يقال إن كل شيء يصل للذروة يبدأ بالانحدار حتى الشمس حين تبلغ ذروتها تبدأ رحلة أفولها نحو المغيب..
ما نشاهد من غطرسة الصهاينة في الأفعال والمواقف والسلوك يوحي بأن هذا الكيان يعيش لحظات الاحتضار الوجودي ويخوض معركة الربع الساعة الأخيرة، وهذا ما تؤكده سلوكيات وممارسات ومواقف هذا الكيان الذي يثبت من خلال كل هذه الغطرسة أنه يعيش في أزمة وجودية، أزمة يحاول التغطية عليها من خلال غطرسة القوة التي نعلم جميعا- كما يعلم الكيان نفسه ويدرك قادته- أن هذه القوة التي يتمترس خلفها لم تعد ذات جدوى ولم تعد كافية للحفاظ على وجوده في المنطقة بعد معركة طوفان الأقصى التي أسقطت هيبة الكيان وأسقطت أساطيره وافقدته الصورة التي كان يحاول التخفي خلفها والتي حاول زرعها في وجدان وذاكرة العرب لعقود بأنه صاحب القوة والكلمة واليد الطولي، وأن كل ما يسعى إليه يتحقق بكل يسر وسهولة، هذه النظرة سقطت ولم يعد أحد في هذا العالم يصدق أساطير الصهاينة بعد معركة الطوفان، لذا وحتى يستعيد أطياف هذه الصورة سعى للانتقام من خلال حرب إبادة وتطهير عرقي من خلال ارتكاب مجازر بحق الشعب العربي في قطاع غزة في عدوان وحشي طال الأحياء والأموات، ومن لم يمت بالقنابل والصواريخ يموت جوعا وعطشا من خلال الحصار والتجويع.
ولم يقف الأمر في هذا النطاق بل تمتد الغطرسة إلى إنكار حق الشعب الفلسطيني والتنكر لوجوده وتحدي القرارات الدولية وإرادة المجتمع الدولي وعدم الاكتراث بكل المواقف والقرارات والمناشدات الدولية وكأن هذا الكيان فوق المجتمع الدولي وفوق الإجماع الدولي واكبر من كل العالم، فهو لكي يغطي عن فشله وعجزه وهزيمته في معركة الطوفان ولكي يطمس من ذاكرة العالم ما حدث في أكتوبر الماضي، يحاول التغطية على كل ذلك برد فعل يفوق قدرة الإنسان على استيعابه، لذا نراه يرتكب مجازر إبادة جماعية في غزة وينكل بعرب الضفة الغربية والقدس وعرب الداخل، ويطالب علنا بترحيل وتهجير الشعب العربي من كل فلسطين إلى بلدان العالم، ويصدر قرارات وتشريعات وتصادق عليها مؤسساته تقضي بعدم الاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية ولا بحقوق الشعب الفلسطيني ولا بحل الدولتين وفق القرارات الدولية، ثم يتحدث بكل صفافة ومجون عن أهمية التطبيع مع الدول العربية، بل ويؤكد أن مسار ومفاوضات التطبيع تسير بسلاسة مع أنظمة عربية عديدة، ثم يهدد لبنان والمقاومة ويصرح بأنه سيحول لبنان إلى غزة أخرى وتمتد عملياته الإرهابية إلى سوريا فيقتل ويستهدف أحياء سكنية ويقتل مدنيين أبرياء ويتحدث عن إيران ويهددها كما يهدد حزب الله في الوقت الذي فشل في قطاع غزة وأخفق في تحقيق أيٍ من أهدافه في القطاع باستثناء قتل النساء والأطفال والشيوخ، وفيما شعوب العالم تدين جرائمه ودول العالم وأنظمتها تستنكر هذه الجرائم من أفريقيا إلى آسيا وصولا لأمريكا الجنوبية، وكل المنظمات الدولية من الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن والجمعية العامة وكل المنظمات الحقوقية الدولية تدين هذا الكيان، إلا أنه يواصل حديث الغطرسة وكأنه لا يكترث بكل هذه التحولات الدولية تجاهه وتجاه جرائمه باستثناء أمريكا التي تقف وتشاركه في كل جرائمه وتمنحه الغطاء السياسي والإعلامي والدبلوماسي في كل المحافل الدولية بما في ذلك داخل مجلس الأمن، حيث استخدمت حق النقض الفيتو أربعة مرات خلال أربعة أشهر فقط وهذا لم يحدث في التاريخ الدولي..!!
