في قطاع غزة وفي حرب غير متكافئة مقارنة بما لدى الصهاينة من قوة وقدرات ودعم لوجستي دولي من أمريكا وبريطانيا ودول الترويكا الأوروبية، مقارنة بالمقاومة الفلسطينية وما لديها من إمكانيات وقدرات قد لا تساوي نقطة في بحر مما لدى الصهاينة، غير أن اهم ما لدى المقاومة ولا يملكه العدو هو الإرادة وقوة الحق والانتماء للمكان والأرض والجغرافية وارتباط ( زمكاني) حضاري وثقافي وتاريخي وهذه أهم وأقوى الأسلحة التي تمتلكها المقاومة وتمنحها القدرة على هذا الصمود الأسطوري الذي اذهل العالم واربك أعداء المقاومة، وكشف ضعفهم وهشاشة وجودهم، في هذه الحرب غير المسبوقة فقد العدو الصهيوني كل أساطيره واتضح زيف اكاذيبه وكشف عن أزمة وجودية يعيشها الكيان وأزمة هوية تضرب مفاصل مكوناته الاجتماعية، ونرى هذا بوضوح من خلال إدارة العدو لعدوانه على الشعب العربي في فلسطين سواء جرائمه في قطاع غزة أو انتهاكاته التعسفية والعنصرية في الضفة الغربية والقدس وداخل الخط الأخضر أو ما يُسمى بعرب الداخل أو عرب 48.
ففي العدوان على قطاع غزة يمارس العدو حرب إبادة منظمة وممنهجة يقوم بها جيش مدجج بأحدث الأسلحة والتقنيات الحديثة، فهو يقتل البشر ( نساء ـ أطفال وشيَوخ) ويهدم البيوت والأبراج على رؤوس سكانها، ويقتلع الأشجار، يدمر المستشفيات على رؤوس المرضى والجرحى، يحرم الجرحى والمرضى من الأدوية والمتطلبات الطبية، ويحرم الأصحاء من الغذاء والمياه وكل متطلبات الحياة، يهجر الناس من بيوتهم بالقوة، ويحرمهم من المأوي الآمن، بل يجعلهم فريسة لكل ظواهر الطبيعة، جيش يقتل الأحياء في غزة ويخرجهم من بيوتهم، ولم يسلم منه الأموات في مقابرهم، إذ عمل على تجريف المقابر واعتقال أموات من خلال قيامه بمصادرة جثامين الموتى، ثم يُقال عنه ( إنه الجيش الأكثر إخلافا في العالم)؟
أمريكا نفسها الدولة العظمى التي تسهر على (أمن واستقرار العالم) كما تزعم، تتحدث عن القيم الأخلاقية وتصف نفسها بالدولة ذات القيم الحريصة على الأخلاق؟
تسويق لمفاهيم كاذبة وزائفة، يتم تصديرها عبر ماكينة إعلامية جبارة مهمتها تلميع الوجوه القبيحة والبشعة، والمؤسف إن هناك من لا يزل يأخذ ما يصدر عن الصهاينة والأمريكان ومن يقف إلى جانبهم، ويصّدق ما يصدر عنهم رغم بشاعة سلوكهم وافتضاح أكاذيبهم.
الصهاينة في غزة يقتلون الأحياء، البشر ويدمرون الحجر، ويتلعون الشجر، وصولا بالوقاحة والإجرام إلى تجريف المقابر ونبش القبور واعتقال ومصادرة جثامين الموتى دون مراعاة لحرمة المقابر وحرمة الموتى الذين لم يدعهم الاحتلال يسكنون مقابرهم بسلام؟
في بقية الجغرافية الفلسطينية هناك عنصرية واستيطان وقتل يومي واقتلاع الأشجار المثمرة وهدم بيوت وطرد سكانها للشارع، وهناك اقتحامات يومية في كل مدن وقري الضفة الغربية والقدس، وانتهاكات للأعراض والمقدسات والحقوق والسيادة والجغرافية، ولي ادمية الإنسان وحقه في حياة كريمة آمنة.. كل هذا يحدث للعربي الفلسطيني من قبل الكيان الصهيوني وجيشه وقطعان المستوطنين، ثم نراهم يتحدثون عن الأخلاق والفضيلة وكأنهم في (جمهورية أفلاطون)؟
الأمريكان بدورهم يتحدثون بهذه اللغة ويعتبرون أن ما يقوم به الصهاينة ( حقهم في الدفاع عن أنفسهم)؟!
