أبرزت الحرب الغاشمة ضد غزة الباسلة وضد الشعب الفلسطيني مدى ذلك الحقد والإجرام والبشاعة ورغبة التدمير والتصفية لدى الكيان الصهيوني كما أثارت مشاعر ملايين البشر في مختلف إنحاء العالم ومنهم المثقفين والأدباء.
ومن بين تلك الأصوات الدكتور واسيني الأعرج الروائي الجزائري والأستاذ في جامعة السوربون بباريس، والذي اعتبر ما يجري في غزة اليوم من قتل ودمار بمثابة “جريمة إبادة”، مستنكرا في حديثه الموقف العربي الرسمي مما يحدث في غزة.
يقول الأعرج إنه زمن متوحش جديد، وإنه متأثر جدا كما جميع من في قلوبهم بذرة من الإنسانية، فـ”ليس شرطا أن يكونوا عربا أو مسلمين أو مسيحيين، ولكن شرط الإنسانية الأدنى هو الذي يجعلنا نختلف عن الحيوانات الشرسة والمفترسة، ما يجري في غزة اليوم من تدمير للبنى التحية وقتل للبشر حالة غير مسبوقة من الجريمة وعدم الإحساس، أي أن الحس البشري لم يعد موجودا”.
ويرى الروائي الجزائري أن ما حدث في غزة “هو في الحقيقة محصلة لسلسلة من الممارسات لم تتمكن من إيقافها القوى الدولية”، ويدافع عن موقفه تجاه ممارسات إسرائيل وداعميها بقوله “لا أعتقد أن هناك صوتا حقيقيا يستطيع أن يعلو على الجريمة، لأن الجريمة عندها وكلاء، وهؤلاء الوكلاء أصبحوا يعلنون بشكل رسمي وواضح -وعلى رأسهم الولايات المتحدة طبعا وبقية الدول الأوروبية- مساندتهم إسرائيل في حربها على غزة”، واصفا حرب إسرائيل على غزة بأنها “جريمة إبادة”.
ويقول الأعرج “حتى تغطية وسائل الإعلام الغربية لأحداث غزة لا تظهر أي صورة من صور دمار الغارات الإسرائيلية الوحشية في غزة، فأنا في باريس إذا تابعت القنوات الفرنسية لن أرى شيئا نهائيا عن المجازر التي تحدث في غزة”.
ويشبّه الأعرج ما يجري في غزة من تدمير وقتل للمدنيين بأحداث الحرب العالمية الثانية “حيث الضحية أصبح جلادا بكل بساطة”.
يصف واسيني الأعرج تدمير غزة عبر الغارات الجوية الإسرائيلية بقوله “عندما نرى الصور وكأننا نرى زلزالا عنيفا ضرب المدينة ربما تفوق قوته أكثر من 9 درجات على مقياس ريختر، لا توجد أبنية بقيت واقفة، خصوصا بالنسبة للمناطق الحيوية والمناطق التي كانت قبل أيام قليلة أماكن للتنزه والفرح بالنسبة للفلسطينيين”.
وتساءل “كيف يمكن لإسرائيل أن تسخر من الضمير العالمي؟ وكيف يمكن لها أن تجعل الضمير العالمي لعبة؟ وكيف للضمير العالمي أن يقبل بذلك كله؟ وطالب الأعرج الرأي العام العالمي بمؤازرة الفلسطينيين في مأساتهم بحكم العلاقات الإنسانية اليومية بين البشر أنفسهم”.
ويقول الأعرج إن “إسرائيل فتحت كل أبواب الطغيان والبؤس والقتل تجاه الفلسطينيين، وهذه هي الصورة الحقيقية لإسرائيل”.
ويضيف “في الحقيقة غزة اليوم تشكل نموذجا صغيرا لما يمكن أن يحدث في الوطن العربي، لأن إسرائيل تطلق خطابا مزدوجا، أولا: تدمير ما تبقى من بؤر النضال الفلسطينية وحسمها نهائيا، والدفع بالفلسطينيين نحو صحراء سيناء وهكذا تصبح هذه الجهة مستقلة، وأيضا الدفع بسكان الضفة الغربية باتجاه الأردن، وبذلك تصبح إسرائيل دولة كاملة”، ويعود ليؤكد “لكنهم مخطئون لأن شعبا سرقت منه أرضه واليوم تتم إبادته لا يمكن أن يصمت أبدا على تلك الممارسات”.
ويقول واسيني الأعرج إن ما يحصل في غزة “هو في الحقيقة نموذج إسرائيلي، وكأن إسرائيل تقول في خطابها الثاني احذروا يا عرب، أي تحرك من أي دولة عربية سيحصل لها كما حصل في غزة من تدمير، احذروا، انظروا إلى القنابل، انظروا إلى التدمير الكلي في غزة، كل مدنكم ستصبح بهذا الشكل إذا تحركتم ضدنا”.
وبشأن الموقف العربي الرسمي مما يحدث في غزة يشير الأعرج إلى أن “العرب مسؤولون عما يحدث اليوم، فقد دخلوا في الاقتتال في ما بينهم، وساهموا في كسر (شوكة) بعض البلاد العربية، وبالتالي هذا ما هو إلا نتيجة في نهاية المطاف”.
ويأمل واسيني الأعرج أن ينزل المواطنون العرب إلى الشوارع لكي يقولوا “لا لهذه الجريمة، لا لهذا الطغيان، لا لهذه الطريقة في تقتيل الناس في مشهدية مرعبة والعالم كله يتفرج عليها”.
واختتم الروائي الجزائري حديثه “لم يبق شيء إلا هبّة شوارع على الأقل، يمكن للشارع العربي أن يضغط قليلا على أميركا، وأن يضغط على أوروبا لتغيير موقفها ولدفعها إلى اختراق هذا الصمت المطبق الممارس على الفلسطينيين”.