مثلما أن الجزء من الكل، فإن الكل ليس سوى مجموع الأجزاء، ينطبق هذا على الكون في علاقته بالمجرات والأجرام والكواكب والنجوم وكل تفاصيل الكون الأرحب واللامتناهي، كما ينطبق على (الأرض) وطن الإنسان المتعاظم الذي يتفنن في ابتكار كل أنواع الأسلحة الفتاكة والمدمرة وفي تلويث هذا الوطن الذي ملأه بالويلات والآثام، ومن الغريب أن هذا الكائن الضئيل المسمى إنساناً يمتلك من القدرات العقلية الهائلة المكتشفة ومنها قدرته على ابتكار أسلحة الدمار الشامل وكل فنون القتال المعروفة بما تنشره من آلام وفظائع وغير المعروفة أو مكتشفة انطلاقاً من مضمون الآية الكريمة : (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) ولا ندري إلى أين ستوصلنا هذه القدرات والملكات المستخدم معظمها في فنون التوحش، ومن المحزن أن هذا الإنسان الجبار عاجز عن رؤية حجمه قياساً بحجم الكون أو حتى بحجم وطنه (الأرض) الذي نرى كثيراً من الأغبياء يبحثون لهم عن هويات تبعدهم عن الوطن الصغير إلى وطن أصغر خدمة لبعض الأهواء المعتلة وتقصيهم عن رؤية آيات الجمال الطبيعي وتعدد المناخ وما تخلقه القدرة الكونية أو أي قدرة وفقاً لمختلف التصورات والعقول والأفكار والأفهام .
هذا الكائن يتفنن في صناعة أسباب الموت أكثر من تفننه في صناعة أسباب الحياة وتطويرها بما يحقق التوازن بين المادي والمعنوي.
الإنسان – كما قيل – عالم بذاته، فيه يختصر وطنه (الأرض) من بحار وجبال وأنهار وسهول وصحار ووديان وبراكين، ومُخُّه يشبه الكون – كما يقول بعض علماء الكونيات أو علم الكون، وفي عالمه تكمن كل المتناقضات، ومن خلال نشاطه – وأقصد هنا الإنسان الأكثر نشاطاً وحركة وتأثيراً، ومصدر كل ذلك تفاعل عوامل الخير والشر داخله كتفاعل عناصر الأرض، ومدى تغلب الخير والوئام والسلام أو التوتر والقلق والحروب الفتاكة، يلخص ما يؤول إليه تأريخ الإنسان منذ وَجِدَ، صراعٌ مستمر، إما اعتداءً أو دفاعاً استخدم فيه في بداية تأريخه قوته البدنية الطبيعية، ثم بدأ بتطويع الطبيعة في خدمته وتحقيق أغراضه ومطامعه بدءاً باستخدام الأحجار ثم الأخشاب والحديد في البناء وصناعة آلات الحرب البدائية، أي أنه صنع منها ما يخدم الحياة والموت معاً وتفنن في وسائل وأساليب القتال، ببساطة يبدو الإنسان موطن الخير والشر تحركه الغريزة والعقل، أو الغريزة قبل العقل لأنه الكائن الذي يجمع بينهما في ذاته، حيث يعرَّف بأنه حيوان عاقل، وحين يوصف بالعاقل فهذا لا يبعده عن الشر لأن العقل مثلما هو مصدر الخير هو كذلك مصدر الشرور التي لا يقوى على فعلها واتقائها أقوى الوحوش المفترسة، فعقل الإنسان ابتكر أسلحة صيد قادرة على قتل عدد كبير من الطيور بطلقة صيد واحدة تحتوي على كمية كبيرة من الشظايا أو المفرقعات، أي أن الشظية الواحدة تقتل طائراً في السماء بهمسة زر بندقية الصيد تفوق قوة الأسد العاجز عن الطيران للامساك بالطير، الإنسان المميز بالعقل المفترس بات أشرس من أكثر الحيوانات افتراساً بأنيابها ومخالبها، وقادر على إبادة سكان مدينتين بل سكان الأرض إن أراد بهمسة زر مفتاحه داخل حقيبة الموت المحفوظ بجيب رئيس من رؤساء الدول التي يُطلق عليها العظمى قد لا يكون بكامل قواه العقلية .
ومن أهم مزايا هذه الدول احتكار أسلحة الدمار الشامل مع حريتها وقدرتها على تدمير العالم باسم الشرعية الدولية وعلى صناعة الحكام الدمى في الدول الصغيرة، منها من تحكم باسم الديمقراطية والعلمانية، ومنها من تحكم باسم الدين والخرافات والعقائد الفاسدة بكل أشكالها، تحكم شعوباً يتم تجهيلها وتدجينها وتدوير عجلة التخلف بأبشع الأدوات والوسائل وكل أنواع العصبيات المريضة التي يجهل أصحابها أو يتجاهلون ضآلة هذا الكائن الذي يُدعى الإنسان، والأغلبية هم الجهلة ولكن القرار غالبا بيد جزء من المتجاهلين يدفعهم ذلك لتغليب الغريزة وتجاهل أهمية العقلانية واحترام العلم فيقربهم من خانة المجرمين أو المتنمرين وينشط نزعة الشر لديهم، فالجهل مصدر الشر والعلم مصدر الخير – كما يرى كثير من الفلاسفة، ولذلك فإن غالبية الحكام من الأشرار، وإلا فما الذي يدفعهم لتجهيل الشعوب وتدجينهم وتحويلهم إلى مجرد قطعان مطبوعين على السمع والطاعة عكس ما تدعو إليه الآية الكريمة 🙁 الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه )؟
والنتيجة المحزنة أول من يجني ثمارها الحاكم الذي تغلبت غرائزه على عقله فافترست غريزة روحه شهوة التسلط – أحط أنواع الشهوات عند من يعقل، هذا النهج الغرائزي للإنسان يتجلى في استخدام عقله الجبار في ابتكار أبشع أساليب الوحشية وكيل السباب والشتائم على الحيوانات والوحوش المسكينة لاستخدامها غريزة الافتراس مع تدبيج الخطب والمواعظ باسم الفضيلة والإنسانية عن الوحشية والتوحش مخاطباً غيره بفعل الخيرات واجتناب المنكرات، وهذا حال كل من يقولون ما لا يفعلون !!،
هو العدل عنوان كل تقي * ومحرابه المستطاب النقي