ورغم وجود أجهزة خاصة للتوعية في قضايا تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية إلا إنها لا تؤدي دورها المناسب بدليل النظرة المنغلقة والمتخلفة من قبل البعض من أرباب الأسر أو الأمهات تجاه وسائل تنظيم الأسرة.
التوعية محور الصحة السكانية وهو مصدر لبيئة نقية وصحيحة خالية من منغصات التدهور في الانفجار السكاني وما يخلفه من بطالة وفقر وجهل ومرض وتخلف..

معوقــات جغرافية وشحة إمكانات
ü أكثر من (15) محاولة اتصال بمدير عام مركز الإعلام والتثقيف الصحي كلها لم تفلح : »الرقم الذي تتصلون به حالياٍ لا يجيب يرجى المحاولة لاحقاٍ.. وشكراٍ«.. وعفواٍ!!
بعد ثلاث رسائل قصيرة أبلغناه إننا من الصحافة ونريد عمل موضوع صحفي حول تنظيم الأسرة استجاب ولكن بعد ساعات..
يلخص ناصر العبسي – مدير مركز الإعلام والتثقيف الصحي : معوقات الصحة الإنجابية : الطبيعة الجغرافية لليمن الغالب عليها المكون الجبلي – الصخري الوعر التي تمثل مصدات طبيعية تحول دول الاتصال أو التواصل مع ساكنيها خصوصاٍ وان هؤلاء يعيشون في مجموعات صغيرة متناثرة.. متباعدة المسافات مما يعيق وصول خدمات التثقيف الصحي إليها كما هو الحال مع بقية خدمات الرعاية الصحية الأولية..
ويضيف : إلى ذلك فإن المتوافر والمتاح من التمويل المالي والدعم الفني يعد متواضعاٍ.. ذلك أن طبيعة أنشطة التثقيف الصحي مكلفة للغاية.. ومع ذلك فإن إدارة وكوادر التثقيف والإعلام الصحي لا تتوانى في تقديم عملها..

أهميـــة التوعيـــة
ü ويؤكد مدير عام التثقيف والإعلام الصحي بوزارة الصحة في فاكس تعذر علينا قراءته إلا اليسير : التوعية في وسائل تنظيم الأسرة ليست حكراٍ على المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي اذ ينبغي على الجمعيات والمؤسسات وهيئات المجتمع المدني الاضطلاع بهذه المسئولية..
مشيراٍ إلى ضرورة تعميم ونشر الثقافة الصحية السكانية خلال قنوات الاتصال الجماهيرية (إذاعة – تلفاز) لأنها تمثل البديل الفعال والمؤثر في وعي وثقافة وسلوك المجتمع الصحي..
وذكر العبسي أن المركز قام بإنتاج العديد من الوسائل الصحية التلفزيونية والعمل مع الإذاعات المحلية لإنتاج حواريات إذاعية وانه يجري حالياٍ العمل على إعداد آلية وخطة للبث وقنوات الاتصال الجماهيرية.. لافتاٍ إلى أن 333 منسقاٍ في المديريات و 840 آخرون في المرافق الصحية يديرون جلسات التثقيف الصحي.. وجلسات المشورة كما يقومون بزيارات منتظمة للقرى والعزل مستخدمين في ذلك قنوات وآليات الاتصال المباشر بصورة جيدة إلى جانب 1724 متصلة محلية على مستوى المحافظات يقمن بنشر الثقافة الصحية بين النساء في القرى والعزل النائية.

المسئوليــة على الجميـــع
ü مؤشرات تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية في اليمن لا تسر.. الوعي في غياب.. والخدمات في تدني في ظل الانفجار السكاني المهول.. وإذا لم نتحمل الجميع المسئولية في ذلك دولة وأحزابا ومنظمات ومجتمع مدني وإعلام وصحافة للتصدي للمشكلة بحملات توعوية تضع الحلول الواضحة في مجتمع متخلف.. فمن إذن سيتحمل المسئولية¿!

قد يعجبك ايضا