لن يمرّوا !

يكتبها اليوم / عباس السيد

براءة، طفلة يمنية في الخامسة من عمرها، شاطرة في معرفة الألوان، ولها لونها المفضل وهو الوردي، وقد كانت ترفض أن ترضع الحليب من زجاجة ما لم يكن لونها ورديا.
قبل أسابيع كانت براءة رفقة عائلتها في زيارة لمدينة الحديدة، أول مرة تشاهد براءة البحر، هذا هو البحر الأحمر يا براءة.
اعترضت بشدة على التسمية، وأصرت على انه “البحر الأزرق” وليس البحر الأحمر.. وتمنت لو أنه يتمدد إلى صنعاء.
براءة، مثل كل اليمنيين في رؤيتهم للبحر وعشقهم له واستعدادهم لتقديم أغلى التضحيات لحماية مياهه وجزره وشواطئه.
نظرة اليمنيين للبحر الأحمر، تنطلق من مصلحة وطنهم وأمتهم العربية والإسلامية.
وفي سياق هذه النظرة، قدم اليمنيون عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى في معارك الساحل الغربي منذ 2015 واختلطت دماؤهم بمياه البحر.
وتجسيدا لرؤيتهم، جاءت عملية اقتياد السفينة الإسرائيلية “جلاكسي ليدر” إلى الساحل اليمني، التي نفذتها البحرية اليمنية يوم 19 نوفمبر 2023 .
لليمنيين أيضا رؤيتهم الخاصة في حماية البحر الأحمر كبيئة وممر ملاحي دولي، وهم يشعرون بمسؤولية خاصة في هذه الحماية، ولم يكونوا في أي مرحلة تاريخية سببا يهدد الملاحة الدولية .
اليمنيون والبحر الأحمر مثل توأمين، وجدا نفسيهما إلى جوار بعض منذ الخليقة. ولطالما حذر اليمنيون من محاولات قوى الاستعمار للهيمنة على البحر، وخصوصا بعد زرع دولة الكيان في فلسطين المحتلة.
الكيان اللقيط الذي لم يخف أطماعه وخططه لتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة يهودية، عمل خلال ستة عقود لتنفيذ مخططه، والبداية كانت عام 1949، باحتلاله قرية أم الرشراش ليطل من خلالها على مياه البحر الأحمر بشاطئ لا يتجاوز طوله 14 كيلو متراً شمال خليج العقبة، وتمددت أطماعه جنوبا إلى جزيرتي تيران وصنافير ومحاولاته العسكرية والسياسية لنزع السيادة المصرية على مضيق تيران، وتكللت تلك المساعي بنقل السيادة على الجزيرتين إلى المملكة السعودية، وبذلك استطاع تغيير الوضع القانوني للمضيق وتحويله إلى ممر دولي، ليضمن كيان العدو تأمين مرور سفنه التجارية والعسكرية في مضيق تيران .
قبل ذلك تمكن كيان العدو من إنشاء قواعد للمراقبة والتجسس في الجزر الإريترية شمال باب المندب، بعد أن فشلت محاولاته في تدويل جزيرة ميُّون اليمنية في باب المندب بعد خروج الاحتلال البريطاني من جنوب اليمن عام 1967 .
ويأتي احتلال جزيرة ميون من قبل تحالف العدوان على اليمن عام 2015، ليعيد آمال كيان العدو لتدويل الجزيرة ومضيق باب المندب وحرمان اليمن من حقوقه السيادية على الجزيرة الاستراتيجية والمياه الإقليمية اليمنية جنوب البحر الأحمر.
البحر الأحمر والشرق الأوسط الصهيوني:
في كتابه “الشرق الأوسط الجديد”، كتب شيمون بيريز : «يمكن لنا أن نبدأ في نقطة البحر الأحمر، فقد تغيرت شطآن البحر الأحمر مع الزمن، وأصبحت مصر والسودان وإريتريا تقع على أحد الجوانب فيما تقع (إسرائيل) والأردن والسعودية على الجانب الآخر، وهذه البلدان تجمعها مصلحة مشتركة، ويمكن القول أنه لم يعد هناك أسباب للنزاع، فإثيوبيا من بعد نظام منجستو وإريتريا المستقلة حديثاً تريدان إقامة علاقات سليمة مع جاراتها بما في ذلك (إسرائيل)، في حين أن مصر وقعت بالفعل اتفاقية سلام مع (إسرائيل)، أما الأردن والسعودية واليمن فتريد تأمين حرية الملاحة والصيد وحقوق الطيران.
أحلام بيريز التي سطرها في كتابه عام 1993م، تحقق جزء منها على أرض الواقع، ومنها مشروع نيوم السعودي الذي يجري تنفيذه شمال السعودية على مساحة تعادل مساحة فلسطين التاريخية .
لكن اليمنيين كان لهم رأيهم : لن تمروا .
أفسد اليمنيون تلك المخططات والأحلام الصهيونية بقرار حظر مرور السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر .
أطلق السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي تحذيره، وقامت البحرية اليمنية بتنفيذ قرار القيادة في عملية الـ19 من نوفمبر الجاري، التي تمكنت فيها من الاستيلاء على السفينة الإسرائيلية “جلاكسي ليدر” واقتيادها إلى الساحل اليمني.
العملية التي لاقت تأييدا واسعا في الشارع اليمني والعربي والإسلامي، لتزامنها مع العدوان الهمجي الصهيوني على غزة، شكلت ضربة قوية انقضت على كيان العدو وقطعت عليه أحلامه.
القرار اليمني تم اتخاذه ولا يمكن لسفن العدو أو غواصاته ولا لأساطيل وبوارج حلفائه أن تغير في هذا القرار، وهم يدركون عواقب أي حماقة أو محاولة لاستعراض عضلاتهم في البحر الأحمر.
aassayed@gmail.com

قد يعجبك ايضا