الثورة – قضايا وناس
في ظل جرائم الإبادة الجماعية التي يقوم بها جيش الاحتلال بحق سكان غزة يعمل الكيان الإسرائيلي بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية على تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال استهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الغربية تعليق تمويلها للوكالة بعد اتهامات صهيونية لعدد من الموظفين في الوكالة بالمشاركة في الهجوم على الكيان في السابع من أكتوبر الماضي.
ويبدو أن الكيان الصهيوني والأمريكيين قد رأوا أن الوقت سانحا للتخلص من الوكالة وسحب صفة اللاجئ من الفلسطينيين باعتبارهم تهديدا ديمغرافيا يهدد مستقبل الكيان وبالتالي التخلص نهائيا من حق العودة للفلسطينيين والتي ظلت تؤرق كيان العدو لعقود .
كذلك من حيث توقيت القرار الذي يأتي في وقت تمر فيه غزة بكارثة إنسانية نتيجة العدوان الحصار الصهيوني سنجد ان هدف القرار هو الدفع أكثر بعملية تهجير الفلسطينيين من القطاع وتخييرهم بين التهجير أو البقاء والموت قتلا وجوعا خصوصا وان التهجير امر طرح منذ بداية العدوان على غزة ومعنى ذلك ان الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية تريدان التخلص من حق العودة للفلسطينيين نهائيا وتهجير ما تبقى منهم داخل فلسطين وبالتالي تحقيق ما يحلم به الكيان الصهيوني ويسعى اليه منذ عقود.
الاستهداف المتواصل للأونروا
منذ إنشاء الاونروا في العام 1949 م تتعرض الوكالة للاستهداف من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية وأبرز هذه الاستهدافات ما تعرضت له الوكالة خلال الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية، فعند اندلاع الانتفاضة الأولى في العام 1987، زعم الكيان الصهيوني أنّ بعض موظفي “الأونروا” أعضاء أو مؤيدين لتنظيمات فلسطينية مقاومة، مدعيا أنّ مركبات الوكالة تُستخدم لنقل المقاتلين والأسلحة كونها تتمتع بالحصانة الدبلوماسية، وهذه الاتهامات تكررت مع اندلاع الانتفاضة الثانية في العام 2000.
كذلك عملت الولايات المتحدة الأمريكية على توجيه أصابع الاتهام إلى “الأونروا”، ففي العام 2018، أوقف الرئيس دونالد ترامب، المساعدات المالية السنوية والبالغة نحو 300 مليون دولار عن الوكالة، متهماً الوكالة بـ “الفشل في أداء مهمتها” وهو ما رحب به الكيان الصهيوني، مُتّهما الوكالة الأممية بـما اسماه “إطالة أمد النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني” من خلال تكريسها مبدأ حق العودة ولا سيما للاجئين في غزّة وفي الدول الإقليمية المجاورة لتستأنف واشنطن تقديم التمويل ابتداءً من العام 2021، بعد انتخاب جو بايدن رئيساً.
وتسوّق الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني لمجموعة من المبررات لتشويه “الأونروا”، في مقدّمتها أنّ الوكالة تدرّس المناهج الفلسطينية التي تضمن حق العودة إلى أرض فلسطين التاريخية وتُندد بـ “السلام” مع الكيان الإسرائيلي، وكذلك من الممكن للمقاومة الفلسطينية الاستفادة من موارد الوكالة ولا سيما في قطاع غزّة، وأخيراً، وجود 1 % فقط من الأجانب بين موظفي “الأونروا”، الأمر الذي يُسهم في الحفاظ على الهوية الفلسطينية داخل الوكالة.
صفقة القرن خطة ضد الاونروا
من ضمن الاستهداف للأونروا ما رسمه الكيان الصهيوني والولايات المتحدة من خطة ضمن ما يعرف بـ”صفقة القرن” ضدّ “الأونروا” نشرها معهد “الأمن القومي الإسرائيلي” في العام 2020 تتضمن 4 بدائل في مقدّمتها تفكيك الوكالة، ونقل ميزانيتها إلى حكومات الدول المضيفة للاجئين، وأيضاً نقل صلاحيات الوكالة وميزانيتها إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهنا يأتي دور المفوضية التي ستنقل اللاجئين إلى دولة ثالثة بما يتيح لهم الحصول على حق الإقامة الدائمة وأخذ الجنسية، وهو ما سيقود إلى سحب صفة اللاجئ من الفلسطينيين.
وعادت هذه الخطّة إلى الواجهة بعد اندلاع “طوفان الأقصى” في غزّة مع وجود بعض الاختلافات التكتيكية، إذ نقلت القناة “12” الصهيونية أنّ تقريراً لوزارة خارجية الكيان “شديد السرية”، تحدث عن 3 مراحل تقود إلى تقويض “الأونروا” بما في ذلك إخراجها من قطاع غزة، حيث تكمن المرحلة الأولى في الكشف عن تعاونٍ مزعوم بين الأونروا وحركة حماس” التي تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية منظمة إرهابية.
والمرحلة الثانية فرض حصار مالي عليها، والتوقف عن تمويلها، بما يؤدي إلى تعطيل برامجها، وشل خدماتها، والعجز عن تسديد رواتب موظفيها، ما يؤدي إلى إحداث الفوضى في صفوفها، وإغلاق مراكزها، وطرح علامات استفهام حول مصيرها.
