مع بداية العدوان على قطاع غزة حذرت صنعاء إسرائيل من الدخول في مرحلة الهجوم البري، ولم يأخذ الكثيرون هذا الموقف على محمل الجد، ولكن بعد ثلاثة أيام من بدء الهجوم البري، اليمن تهدد سفن الشحن الإسرائيلية أو المتجهة إلى الأراضي المحتلة ثم السيطرة على سفينة «جالاكسي ليدر» وتلا ذلك عدد من العمليات البحرية التي منعت السفن التجارية المتجهة للكيان الصهيوني من المرور عبر البحر الأحمر وتسببت تلك العمليات بقلق كبير للداعم والحليف الرئيسي للكيان الإسرائيلي، وكان الإعلان من مستشار الأمن القومي الأمريكي لجو بايدن، أن الولايات المتحدة تتفاوض مع دول أخرى وتحاول إقناعها بتشكيل قوة بحرية دولية لضمان المرور الآمن للسفن في البحر الأحمر، وأن وزارة الدفاع الأمريكية تحاول ضم 40 دولة إلى هذه القوة البحرية الدولية التي ستراقب مساحة ثلاثة ملايين ميل من المياه الدولية وتشمل الدول الأعضاء في القيادة المركزية الأمريكية CENTCOM)).
التحالف فشل قبل أن يبدأ، ووجدت أمريكا وبريطانيا نفسيهما وحيدتين في شن عدوان همجي على اليمن…الثورة / أحمد السعيدي
البداية بـ 24 دولة
قبل ثلاثة أسابيع أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، عن إطلاق عملية متعددة الجنسيات لما زعم انه حماية التجارة في البحر الأحمر، في أعقاب سلسلة من الهجمات الصاروخية وبطائرات مسيرة شنتها القوات البحرية اليمنية، وقال أوستن بعد زيارة إلى البحرين التي تستضيف الأسطول الأمريكي في الشرق الأوسط، إن الدول المشاركة تشمل بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا وأضاف أنهم سيقومون بدوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن تحت مسمى “المبادرة الأمنية متعددة الجنسيات” ويضم التحالف العسكري أكثر من عشرين دولة تسعى على حد قوله إلى ترسيخ المبدأ الأساسي لحرية الملاحة عليها أن تتكاتف لمواجهة التحدي الذي تشكله هذه الجهة”.
اعتذار وانسحاب
في بداية الأمر انضمت لهذا التحالف عشر دول وسط غياب عربي بارز، وما إن أعلنت أمريكا عن هذا التحالف الذي أسمته “حارس الازدهار” في البحر الأحمر، حتى تلقى ضربة قوية من قبل أكبر الدول التي كانت قد أعلنت الانضمام إليه، فبعد موافقة نحو 20 دولةً على المشاركة في هذا التحالف البحري انسحبت كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا رسمياً منه وأوضحت الدول الثلاث بأنها لن تقوم بإجراء المزيد من العمليات البحرية إلا تحت قيادة حلف شمال الأطلسي “الناتو” وليس “أمريكا”، وبانسحاب هذه الدول لم يتبق من الدول المشاركة في التحالف مع أمريكا سوى بريطانيا التي أعلنت مشاركتها بالمدمرة “دايموند”، وكندا التي لم تحدد حجم مشاركتها، بالإضافة إلى اليونان التي أعلنت مشاركتها بفرقاطة يتيمة، وقد تنسحب تحت ضغوط الحزب الشيوعي، فيما أعلنت هولندا مشاركتها بضابطين اثنين والدنمارك بضابط واحد وأستراليا بـ11 جنديا والنرويج بعشرة ضباط، أما البحرين وسيشيل فليستا داخل حسبان تشكيل تحالف دولي نظرا لصغرهما من حيث المساحة والدور.
ضغوط سياسية
هذه الانسحابات تعكس الدوافع المتناقضة وراء تشكيل التحالف، حيث تشير التقارير إلى أن إصرار واشنطن على تشكيل هذا التحالف هو لحماية الكيان الصهيوني، وإنقاذه من الانهيار الاقتصادي أو على الأقل اهتزاز وضعه الاقتصادي وتجنيبه الخسائر الفادحة التي يتكبدها نتيجة منع القوات اليمنية السفن المتجهة إلى الأراضي المحتلة من عبور البحر الأحمر.
