الخطوة الأولى نحو تحقيق السلام والمصالحة الوطنية

يكتبها اليوم / عبد العزيز البغدادي

 

 

(إلى من حضر اللقاء ومن تهمه المصالحة الحقيقية)
الفرق واضح بين جعل الاختلاف في الرأي وسيلة للبحث عن القواسم المشتركة وبداية حقيقية لمصالحة وطنية شاملة كخطوة لاستعادة كرامة اليمن التي دُنست وسيادته التي انتهكت، وبين اتخاذ آراء من نسميهم الفقهاء والعلماء عقائد تعبد من دون الله وتستخدم في تأجيج الصراع واستثمار الجهل من قبل أمراء الحرب الذين لا يملكون أياً من شروط القيادة، الفقر والجوع والجهل والمرض مكّنهم من رقاب الناس، والحرية والإباء تكمنان في نفوس ذوي الأرواح الأبية والقلوب الحية؛
يوم أمس الأول 18فبراير 2024سعدت بحضور جلسة مقيل فكرية بمركز “دال” الذي يرأسه الأخ الدكتور حمود العودي، استعرض خلالها الأخ الأستاذ فيصل أمين أبوراس رسالة تاريخية وجهها والده الشيخ أمين أبو راس للإمام أحمد رحمهما الله والدور الوطني للقبيلة اليمنية في مراحل النضال المختلفة وقرأ قصيدة شعبية قبلية نقلت لنا معركة من معارك مقاومة الاحتلال العثماني ودور القبيلة فيها في قالب شعري بديع ، ولا يمكن أن تسمى السيطرة على أي بلد أو دولة أو منطقة من قبل دولة أو قوة أخرى إلا احتلالاً، سواء كان باسم الدين أو تحت أي عنوان ، فالدين لا يُفرض بالقوة والإكراه ، ولغة السيطرة لغة الإمبراطوريات القائمة على البطش تناقض الدين ومكارم الأخلاق وتصيب العدالة في مقتل .
والرسالة موجهة إلى 🙁 مسامع الدولة البريطانية العظمى )، هكذا جاء في الرسالة المؤرخة 14ربيع الأول 1227الموافق 1918 باسم معاشر قبيلتي حاشد وبكيل والتي نشرها الأخ الأستاذ القدير حسن حمود الدولة في صفحته على الفيس بوك، وطالبه الأخ الدكتور عوض يعيش في تعليقه بتحقيقها للتعرف على من كتبها وصفات من وقعها ، وللعلم أن الأستاذ حسن كان قد قام بطباعة الرسالة بناءً على طلب مني ليسهل قراءتها ولم يقل أنه حققها، فالتحقيق يتطلب معرفة هل وصلت إلى من أرسلت إليه وما نتائجها وكلما يتعلق بشروط التحقيق العلمي لأي رسالة أو كتاب أو وثيقة تاريخية لتأكيد صحتها ،وعزز تعليق الدكتور عوض عدد من التعليقات المؤيدة.
ناقش الحضور الرسالتين من زوايا مختلفة ودور القبيلة في الدولة اليمنية والهمّ الوطني الذي لابد أن يُنظر له بموضوعية وحياد.
الأسئلة حول بناء الدولة الوطنية عديدة والإجابة عليها ماتزال في إطار الحلم ومن الأسئلة: هل تزايد نفوذ القبيلة يرجع إلى قوتها أم إلى ضعف الدولة وكيف تبنى دولة وطنية قوية مسلحة بالعلم والعدالة ؟؟!!، وهل يمكن الجمع بين الدولة والقبيلة؟، وهل تمثل القبيلة 80 %من المجتمع اليمني أم 20 %، وهل هي مستفيدة من استمرار دوامة الصراع الداخلي المستثمر من الخارج أم أنها متضررة شأن غالبية الشعب، والمستفيدون من الحروب والأزمات في الداخل دائماً قلة .
الارتهان للخارج وبالذات للجار السعودي سبب رئيس في ابتلاعها ما يزيد عن 70%من أراضي اليمن منذ تكونت المملكة ، حيث لا وجود لأي دولة في الجزيرة العربية حينها غير اليمن وعمان، والعيب بالطبع ليس في من يوسع نطاق مملكته المخلوقة من عدم، وإنما فيمن يضيع وطنه (السعيدة) لمصلحة السعودية بدعم بعض المشايخ ومراكز القوى المختلفة ، ولعل الجزء الثالث من مذكرات القاضي عبد الرحمن الارياني قد كشفت الكثير من هذه المراكز والجهود التي بذلت دون جدوى في إقامة علاقة حسن جوار مع المملكة المستحدثة، وكان من حسن الفطن إدراك أن حسن الجوار مع الشعب اليمني أفضل بآلاف الدرجات من معاداته والاعتماد على الحكام ومراكز القوى، لأن الشعوب باقية أما الحكام فإلى زوال وتحقيق الأماني بحاجة لجهد ونضال حقيقيين ومعاقبة كل من يفرط في سيادة وطنه؟!
الارتهان الغبي ودور القبيلة يمكن استخلاصه بنظرة فاحصة ومحايدة في كشف من خلعوا ضمائرهم وأحاسيسهم خارج بوابة مؤتمر الرياض لتقديم الشكر والامتنان لعاصفة الحزم والعزم التي هبّت للعدوان على اليمن بزعم نجدة الثورة والجمهورية والوحدة اليمنية وفي كل اجتماع مشابه والتدقيق فيما آلت إليه الأمور!!، ولا يعني هذا تبرئة بقية المشاركين في الصراع، وهل كان جميع من حضر المؤتمر من المشايخ والقبائل، وما نسبة الحضور من قادة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني مع الاحترام لمن لم يشارك في المهزلة.
بعض مشايخ القبائل إذا لم يجدوا من يلجمهم شأنهم شأن الضباط بدون ضابط، والسياسيين بدون سايس، والقبائل إن لم يجدوا من يقودهم ويعلمهم الوطنية في القبيَلة، وهل يُباح الاستعانة بالشيطان السعودي وتجاهل مطامعه بعد كل هذا التاريخ من حزن الجوار؟!؛
وأقصد برجال القبائل والمشايخ المشاركين في معركة إبادة اليمنيين ببعضهم المستمرة.
كل شعب فيه الشريف والوضيع، الكريم واللئيم، الشجاع والجبان، العاقل والمجنون، الأمين والخائن، وكل المتناقضات، فهل من طريق للخروج من هذا النفق، وأين العقول والقلوب المحبة لوطنها حباً إنسانياً خالياً من الأحقاد والأمراض التاريخية المزمنة؟!
إن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة جادة وواعية نحو السلام تضرب بكل دعاوى التميّز والتمييز وادعاء امتلاك الحقيقة عرض الحائط وتنظر إلى اليمن كجزء من العالم وإلى كل الشعب اليمني كمالك حصري للسلطة والثروة، وتجريم استقواء أي طرف بالخارج ضد طرف آخر من شركاء الوطن، ولكي ندرك أن لنا وطن من أغنى الأوطان في العالم وأجملها، علينا أن نستخدم عقولنا كأحرار ونرفض حياة القطعان.
في وطن يكتفي بالأماني
تصير القيود جسور الحياة
نمتطي الذاكرة في طريق الغياب المقدس.

قد يعجبك ايضا