أما المرحلة الثالثة فتتلخص في “عملية نقل كل مهمات الوكالة إلى الهيئة التي ستحكم غزّة بعد انتهاء الحرب”.
لذلك، فإنّ التضييق على “الأونروا” يأتي في سياق جهود تفكيك قضية اللاجئين تمهيداً للدفع في اتجاه مفاوضات غير متوازنة تضغط على الفلسطينيين عبر وضعهم بين خيار القتل والتهجير والجوع أو التنازل عن حق العودة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ماهي وكالة “الأونروا؟
تشكلت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في العام 1949 نتيجة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وبروز قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين نزح معظمهم تجاه الضفة الغربية وقطاع غزّة، فضلاً عن دول الجوار في الأردن ولبنان وسوريا.
لذلك، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 302 في /ديسمبر 1949، الخاص بتأسيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين في الشرق الأوسط “الأونروا”، للتخفيف من تداعيات مأساة اللاجئين الفلسطينيين، وبدأت الوكالة عملها في الأول من مايو 1950.
وتمتلك “الأونروا” تفويضاً إنسانياً وتنموياً بتقديم المساعدة والحماية للاجئي فلسطين ريثما يتم التوصل إلى حلٍ عادلٍ ودائم لمحنتهم. وتستمد الوكالة تفويضها من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويتجدد تفويضها كل 3 سنوات.
وتقتصر مسؤولية “الأونروا” على توفير خدماتٍ لمجموعة واحدة من اللاجئين، وهم الفلسطينيون المقيمون داخل مناطق عملياتها، في حين أن المفوضية السامية مسؤولة عن اللاجئين في بقية أنحاء العالم.
ولخّص الأمريكي جون ديفيس، مدير “الأونروا” في العام 1959، رؤيته لدور الوكالة بأنّه بمنزلة “تكلفة منخفضة الثمن يدفعها المجتمع الدولي مقابل عدم حل المشكلات السياسية للاجئين الفلسطينيين”.
وهناك نحو 5.9 مليون فلسطيني مسجّلين لدى “الأونروا” يمكنهم الاستفادة من خدماتها التي تشمل التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والبنى التحتية للمخيّمات والتمويلات الصغيرة والمساعدات الطارئة، بما في ذلك خلال الفترات التي تشهد نزاعاً مسلّحاً.
وتعمل “الأونروا” في 58 مخيماً للاجئين الفلسطينيين، موزعة بواقع 19 مخيماً في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزّة، و10 مخيمات في الأردن، و12 مخيماً في لبنان، و9 مخيمات في سوريا.
مصادر التمويل
بحسب “الأونروا” في موقعها الإلكتروني فان التمويل بالكامل تقريباً يأتي من خلال التبرعات الطوعية، ومعظمها من الجهات المانحة الحكومية، وأبرزها: الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، السعودية، السويد، قطر، والإمارات. كما يتمّ دعم الوكالة بشكل كبير من جانب الاتحاد الأوروبي والحكومات الإقليمية ووكالات الأمم المتحدة.
ووفق “الأونروا”، فإنّ المساعدات المالية الدولية تُمثّل ما نسبته 93% من مجمل النفقات، بينما تتوزع النسبة المتبقية على منظمات دولية إغاثية وإنسانية.
وتموّل الولايات المتحدة “الأونروا” بـ(343.9 مليون دولار)، وألمانيا (202 مليون دولار)، بينما يقدّم الاتحاد الأوروبي (نحو 157 مليون دولار)، أما بريطانيا فتقدّم (21.1 مليون دولار)، واليابان (30.1 مليون دولار) وغيرها من الدول.
وبحسب ميزانية “الأونروا” لعام 2023، فإنّ إجمالي النفقات بلغ 1.6 مليار دولار، من دون احتساب النفقات الإضافية التي تسببت بها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، البالغة 481 مليون دولار في فترة الربع الأخير 2023، ما يعني أنّ المبلغ يتجاوز ملياري دولار.
الوكالة تحذر من توقف عملها في غزة
في ظل الاستهداف الصهيوني الأمريكي وتعليق التمويل حذرت الأونروا” من أنها قد تضطر إلى إيقاف خدماتها في قطاع غزة مع نهاية الشهر الجاري جراء تعليق عدد من الدول تمويلها.
وقالت الوكالة في بيان “إن الأزمة الإنسانية في القطاع تتفاقم في الوقت الذي يعرض فيه تعليق التمويل عمليات الإغاثة للخطر”، مضيفة: “إذا ظل التمويل معلقاً فسنضطر على الأرجح إلى إيقاف عملياتنا بحلول نهاية شباط”.
وأعربت الوكالة عن قلقها من قرار بعض الدول وقف تمويلها، لافتة إلى أن أي قيود إضافية على المساعدات ستؤدي إلى المزيد من المعاناة.
من جانبهم أكد رؤساء وكالات إنسانية تابعة للأمم المتحدة أن قطع التمويل عن وكالة “الأونروا” سيكون له عواقب كارثية على قطاع غزة، وقد يؤدي إلى انهيار النظام الإنساني في غزة مع عواقب إنسانية وحقوقية بعيدة المدى في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي جميع أنحاء المنطقة.