كما ترى أمريكا وحلفاؤها أن من حقهم (الدفاع عن أمنهم القومي في البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب المندب وخليج عدن) وليس هناك وقاحة سافرة أكثر من هذه الوقاحة التي تعبر عنها أمريكا وتجر خلفها (عواجيز) بقايا الإمبراطوريات الزائلة، مع بعض أنظمة الارتهان والتبعية، وأخرى خائفة من غضب أمريكا ومن وجود قواعدها العسكرية على أراضيها مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية؟
الصهاينة والأمريكان في حالة ارتباك سلوكي، وفي أزمة وجودية يعانون من الهزيمة والفشل، والهزيمة السياسية قد تكون أكثر تأثيرا على الوعي من الهزيمة العسكرية التي قد لا تؤثر إذا بقت الإرادة والمعنويات مرتفعة، لكن الارتباك الصهيوني جعلهم يتحدثون بإسهاب عن انتصار يسعون إليه منذ أشهر، وفشلوا. يتحدثون عن علاقة قادمة مع الدول العربية، وعن (فتح مبين قادم لهم بالوطن العربي) وهم يخسرون العالم واحترامه؟
يتحدثون عن رفضهم قيام دولة عربية فلسطينية في حدود عام 1967م عاصمتها القدس الشرقية، ثم يتحدثون عن تهجير للشعب الفلسطيني وتوزيعه على دول العالم؟ ثم يتحدثون عن دولة منزوعة السلاح، دولة السيطرة الأمنية فيها لقوات الكيان الصهيوني ؟
بل إن ارتباك هؤلاء الصهاينة ووقاحتهم بلغت حد القول (أن الرئيس البرازيلي شخص غير مرغوب فيه) وكأنه سفير في بلاطهم؟
فقط لأنه انتقد جرائمهم بحق الشعب الفلسطيني واعتبرهم مجرمي حرب؟
المحكمة الدولية بنظرهم، (معادية للسامية) ودولة جنوب أفريقيا يجب أن تسقط ونظامها يجب أن يتغير؟
إما الجمهورية الإسلامية الإيرانية فهي عدوهم اللدود، لأنها تدافع عن الحق العربي الفلسطيني وتقدم الدعم للمقاومة في فلسطين والعراق وسوريا ولبنان واليمن، وبلغت وقاحتهم حد المطالبة بتغير قيم الإسلام، ويجب أن يكون الإسلام السائد والمعتمد في الوطن العربي والعالم الإسلامي هو الإسلام الذي (تمثله السعودية والإمارات)؟
ثقافة المقاومة يجب أن تطمس من وعي وذاكرة الأمة، ويجب أن نسلّم جميعا عربا ومسلمين بأخلاقيات وقيم الصهاينة والأمريكان، حتى تصبح صورنا وتصريحاتنا تحتل أماكنها البارزة على أغلفة مجلات الغرب وأمريكا، وصفحات صحفها، وعلى شاشات فضائيتها؟
وهم حريصون على أن نهتم بأكلنا وشربنا وكل ما يسعدنا من مقومات الترفيه، وان نغرق في ثقافة الاستهلاك الترفي كما تسوق لنا فضائيتنا المستعربة التي تتحفنا على مدار الساعة بكل منتجات الترفيه والإسراف الاستهلاكي، حتى في ساعة أخبارها تنقل لنا أخبار المولات الجديدة وما تعرض من أدوات الرفاهية، في الوقت الذي لا تملك فيه أعظم وأكبر دولة عربية واغناها احتياطاً من القمح والسلع الاستراتيجية ما يكفيها لمدة ستة أشهر، فيما ثرواتهم القومية تستنزف في شراء واستيراد المنتجات الاستهلاكية الترفيهية، حتى أن تكاليف أدوات التجميل لدول الخليج سنويا تُقدر بـ (تسعة مليار دولار)؟