لم تيأس الولايات المتحدة الأمريكية وأرسلت وزير خارجيتها أنتوني بلينكن إلى الدول العربية لممارسة الضغط السياسي للانضمام إلى هذا التحالف أو على الأقل الموافقة عليه وعلى الضربات العسكرية التي ستنفذها على اليمن، ولكن الدول العربية رفضت، وكانت تخشى من ردة فعل شعوبها، وسبق وان أبلغت واشنطن أن الانضمام لأي تحالف ضد اليمن هو في الحقيقة تحالف من اجل حماية إسرائيل، وبالفعل وصل الوزير بلينكن إلى المنطقة والتقى محمد بن سلمان واخبره أن واشنطن تريد أن تتلقى “صنعاء” رسالة مفادها أن “هذا الأمر يجب أن يتوقف” لكن السعودية اعتذرت على المشاركة بسبب المفاوضات الجارية مع صنعاء لوضع حرب اليمن على سكّة الحلّ، وفي المقابل فشلت زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى مصر أيضاً التي أعلنت عدم موافقتها على المشاركة في هذا التحالف البحري الذي تقوده واشنطن، لأن ذلك قد يضعها في موقع الشريك في دعم إسرائيل في حربها على غزة، وهو ما قد يقوض موقعها في المنطقة واعتبارها التاريخي “حارسا” للقضية الفلسطينية”، كما لم تنجح تلك الضغوط السياسية الأمريكية مع بقية الدول العربية مثل الأردن والإمارات وقطر وغيرها.
عدوان ثنائي
وما إن أعلن هذا التحالف فشله رسمياً حتى قررت الولايات المتحدة الأمريكية شن عدوان على اليمن برفقة شريكتها بريطانيا، ويتضح، من العدوان فجري الجمعة والسبت على اليمن بشكل منفرد مع بريطانيا، فشل كل محاولات هذا التحالف لفك الحصار اليمني المفروض على الملاحة الإسرائيلية، أمام حنكة وقدرة القوات البحرية اليمنية التي نجحت بدقة عالية في فرض هذا الحصار بنسبة 100 % وذلك باعتراف وسائل إعلام العدو، وهي نسبة غير مسبوقة في تاريخ الخيارات العسكرية في هذا الميدان.
وبتنفيذها عدواناً على اليمن، تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد ارتكبت أفدح خطأ وأكبر حماقة في تاريخها، فاليمن العنيد والمقاوم لن يبقى مكتوف الأيدي، بل أن لديه خيارات كثيرة وواسعة لردع هذا العدوان والرد على منفذيه وكل المتورطين والمشاركين فيه، ولعل الأمريكي يخبر ذلك جيداً خاصة بعد أن جاءه الرد السريع من صنعاء التي لم تتردد في استهداف سفينة أمريكية رداً على الاعتداء الأمريكي على البحرية اليمنية في البحر الأحمر.
تجارب سابقة
وربما لم يأتِ فشل هذا التحالف العسكري على اليمن بجديد، فجميع تحالفات أمريكا القديمة، من أفغانستان والعراق إلى ليبيا وأوكرانيا، ومن الخليج إلى بحر الصين وغيرها، لم تفشل في الوصول إلى النتيجة المرجوة فحسب، بل إن كل هذه التحالفات انهارت بعد فترة وأصبحت عمليا فضيحة لأمريكا، الهروب المخزي من أفغانستان، الفشل في ابتلاع العراق وسوريا، فشل خطة الشرق الأوسط الجديدة في لبنان عام 2006م وحرب الـ 33 يوما، سلسلة الإخفاقات في حرب أوكرانيا، التراجعات القسرية لأمريكا أمام اقتدار إيران البحري في الخليج وما شابهها في بحر الصين ما هي إلا مظهر صغير من مظاهرها، وهي نسخة عقيمة من التحالفات الأمريكية؛ بحيث لم يعد حلفاء أمريكا الأوروبيون يقبلون الأحادية الأمريكية تحت ستار التحالفات الوهمية. وهو النهج الذي برز في معارضة العديد من الدول الأوروبية لاستمرار الحرب في أوكرانيا.
تحالفات تدعم الإرهاب
التحالفات الأمريكية لا تؤدي إلى انعدام الأمن فحسب، بل هي دائما الأساس لتصعيد أزمات وجرائم لا حصر لها في العالم، مثل التحالف ضد تنظيم القاعدة في أفغانستان، والتحالف ضد داعش في العراق وسوريا. التحالفات التي لم تساعد في الحد من تدفقات الإرهابيين فحسب، بل استهدفت بالفعل جبهة مكافحة الإرهاب، وأوضح مثال على ذلك إرهاب الدولة الأمريكية باستشهاد قادة المقاومة في الهجوم الإرهابي على مطار بغداد. وتاريخ الولايات المتحدة في تصرفات مماثلة يظهر أن التحالف الذي تبحث عنه الولايات المتحدة في البحر الأحمر يدعم رسميًا عراب الإرهاب، الكيان الصهيوني، ويطلق العنان لأيدي المحتلين لمواصلة جرائمهم.