خبراء وباحثون: إغلاق مضيق باب المندب في وجه السفن الإسرائيلية، فرض معادلة استراتيجية جديدة ستكون لها تأثيراتها الكبيرة على المعركة في غزة

رغم أن القرار يفقد صادرات الكيان صفتها التنافسية وتحوّل أنظار مستورديها إلى أماكن أخرى أقلّ كلفةً: شركات نقل إسرائيلية تعلن تغيير مساراتها البحرية عبر مضيق باب المندب وتفرض زيادة في الكلفة بـ 10 أضعاف

 

ناشطون في مواقع التواصل: شركات تجارية عالمية ألغت معاملاتها مع إسرائيل، خوفاً من قصف سفنها في البحر الأحمر
العميد سريع: لن نتردد في استهداف أي سفينة إسرائيلية ابتداء من لحظة إعلان هذا البيان، ولن نتوقف حتى وقف الحرب على غزة

الثورة / يحيى الربيعي/ وكالات

تزداد المخاوف بشأن أمن السفن الإسرائيلية والتي تبحر في البحر الأحمر بعد قرار صنعاء إغلاق خط الملاحة في البحر الأحمر أمام السفن الإسرائيلية وكذلك السفن التي تربطها أي صلة بإسرائيل الهجمات الأخيرة التي شنتها قوات البحرية اليمنية التابعة لحكومة صنعاء.
إلى ذلك، أفاد المركز الإسرائيلي بأن قوات حكومة صنعاء البحرية نجحت في احتجاز سفينة إسرائيلية في أعماق البحر الأحمر، كما أكد الإعلام الإسرائيلي استهداف سفن إسرائيلية أخرى بواسطة المسيرات خلال الأسبوع الماضي، ما مثّل خطراً على التجارة البحرية الإسرائيلية وخطوط الإمداد التي تمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس.
وحسب مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، فيما ذكره الباحث في المركز يجال ماور، فإنه “في أعقاب الهجمات البحرية المهمة التي وقعت مؤخراً في البحر الأحمر، بما في ذلك احتجاز السفينة “غالاكسي ليدر”، نشأت مخاوف بشأن سلامة أي سفينة تبحر ولها أي صلة بإسرائيل على هذا الطريق”.
وأكد المركز أن العملية أجبرت عدّة شركات نقل إسرائيلية إلى الإعلان عن تغيير مساراتها البحرية، لتلافيً المرور عبر مضيق باب المندب، والاضطرارً للالتفاف حول القارة الأفريقية.
مشيرا إلى أن من أهمّ تلك الشركات هي شركة الشحن الدولي الإسرائيلية «زيم»، والمملوكة للقطاع العام الإسرائيلي، وهي واحدة من أكبر 20 شركة نقل عالمية، وقد فرضت علاوةً إضافية على أسعار تأمين الشحنات ضمن بند مخاطر الحرب. وهذه هي المرّة الثانية التي تلجأ فيها الشركة، خلال شهر واحد، إلى تعديل الأسعار، إذ كانت قد رفعتها 10 أضعاف، بالتوازي مع ارتفاع أسعار الشحن بشكل غير مسبوق.
من جهته، قال رئيس قسم الأبحاث في شركة «فريتوس»، يهودا ليفين، لصحيفة جلوبس الإسرائيلية، إن «العديد من السفن التي لها روابط مع إسرائيل، اضطرّت، بسبب الظروف الحالية، للإبحار حول أفريقيا، بدلاً من المرور عبر البحر الأحمر، وهو طريق يمكن أن يطيل الرحلة لمدّة أسبوعين، ويرفع كلفة النقل بشكل كبير».
وكانت شركة شحن الحاويات الدنماركية العملاقة «ميرسك»، والتي تحتلّ المرتبة الثانية عالمياً في هذا المجال، بتملّكها حصّة 14.8 % من إجمالي التجارة، قد أعلنت قرارها بتحويل باخرتَين من البحر الأحمر بسبب الشبهة الإسرائيلية: السفينة «ليزا» التي وصلت من الهند وتمّ توجيهها إلى ميناء صلالة في عمان، والسفينة «ميرسك باجاني» التي انطلقت من كيب تاون وتمّ تحويلها إلى موندرا في الهند، وقد اتّخذت الشركة هذه الخطوة، لأن السفينتين لهما علاقة بإسرائيل، وتستأجرهما مجموعة «XT»، بقيادة أودي آنجل (50 % مملوكة لشركة آنجل، و50 % لإيدان عوفر).
وبفعل تلك العوامل، ارتفعت أسعار الشحن من وإلى الأراضي المحتلة بشكل إضافي، بعدما كانت شهدت ارتفاعات في أعقاب اندلاع أحداث غزة، وتُظهر بيانات شركة «فريتوس»، ارتفاع سعر الشحن لأيّ حاوية من الصين إلى ميناء أشدود، بنسبة تراوح بين 9% و14%.
ولعل أكثر المسارات البحرية المتضرّرة من هذه التطوّرات، تلك التي تربط الكيان المحتلّ بدول شرق آسيا والهند، والتي لا بدّ من أن يمرّ إبحارها عبر باب المندب. وتجدر الإشارة إلى أن الكيان المحتل يستورد أكثر من 50% من وارداتها من دول شرق آسيا والهند، فيما يمرّ جزء كبير من هذه البضائع عبر طريق باب المندب، علماً أن قيمتها بلغت نحو 46 مليار دولار في عام 2021م، وفي المقابل، يُصدّر الكيان نحو 24.6 % من بضائعها نحو دول شرق آسيا والهند، والتي بلغت قيمتها، في عام 2021، نحو 15.8 مليار دولار.
