مخطئ من يتوهم أن أمريكا مجرد راعٍ للعدو الصهيوني، أو داعم لوجستي يقدم كل أشكال الدعم لهذا العدو الذي هو بالأساس يؤدي دوراً وظيفياً لخدمة أمريكا والمنظومة الاستعمارية، وبالتالي أمريكا وتحديداً في معركة (طوفان الأقصى) تخلت عن دورها كداعم لوجستي، بل كانت في موقع الإدارة الفاعلة في العدوان من حيث التخطيط والإشراف والتوجيه والسيطرة، وعبر غرفة التحكم والقيادة كانت أمريكا حاضرة ومدركة لكل ما يجري على أرض المعركة، وكل قذيفة وصاروخ أطلقهما العدو على القطاع، كانت أمريكا على علم بها ومطلعة على حجم تأثيرها، ولديها معلومات كاملة عن الهدف الذي ذهب إليه الصاروخ أو القذيفة..
كل المجازر والمذابح التي قام بها الصهاينة في قطاع غزة طيلة أيام وليالي وساعات ودقائق فترة العدوان، كانت أمريكا على إطلاع بكل تفاصيلها، وأمريكا هي من أقامت جسرا جويا حمل للكيان أحدث الصواريخ والقنابل الذكية ومنها القنابل والصواريخ ذات القوة التدميرية الهائلة الموجهة عبر الأقمار الصناعية والمخصصة للأنفاق والملاجئ والتحصينات الأرضية، وأمريكا كانت وراء كل مذبحة ومجزرة ارتكبها الصهاينة في القطاع، وكانت لديها كل المعلومات عن الضحايا المدنيين وخاصة النساء والأطفال، وهي على دراية واطلاع مسبق عن كل قذيفة وصاروخ يسقط على القطاع، ولديها العلم عن عدد الضحايا الذين سوف يسقطون جراء إلقاء هذا النوع من القذائف أو الصواريخ، وكانت وراء قصف المشافي والمراكز الصحية، بمعنى أن كل الجرائم التي ارتكبت في قطاع غزة وتجري في الضفة الغربية أو في القدس تعلم بها أمريكا عبر أجهزتها ومندوبيها على الأرض وفي غرف التحكم والسيطرة، ومن لا يتذكر أن الرئيس الأمريكي ذاته شارك في إدارة العدوان من غرفة القيادة الصهيونية ومثله فعل وزير خارجيته (بلينكن) الذي قال في أول زيارة له بعد يوم الطوفان (إنني جئت للتضامن معكم بصفتي يهودياً لا وزيراً لخارجية أمريكا) و(بايدن) هو القائل ( لو لم تكن إسرائيل موجودة بالمنطقة لاخترعناها، ولو لم تكن صهيونية لاخترعنا الصهيونية).
إذاً من يتحدثون عن دور أمريكي للسلام في المنطقة هم إما أغبياء أو عملاء مرتهنون للصهاينة وأمريكا هي حاضنة الصهيونية ومعمل صناعة الصهاينة الذين بهم تبقى أمريكا مهيمنة على الوطن العربي ومتحكمة بثرواته وبسيادته وكرامة مواطنيه وقرارهم ومصيرهم، ألم تكن هي راعية السلام المزعوم من ( كمب ديفيد) إلى (مدريد) ثم (أوسلو) ولم تكن يوماً أمريكا وسيطاً محترماً فما بالكم بالشرف والنزاهة..
إن أمريكا هي حجر عثرة أمام قيام دولة فلسطينية مستقلة، وهي من أعاقت كل مشاريع السلام التي قدمها العرب والفلسطينيون، فماذا قدمت أمريكا للسلطة الفلسطينية التي اختارت طريق السلام مع العدو برعاية أمريكا..
إنها ترفض المقاومة وتحاربها وتصفها بالإرهاب، وترفض تمكين السلطة الفلسطينية من دورها وتعزيز صلاحيتها السيادية والاعتراف بها كدولة ذات سيادة كاملة وليس مجرد (شرطي حراسة لتأمين حياة المستوطنين، والتصدي لأي مقاوم يستهدف الاحتلال)..
أمريكا هي ذاتها من أطلقت مصطلح (حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها)
وهذا مصطلح عجيب وغريب إذا أصبح من حق كيان محتل، ويُحرم منه من هو تحت الاحتلال..
كيف يكون للكيان المحتل حق الدفاع عن النفس، ضد الشعب الواقع تحت الاحتلال؟!
إن الفلسطيني المقاوم إرهابي، وليس من حقه الدفاع عن وطنه وتحرير أرضه والدفاع عن أمن واستقرار شعبه ومقدساته، أي منطق أعوج وعبثي وسفسطائي هذا الذي تسوقه أمريكا، لو لم تكن هي القاتل لأطفال ونساء فلسطين، وهي المحتلة الحقيقية لفلسطين ولكل الأراضي العربية في سوريا ولبنان، وليس الكيان إلا مجرد ( حاملة طائرات وقاعدة عسكرية متقدمة تخدم أمريكا ومصالحها)، بمعنى أن العدوان على قطاع غزة، هو عدوان أمريكي وفي سبيل مصالح أمريكا الجيوسياسية، وجميعنا نتذكر حرب 2006م ضد المقاومة الإسلامية في لبنان ممثلة (بحزب الله) والهدف منها تعزيز قبضة أمريكا بالمنطقة عبر ما أسمته وزيرة خارجية أمريكا حينها ( كونداليزا رايس) بميلاد (الشرق الأوسط الجديد) الذي ظلت ( رايس) تبشر به وبميلاده طيلة 30 يوما رافضة وقف إطلاق النار وآملة تصفية حزب الله الذي بنهايته سيولد الشرق الجديد، ولكن هذا لم يحدث وما حدث هو أن قهرت المقاومة في لبنان الجيش الذي لا يُقهر، فاضطرت (رايس) وأمريكا قسراً وقهراً لقبول وقف اطلاق النار.. الموَّال ذاته تكرر في العدوان على قطاع غزة ولم تخل تصريحات المسؤولين الأمريكيين – وإن بالتلميح – عن الشرق المزعوم أمريكيا..!
لذا أقول: إن أمريكا هي وراء دمار غزة ومجازر الأطفال والنساء وهي رأس الحربة والمسؤولة المباشرة عن كل الجرائم بحق الشعب العربي في فلسطين، وهي العدو الذي يجب أن نوجه إليه سهامنا وقذائفنا، أما أتباعها سواء الكيان أو حراسه من أنظمة المنطقة فهم مجرد أدوات رخيصة وبائسة وحسب.