كل هذه التداعيات تؤكد حقيقة وحيدة وهي أن هذا الكيان يحتضر ويعيش في الربع الساعة الأخيرة وانه ضعيف ومهزوم ومرعوب من النهاية الحتمية التي يتجه إليها مساره الراهن رغم الغطاء اللا أخلاقي الذي تقدمه له واشنطن والغرب والتي دفعت واشنطن ولندن إلى الحشد العسكري في البحرين الأبيض والأحمر، وفي الأول حشدت أمريكا أساطيلها لحماية الكيان من حزب الله وخوفها من إقدام الحزب على تفجير مواجهة شاملة مع الكيان الأمر الذي يعني التعجيل بنهاية هذا الكيان، وفي البحر الأحمر حشدت واشنطن لمواجهة اليمن التي قررت خوض معركة الطوفان دعما وإسنادا لأشقائنا في قطاع غزة من خلال استهداف السفن الصهيونية والسفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة دعما للصهاينة ومع ذلك كذبت أمريكا حين قالت إنها جاءت للبحر الأحمر بقواتها لحماية الملاحة الدولية التي لا أحد يستهدفها لكن واشنطن اضطرت الكذب على العالم وعلى شعبها بزعم أنها تحمي الملاحة الدولية فيما هي جاءت لحماية الكيان الصهيوني وأيضا لاستعادة هيبتها التي أسقطها الموقف اليمني، إذ من كان يجرؤ على تحدي الإرادة الأمريكية أو التمرد عليها وإهانة نفوذها الجيوسياسي الأمر الذي يجعلها أضحوكة أمام الرأي العام الأمريكي والدولي، لهذا جاءت بصحبة بريطانيا التي يطلق عليها في أوروبا وأمريكا وحتى في بريطانيا نفسها بأنها (ذيل أمريكا) أو (عرافتها العجوز) استنادا لما لدى بريطانيا من معلومات عن المنطقة والعالم بحكم تاريخها الاستعماري القديم والحديث.
إن كل المؤشرات التي من السهولة استنتاجها من مواقف وتصرفات الكيان الصهيوني والتصريحات غير المقبولة التي يطلقها قادة الكيان كلها تؤكد أن هذا الكيان في حالة انهيار وخوف ويعيش لحظات وجودية صعبة وقاسية ولكنه يحاول من خلال كل هذه الممارسات والمواقف التغطية على معاناته وإظهار نفسه بالقوي وإلا ماذا يعني قول رئيس وزراء الكيان (إن لم ننتصر على حماس فإن الشرق الأوسط سينهار)؟!
أو قول وزير الدفاع الصهيوني ( إن لم ننتصر في غزة فإن وجودنا كدولة على المحك)، وحتى التصريحات الأمريكية تربط أهمية وضرورة الانتصار الصهيوني على حركة المقاومة لأن عدم الانتصار يشكل خطرا على أمن الصهاينة..!!
لدرجة أن أمريكا وبريطانيا والغرب يغامرون في علاقتهم الدولية في سبيل تمكين الصهاينة من تحقيق الانتصار ورد اعتبارهم الذي أهدرته المقاومة، لكن ومع كل هذا الجنون الصهيوني والتغطية الأمريكية البريطانية الغربية فإن الهزيمة لا تزال تلاحق الكيان بعد مائة وثمانية وثلاثين يوما من بدء عدوانهم على غزة، أيام طويلة صمدت فيها المقاومة ولاتزال صاحبة الكلمة العليا واليد الطولى رغم وحشية العدوان والدعم الأمريكي والدولي والتواطؤ العربي الإسلامي، وبعد فترة العدوان الطويلة أجبر الكيان قهرا وقسرا وعنوة على مفاوضات المقاومة من أجل إطلاق سراح رهائنه لديها الذي فشل بكل قوته وجرائمه من تحرير ولو أسير واحد.
الأيام القادمة كفيلة بالتأكيد أن المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق وسلطة صنعاء والنظام في سوريا وبرعاية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هم من ساهموا في تشكيل أطياف النظام الدولي الجديد، نظام متعدد الأقطاب وهذا ما تؤكده مواقف الأطراف الدولية الفاعلة وتحديدا روسيا والصين.
21 فبرائر 2024م
Prev Post