والضرر الحاصل يأتي من عاملَين: الأوّل، هو إطالة مسافة الرحلة، أي ارتفاع كلفة النقل؛ والثاني، هو أن المخاطر التي تتعرّض لها البواخر تعني ارتفاع قيمة التأمين على البضائع، بالإضافة إلى الضرر غير المباشر الحاصل بسبب تأخّر وصولها. وفي كلتا الحالتَين، ينعكس هذا الأمر على كلفة نقل البضائع، وهو ما يتحوّل مباشرة إلى ارتفاع في أسعار السلع المستورَدة والمُصدَّرة، ما يؤثّر سلباً على الاقتصاد. فارتفاع أسعار البضائع المستوردة يعني ارتفاعاً في معدلات تضخّم الأسعار، فيما ارتفاع أسعار البضائع المُصدّرة يعني فقدان تنافسية البضائع الإسرائيلية، وهو ما قد يُحوّل أنظار مستوردي هذه البضائع إلى أماكن أخرى أقلّ كلفةً.
من جانبه، أكد معلق الشؤون الاستخبارية في صحيفة “هآرتس”، يوسي ميلمان، أن الهجمات التي تستهدف السفن التي يملكها رجال الأعمال (الإسرائيليون)، وتنفذها قوات صنعاء تهدد التجارة الخارجية لإسرائيل.
ولفت إلى أن تل أبيب تؤمّن 99 % من احتياجاتها عبر النقل البحري، وكان موقع شركة جلوبس الإسرائيلية للتحليل الاقتصادي، قد نشر تقارير رسمية عن تداعيات منع السفن الإسرائيلية من عبور البحر الأحمر، مؤكدا أن لذلك عواقب وخيمة على الاقتصاد.
وفي السياق، أكد خبراء وباحثون أن إعلان قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، إغلاق مضيق باب المندب في وجه السفن الإسرائيلية، فرض معادلة استراتيجية جديدة ستكون لها تأثيراتها الكبيرة على المعركة المشتعلة بين الجيش الإسرائيلي وحركة المقاومة الفلسطينية حماس، وقد تشكل ضغطاً كبيراً على القوى العالمية المؤثرة باتجاه تصحيح موقفها المنحاز لإسرائيل في حربها العبثية غير المسبوقة على قطاع غزة.
الكاتب والباحث التاريخي المصري سامح عسكر، قال إن إعلان الحوثي استهداف أي سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر إن الخطوة التي اتخذها الحوثي بإعلان استهداف السفن الإسرائيلية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، ستشكل ورطة كبيرة واستنزافاً للولايات المتحدة الأمريكية، إذا ما قررت التصعيد ضد اليمن، من واقع وقوفها العلني والعملي إلى جانب إسرائيل.
ولفت عسكر إلى أن الضربات الأولى التي نفذتها قوات صنعاء ضد أهداف إسرائيلية في إيلات- جنوب البحر الأحمر- كانت بمثابة جس نبض واختبار لقدرات الجيش الإسرائيلي الدفاعية، كما تُعد رسائل تضغط نحو ضرورة وقف الحرب على غزة ومنع توسعها، مؤكداً أن استهداف سفن إسرائيلية في البحر الأحمر نقلة كبيرة لن تؤثر فقط على الاقتصاد الإسرائيلي، بل على حركة التجارة العالمية وناقلات النفط، في أكثر بحار الشرق أهمية، حسب وصفه.
الباحث اليمني في الشؤون العسكرية، العميد عبدالله عامر، نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي التابعة لوزارة الدفاع بحكومة صنعاء، أكد أن القرار الذي اتخذته صنعاء بإغلاق مضيق باب المندب أمام السفن الإسرائيلية، وضع الجميع أمام معادلة حاضرة وقوية ومؤثرة، وأن مجرد التداول الإعلامي للقرار اليمني سوف يؤثر على حركة الملاحة الدولية، بشكل مباشر أو غير مباشر، متوقعاً أن أول نتيجة مباشرة للقرار، هي أن الشركات سوف تراجع مسألة استمرارها في الشحن نحو إيلات وقد تتوقف لفترة، مؤكداً أن بعضها بدأت فعلياً بمراجعة إجراءات تأمين النقل البحري إلى إيلات، ومن الطبيعي أنها سوف ترفع أسعار التأمين.
العميد عبدالله عامر أشار، في تدوينة على منصة إكس، رصدها موقع “يمن إيكو”، إلى أن السفن المتجهة من وإلى إيلات بدأت بالفعل في اتخاذ مسارات أخرى مكلفة مادياً، إذا لم تكن توقفت عن المرور في البحر الأحمر، إضافة إلى القطع الحربية الإسرائيلية، موضحاً أن مثل هذه الخطوة تؤثر بمجرد الإعلان عنها فقط، متسائلاً: “فكيف سيكون عليه الأمر والقرار بات خاضعاً للتنفيذ العملي”.
وأكد أن “الاقتصاد الإسرائيلي سوف يتكبد خسائر كبيرة جراء تحويل السفن لمساراتها، لاسيما القادمة من آسيا والخليج، والتي سوف تضطر إلى اتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح، أي الالتفاف حول القارة الأفريقية بشكل كامل، ثم الوصول إلى البحر المتوسط ومنه إلى حيفا، وإذا أرادت الوصول إلى إيلات فأمامها طريق إضافية من خلال قناة السويس ثم خليج العقبة”.
وقال عامر إن “الجميع سيدرك أهمية هذه الخطوة في الضغط، ليس على إسرائيل وحسب، بل على أوروبا والدول العربية أيضاً، من أجل التوجه نحو وقف إطلاق النار”، موضحاً أنه إذا ما كان هناك وقف لإطلاق النار فسوف “يطرح الإسرائيلي شرطاً يتضمن إنهاء الإجراءات اليمنية”، مؤكداً: “إننا أمام معادلة باتت حاضرة وقوية ومؤثرة”.
ولفت بن عامر إلى أن مصر في حربها مع إسرائيل عام 1973م أغلقت باب المندب، بالتعاون مع اليمن، أمام السفن الإسرائيلية (المتجهة من وإلى إيلات) وخلال الأيام الأولى للحرب كانت إسرائيل تكابر وتتكتم على الأضرار، حتى لا تمنح الطرف الآخر إنجازاً، في وقت كان اقتصادها يتكبد خسائر يومية، لدرجة أن بعض مصانعها توقفت، ولم تكشف عن خطورة إغلاق باب المندب إلا خلال مفاوضات وقف إطلاق النار، ولم تطرحها إسرائيل بنفسها، بل الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت تلح على إنهاء إغلاق المضيق، وهنا شعرت مصر بأنها اتخذت خطوة مهمة كان لها دور في إخضاع إسرائيل لدرجة أن تل أبيب اشترطت فتح باب المندب مقابل فك الحصار على الجيش المصري الثاني.
على الصعيد نفسه، ذكر ناشطون أن حركة التجارة العالمية سوف تتأثر سلباً بقرار صنعاء إغلاق باب المندب أمام السفن الإسرائيلية، مؤكدين أن القرار سيغير معادلات وخرائط المنطقة.
من جانبه أشار الناشط السعودي، حاتم الفقيه، في تدوينة على موقع إكس، إلى أن شركات تجارية عالمية ألغت معاملاتها مع إسرائيل، خوفاً من قصف سفنها في البحر الأحمر، مضيفاً أن شركات التأمين ضاعفت أسعار التأمين على نقل البضائع من وإلى إسرائيل، الأمر الذي سينتج عنه حراك دولي عالمي بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب على غزة، كما أن بعض الدول ومنها روسيا حذّرت الولايات المتحدة الأمريكية من الدخول في حرب مباشرة مع اليمن، مؤكداً أن القرار سيغير معادلات وخرائط المنطقة.
وكان قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، قد ألقى خطاباً بمناسبة تدشين فعاليات الاحتفاء بالذكرى السنوية للشهيد، أعلن فيه أن السفن الإسرائيلية التي تمر من مضيق باب المندب والبحر الأحمر ستكون هدفاً لصواريخ قوات صنعاء، حتى يتم وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي بدأت عقب عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي، ضد مواقع إسرائيلية في محيط قطاع غزة.
وعقب خطاب السيد القائد فتحت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” ملف إسقاط طائرة تجسسية أمريكية فوق أجواء المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر، بصاروخ أطلقته قوات صنعاء، ملوحةً بتصعيد عسكري في اليمن، حيث قالت، في تدوينة على حسابها الرسمي في موقع إكس، إنها “تحتفظ بحق الرد في أي مكان وزمان”، الأمر الذي اعتبره مراقبون محاولة ضغط على صنعاء للتراجع عن قرارها إغلاق باب المندب أمام السفن الإسرائيلية.
وأعلنت قوات صنعاء، حينها، بدء مرحلة جديدة من الاستهداف لإسرائيل والمتمثلة بقصف أي سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر حتى توقف الحرب على غزة، وهي استجابة عملية لقرار السيد القائد، منع عبور السفن الإسرائيلية من المضيق، معلنة في الوقت نفسه عن تنفيذ عمليتين عسكريتين خلال 24 ساعة على أهداف إسرائيلية حساسة في إيلات بالأراضي المحتلة.
وقال العميد يحيى سريع- المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية من صنعاء، في بيان متلفز إن القوات المسلحة اليمنية تؤكد بدء اتخاذ الإجراءات العملية للتعامل مع السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، ولن تتردد في استهداف أي سفينة إسرائيلية ابتداء من لحظة إعلان هذا البيان، ولن تتوقف حتى وقف الحرب على غزة.

قد يعجبك ايضا